الاثنين، 22 يونيو 2009



حقيقة الصراع القدس
القدس بين أهل الحق وأهل الباطل
يلاحظ المتأمل في تاريخ القدس منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا أن هذه المدينة المقدسة هي مركز الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل منذ فجر التاريخ.
وأن كلاً من أهل الحق وأهل الباطل يتعاقبون على حكمها، فتكون تحت حكم المؤمنين الموحدين، وتبقى في أيديهم ما داموا ملتزمين بدينهم متمسكين بشريعة ربهم، فإذا ما انحرفوا عن دينهم وتخلوا عن مبادئهم، وأصابهم الترف والفساد سلط الله عليهم عدوه وعدوهم، فأخرجهم منها، بعد أن ينزل بهم القتل والتشريد والذل والهوان، وتظل القدس أسيرة محكومة للباطل ولا تعود إلى أهل الحق مهما طال الزمن حتى يعودوا إلى ربهم ويلتزموا بدينهم ويجاهدوا عدوهم.
وهذه الحقيقة يؤكدها تاريخ القدس منذ أقدم العصور، وسوف أبينها من خلال النقاط الموجزة الآتية:

أولاً:الذي حكم القدس زمن إبراهيم عليه السلام(حوالي1900ق.م) هم المؤمنون الموحدون، فقد كان حاكمها هو المؤمن الموحد "ملكي صادق" صديق النبي إبراهيم، وقد حكمها بشريعة الله، وكان دينهم الإسلام"ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين".
وكان الإمام في هذه الأرض المقدسة هو إبراهيم ومن بعده عدد من أبنائه وأحفاده المؤمنين المسلمين، يؤكد ذلك قول الله تعالى:" وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك لناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين"البقرة124، وقوله سبحانه:"ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا، وأوحينا إليهم فعل الخيرات، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين"الأنبياء72-73.
وعندما توجه يعقوب عليه السلام إلى مصر ومعه عدد من أبنائه ليلتقوا بيوسف عليه السلام ويعيشوا في مصر ترك يعقوب في بيت المقدس أئمة من أتباعه يحكمونها، وظلت تحت حكمهم نحو خمسة قرون إلى أن انحرفوا عن دينهم، فسلط الله عليهم قوماً جبارين من أهل الباطل فسيطروا عليها، ونكلوا بالمنحرفين الفاسدين، وكان ذلك في زمن رسالة موسى عليه السلام في مصر أي زمن رمسيس الثاني(1301-1234ق.م).

ثانياً: كلف الله موسى عليه السلام بتحرير الأرض المقدسة بمن معه من المؤمنين، لأنه لا يجوز لأهل الحق أن يتركوها مغتصبة في أيدي أهل الباطل، فأمر موسى قومه بالتوجه إليها بعد أن نجاهم الله من فرعون وجنده، لكنهم رفضوا بحجة أن فيها قوماً جبارين، وأصروا على الرفض فعاقبهم الله بالتشرد والذل، وهذا مصير كل من لا يسعى من المسلمين إلى تحرير القدس، أما موسى عليه السلام فقد سأل الله أن يفرق بينه وبين قومه الظالمين، وأن يموت قريباً من القدس فحقق الله له ما أراد. ويحكي الله تعالى هذه الحادثة فيقول:"وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين* يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين* قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون* قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين* قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون*قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين* قال فإنها محرمة عليهم، أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين".

ثالثاً: اندثر الجيل الجبان المنحرف من قوم موسى، وخرج جيل مؤمن قاده قائد رباني هو النبي يوش بن نون، تمكن من تحرير القدس، حوالي سنة1190ق.م" وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم".
ويلاحظ أن النصر والتحرير لم يتحقق بكل من ادعى الإسلام، وأنه من أتباع يوشع، بل تحقق فقط بالفئة القليلة المؤمنة التي لا يشغل قلوب أفرادها أي شيء من الدنيا، وعن يوشع بن نون وتنقية صفه يحدثنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم فيقول:"غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني منكم رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه".

رابعاً: ظلت بيت المقدس في يد الفئة المؤمنة من أتباع يوشع بن نون مدة من الزمن إلى أن خرج منهم جيل منحرف ظالم، فجرت فيهم سنة الله في المنحرفين الظالمين، إذ سلط الله عليهم من أهانهم واغتصب أرضهم وسامهم سوء العذاب، وهم جالوت وجنوده الذين يرجح أنهم الآشوريون" وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاَ بما كانوا يكسبون"، "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم".
وقد ظلت القدس في قبضة جالوت وجنوده إلى أن عاد أهل بيت المقدس إلى دينهم، وخرجت منهم فئة مؤمنة ربانية مجاهدة قادها الملك المؤمن طالوت(سنة1025ق.م)، وكان من بين جنده المؤمنين داوود عليه السلام. ولأنه لا يصلح لتحرير القدس إلا الصالحون الصادقون الأتقياء قرر طالوت أن يمحص صفه وينقيه من ضعاف الإيمان، فاختبرهم اختبارات عدة، ولم يواجه عدوه إلا بفئة قليلة مؤمنة نجحت في كل مراحل التمحيص والاختبار، ويصور الله سبحانه هذا التمحيص وما حصل بعده من نصر لعباده الصادقين فيقول:"ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى، إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، قال: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين* وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً، قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال، قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم* وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين*فلما فصل طالوت بالجنود قال: إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني، إلا من اغترف غرفة بيده، فشربوا منه إلا قليلاً منهم، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه، قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين* ولما برزوا لجالوت وجنوده، قالوا ربنا أفرغ علنا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين* فهزموهم بإذن الله، وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة، وعلمه مما يشاء، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين* تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، وإنك لمن المرسلين".

خامساً: أقام داوود عليه السلام(1004-963ق.م) دولة خلافة إسلامية في الشام، وورث الحكم بعده ابنه سليمان عليه السلام، واستمر حكمه إلى سنة(923ق.م). وكانت عاصمتهما القدس، ويعد عصر هذه الدولة العصر الذهبي لبيت المقدس. وما يؤكد إسلامية هذه الدولة أن الأنبياء كلهم مسلمون، فسليمان عليه السلام عندما دعا بلقيس ملكة سبأ إلى دينه دعاها إلى الإسلام إذ أرسل إليها يقول:"إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تعلو علي وأتوني مسلمين"، وعندما قررت بلقيس الدخول في دين سليمان قالت:" وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين"، وقد أكد هذا المفهوم آيات عديدة منها قول الله تعالى:" ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين". وما يؤكد أن دولتهما كانت دولة خلافة قول الله تعالى:"يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض"، وقوله سبحانه عن داود عليه السلام:" وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين"، واعتراف سليمان بعظمة ملكه إذ قال:"وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين"، وبامتلاكه جيشاً قوياً متميزاً من الجن والإنس" وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون"، " والشياطين كل بناء وغواص".
وقد بنى سليمان عليه السلام مسجداً هو المسجد الأقصى وليس الهيكل المزعوم، ولا شك أن المسلمين هم الأولى بهذا المسجد لأنهم الملتزمون بالإسلام دين سليمان عليه السلام والمقدرون له، بينما كفر به اليهود وضلوا واتهموا نبيهم بأشنع التهم، وقد جدد سليمان بناء هذا المسجد الذي سبق أن بناه آدم عليه السلام في المكان نفسه، يفهم ذلك عند الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم: :"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض، قال المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال أربعون عاماً..." وقوله في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم:"إن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالاً ثلاثة: حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهره إلا الصلاة فيه، أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه فأوتيه".

سادساً: استمر حكم داود وسليمان حوالي ثمانين عاماً، ثم انحرف بنو إسرائيل عن عقيدة أنبيائهم(الإسلام)، وأخذت زاوية الانحراف تزداد بالتدريج، وانقسمت مملكة سليمان إلى قسمين شكلا دولتين منفصلتين في كثير من الأحيان، عرفت إحداهما بمملكة إسرائيل(923-721ق.م)، بينما سميت الأخرى مملكة يهودا(923-586ق.م)، وقد عانت هاتان الدولتان من الفساد العقائدي والأخلاقي، وانتشر الترف والانحراف وأدى إلى الضعف العسكري والسياسي.
فتحققت فيهم سنة الله تعالى التي تحققت فيمن قبلهم من المنحرفين عن منهج الله، إذ سلط الله على مملكة إسرائيل الملك الآشوري سرجون الثاني فقضى عليها سنة721ق.م ونقل سكانها إلى حران وكردستان وفارس وساموهم سوء العذاب، وأسكنوا مكانهم جماعات من الآراميين، كما سلط الله سبحانه على مملكة يهودا نبوخذنصر فقضى عليها سنة586ق.م وسبى 40ألفاً من أهلها المنحرفين إلى بابل.

سابعاً: أرسل الله سبحانه عدداً كبيراً من الأنبياء إلى بني إسرائيل المنحرفين، لعلهم يهتدون ويعودون إلى الإسلام دين أنبيائهم ويستحقون التمكين في الأرض المقدسة، لكنهم كذبوا أنبياءهم وأساءوا إليهم وقتلوا كثيراً منهم، فاستحقوا البقاء في الذل والتشرد والعبودية للعديد من الأقوام. إذ تمكن الإمبراطور الفارسي قورش الثاني من احتلال القدس بعد أن أسقط الدولة البابلية الكلدانية سنة 539ق.م، وقد أعاد قورش جزءاً من اليهود إلى القدس مكافأة لهم على مساعدتهم له ضد البابليين، فعاشوا فيها تحت حكم الفرس، ثم خضعت القدس لاحتلال الإسكندر المقدوني سنة 332ق.م، فعاش اليهود خاضعين لليونان، وانقسموا وزادت خلافاتهم بسبب تنافسهم على الولاء لحكامهم، ثم خضعت القدس سنة37ق.م لاحتلال الرومان الذين نصَّبوا عليها هيرودس الذي تهود وقتل -بتحريض من اليهود- نبي الله يحيى ثم أبوه النبي زكريا، ورمى اليهود مريم بنت عمران بالزنى، وهموا بقتل عيسى عليه السلام، وظنوا أنهم قتلوه لكن الله نجاه منهم ورفعه إليه.
ثامناً: ثار اليهود على الحكم الروماني، انتقاماً من الروم ورغبة في الاستقلال بحكم القدس، لكنهم فشلوا لأنهم كانوا يكفرون بربهم ويقتلون أنبياءهم، والأرض المباركة المقدسة لا يمكن أن تحرر إلا على أيدي المسلمين المؤمنين، وقد سلط الله على اليهود بعد ثورتهم القائد الروماني تيتوس فغزا القدس سنة 70م، وقتل من فيها من اليهود وسبى ذراريهم وهدم المدينة.

تاسعاً: ظلت بيت المقدس وأرض الشام في قبضة المحتل الأوروبي(الرومي) حتى قيض الله لها الأمة المسلمة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام-رضوان الله عليهم- فحرروها، إذ تسلم مفاتيحها عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- سنة 16هـ .
ولم ينسَ عمر أن يوضح للمسلمين معالم الطريق إلى القدس، وسبيل بقائها تحت حكمهم، فقال:" إنكم كنتم أذل الناس وأحقر الناس وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله".
وقبل أن يغادر بيت المقدس خطب خطبة دفع المسلمون وما زالوا يدفعون ثمناً باهظاً عندما أهملوها ولم يعملوا بوصيته فيها، إذ قال:" يا أهل الإسلام، إن الله تعالى قد صدقكم الوعد، ونصركم على الأعداء، وأورثكم البلاد، ومكَّن لكم في الأرض، فلا يكون جزاؤه منكم إلا الشكر، وإياكم والعمل بالمعاصي، فإن العمل بالمعاصي كفر بالنعم، وقلما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثم لم يفرغوا إلى التوبة إلا سُلبوا عزَّهم، وسلَّط الله عليهم عدوهم".

عاشراً: ظلت القدس في أيدي المسلمين نحو خمسة قرون ينعمون بها وتنعم بهم وبحكمهم لها على منهج الله، وعندما انحرفوا عن دينهم، وتنافسوا على الدنيا، وكثرت معاصيهم، ولم يفرغوا إلى التوبة، سلبوا عزهم وسلط الله عليهم عدوهم، فسقطت سنة 492هـ في أيدي الصليبيين.
وقد سجل التاريخ على الفاطميين الشيعة وواليهم على القدس افتخار الدولة أنهم هم الذين تنازلوا عن القدس للصليبيين مقابل تركهم يحكمون مصر وبعض مناطق الشام، فأمن الصليبيون حاكمهم وحاشيته، وسمحوا بخروجهم آمنين، دون أن يخوضوا معهم أي قتال، وترك أهل القدس للصليبيين، فقتلوا منهم أكثر من سبعين ألفاً بينهم الكثير من الفقهاء والعلماء والعباد.
أحد عشر: ظلت القدس أسيرة في قبضة الصليبيين إلى أن أخذ المسلمون بأسباب النصر، فعادوا إلى ربهم، والتزموا بدينهم، وزهدوا في الدنيا، ووحدوا كلمتهم على الجهاد في سبيل الله، وتسلم قيادتهم أمراء ربانيون مجاهدون، فحرروها سنة583هـ/1187م.
يقول ابن الأثير واصفاً القائد نور الدين محمود بن زنكي الذي حرر معظم الشام وفلسطين وجهز منبراً للمسجد الأقصى، وأوشك على تحرير القدس، لكنه توفي قبل أن يحقق أمنيته:" طالعت تواريخ الملوك المتقدمين إلى يومنا هذا، فلم أرى بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين، فقد كان حريصاً على أداء السنن وقيام الليل بالأسحار، ينام بعد صلاة العشاء ثم يستيقظ في منتصف الليل، فيصلي ويتبتل إلى الله بالدعاء حتى يؤذن الفجر، كما كان كثير الصيام".
ويتحدث ابن كثير عنه فيقول:" قرأ عليه بعض طلبة الحديث حديثاً مسلسلاً بالتبسم، فطلب منه أن يبتسم ليصل التسلسل، فامتنع من ذلك وقال: إني لأستحي من الله أن يراني مبتسماً والمسلمون يحاصرهم الفرنج بثغر دمياط".
ويقول ابن شداد واصفاً صلاح الدين الأيوبي الذي تحررت القدس على يديه وأيدي جنده المؤمنين:" حسن العقيدة، كثير الذكر، شديد المواظبة على صلاة الجماعة، ويواظب على السنة والنوافل ويقوم الليل، وكان يحب سماع القرآن وينتقي إمامه، وكان رقيق القلب خاشع الدمعة، إذا سمع القرآن دمعت عيناه، شديد الرغبة في سماع الحديث، كثير التعظيم لشعائر الله".
وعلى طريقة يوشع بن نون وطالوت وغيره من القادة المؤمنين الذين حرروا القدس، لم يقبل صلاح الدين في صفه عاصياً، وعندما تفقد جيشه قبيل معركة حطين وسمع القرآن يتلى من جميع الخيام باستثناء خيمة واحدة أشار إليها وقال: من هنا تأتينا الهزيمة، وطرد جنود هذه الخيمة من جيشه.

اثنا عشر: سقطت عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد في قبضة المغول سنة656هـ، بسبب انحراف الخليفة المستعصم وانشغاله باللهو، وتسليم مقاليد الحكم إلى الوزير الشيعي ابن العلقمي الذي تآمر مع المغول على تسليمهم بغداد مقابل تسليم الشيعة حكم العراق، فسرح جيش بغداد الذي كان يتكون من مائة ألف جندي ولم يبق إلا عشرة آلاف، وقطع عنهم الرواتب فصاروا يتسولون في الشوارع، وعندما وصل جيش المغول إلى مشارف بغداد، تظاهر ابن العلقمي بأنه يريد الخروج لمفاوضة هولاكو فإذن له الخليفة، واتفق الوزير الخائن مع هولاكو أن لا يدخل بغداد إلا بعد أن يأتيه بالخليفة وأهل بيته وكل قادة ووجهاء بغداد ليقتلهم، وعاد ابن العلقمي إلى الخليفة ليخبره أن هولاكو لا يريد أن يعود إلا إذا قبل الخليفة أن يزوج ابنه من ابنة هولاكو، ففرح المستعصم بذلك ووافق على مطلب هولاكو، وعندئذ طلب ابن العلقمي أن يخرج جميع قادة ووجهاء بغداد ليحضروا حفل الزواج، فأمرهم الخليفة بالخروج، وخرج الخليفة وأهل بيته ونحو خمسة آلاف من القادة والوجهاء فقتلهم هولاكو جميعاً، وعندما أراد قتل المستعصم نهاه المنجمون عن ذلك، بحجة أن الخليفة ابن عم الرسول(صلى الله عليه وسلم) وأن إراقة دمه ستؤدي إلى زوال ملكه، فامتنع هولاكو عن قتله، لكن العالم الشيعي نصير الدين الطوسي وابن العلقمي أقنعا هولاكو بأن الكثير من أقرباء النبي قتلوا ولم يحصل لمن قتلهم شيء، وأرشداه إلى طريقة تقتله دون أن ينزف دمه، فوضعه هولاكو-حسب نصحهم- في كيس وأمر الجنود بركله بالأقدام، ثم أمر بأن تدوسه الخيل بسنابكها، وقد شهد هذان الخائنان عملية القتل وأظهرا الشماتة في المستعصم، ودخل المغول إلى بغداد وقتلوا نحو مليون مسلم سني من أهلها، وتعاون معهم شيعة العراق، وشاركوا في المذابح وكانوا يركزون على العلماء مثلما فعلوا وما زالوا يفعلون اليوم في العراق الذي شجعوا الأمريكان على غزوه، ودخلوه معهم على ظهور الدبابات الأمريكية، وعملوا جنوداً تحت إمرتهم، وقتلوا عشرات الألوف من السنة واغتالوا آلاف العلماء، مقابل حكم هزيل عميل.

ثلاثة عشر: زحف المغول إلى بلاد الشام التي كان أهلها وحكامها وقتئذ منحرفين مترفين عابثين متصارعين، وفرَّ الأمراء عن دويلاتهم الهزيلة وتركوا شعوبهم بلا قيادة، ويروى أن أحد هؤلاء الأمراء أراد أن يتقرب إلى هولاكو ويؤكد له حسن الولاء، فبعث إليه بهدية وهي حذاء مكتوب أسفله اسم ذلك الأمير، ومعه رسالة يقول فيها: إنه فعل ذلك لكي يتشرف عندما يدوس هولاكو على اسمه، وقد تمكن المغول من احتلال الشام دون مقاومة تذكر، وعندما وصلوا إلى غزة بعث هولاكو برسالة إلى حاكم مصر سيف الدين قطز يقول فيها:"اتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم، فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن شكا، أي أرض تؤويكم ؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، الحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع".
ولسوء حظ هولاكو وجنوده فقد كان قطز حاكماً مؤمناً ربانياً زاهداً مجاهداً، أمر بقتل رسل هولاكو، واستدعى عالم مصر العز بن عبد السلام، وطلب منه أن يحرض الناس على الجهاد، وقام العلماء بدورهم، وتحمس الناس للجهاد في سبيل الله، وتكوَّن جيش مؤمن قرر قائده قطز أن يكون شعاره: "وا إسلاماه"، وأن يخرج الجيش لملاقاة المغول، وأن يحرروا الشام وفلسطين من دنسهم، ودارت معركة عين جالوت، في ( 25-رمضان-658هـ/6-سبتمبر-1260م) وهزم المغول لأول مرة في تاريخهم، وتحررت فلسطين بعد خمسة أشهر فقط من احتلالها، لتخرج الأمة بدرس كبير وهو أن التحرير لا يتأخر عندما يواجه الأعداء بجيش مؤمن يقوده قائد رباني يأخذ بكل أسباب النصر الممكنة، وعندما يقوم علماء الأمة بدورهم في التحريض والبناء والجهاد.

أربعة عشر: ظلت بيت المقدس في أيدي المسلمين وكان آخر من حكمها العثمانيين، وقد حافظ عليها القادة المؤمنون المجاهدون، وكان آخرهم السلطان عبد الحميد الذي عرض عليه اليهود أموالاً ضخمة تحل كل مشكلات الدولة العثمانية، مقابل أن يمكنهم من إقامة وطن لهم في فلسطين، فرفض رفضاً قاطعاً وقال:" لا أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد، لأنها ليست لي، بل لشعبي، ولقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وقد غذوها فيما بعد بدمائهم، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد باغتصابها منا"، لكن المنحرفين عن دينهم من العلمانيين والقوميين في حزب الإتحاد والترقي، تآمروا عليه وخلعوه ومنحوا وباعوا الكثير من أراضي فلسطين لليهود.
أما المنحرفون من العرب فقد وقفوا مع الإنجليز ضد العثمانيين، وصدَّقوا وعود بريطانيا لهم بأنها ستقيم للعرب دولة عربية كبرى يحكمونها بأنفسهم، فتمردوا على العثمانيين وصاروا يقتلون جنودهم المنتشرين في ديار العرب خدمة لبريطانيا، واستقبلوا بالورود الجيش الإنجليزي عندما احتل القدس في9-ديسمبر-1917م. وظل هؤلاء المنحرفون إلى يومنا هذا يرجون النصرة والعون والتحرير من الإنجليز وإخوانهم الأمريكان، ويرون أن لا حل لمشكلات العرب والمسلمين إلا باتباع المناهج الغربية وتقليدهم حتى في أساليب حياتهم الشاذة المنحرفة، بالرغم من أن الإنجليز قد أعلنوا عن نواياهم منذ اليوم الأول الذي دخلوا فيه إلى القدس، حيث وقف قائدهم ألنبي ليقول في أول تصريح له من القدس:" اليوم انتهت الحروب الصليبية"، وبالرغم من أن القائد الفرنسي غورو قد وقف على قبر صلاح الدين وركله بقدمه وقال: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، وبالرغم من أن بريطانيا قد مكنت لليهود في فلسطين، وبالرغم من المذابح التي ارتكبتها أمريكا وما زالت ترتكبها في العراق.
وقد وصل أصحاب هذه القناعات بمساعدة أعداء الأمة والدين إلى الحكم في معظم ديار المسلمين، ولم يفعلوا شيئاً يستحق الذكر لتحرير القدس وفلسطين، فقد كانت حروبهم تمثيلية شكلية دخلوها بهدف أن يُهزَموا، ويقنعوا شعوبهم أنهم لم يقصروا، وأنهم لا قبل لهم باليهود، وأنه لا بد من الاعتراف بدولتهم والسلام معهم، وعندما تحركت الشعوب والحركات الإسلامية لمحاربة إسرائيل عبر الحدود الواسعة للعرب معها، منعها هؤلاء الحكام وصارت المهمة الوحيدة لجيوشهم هي حراسة الحدود لليهود، وقمع كل من يحاول أو يفكر في تحرير القدس، فامتلأت سجونهم بالعلماء والمجاهدين والشرفاء، وقد كان تحرك الإسلاميين مبكراً فقد أرسل الإمام الشيخ حسن البنا برقية إلى الزعماء العرب المجتمعين في جامعة الدول العربية في 3-أكتوبر-1947م يقول فيها: إنه قد جهز عشرة آلاف من الإخوان المسلمين بأسلحتهم كدفعة أولى، ويطلب السماح لهم بالدخول إلى فلسطين لتحريرها من اليهود، لكن حكام العرب رفضوا، فاضطر للتحايل عليهم، إذ تظاهر عدد من الإخوان بأنهم يرغبون في الذهاب إلى سيناء من أجل رحلة علمية، ومن هناك تسربوا بأسلحتهم إلى فلسطين، ومع كثرة الإلحاح على جامعة الدول العربية سُمح لعدد آخر من الإخوان بالدخول ولكن تحت قيادة الجيوش العربية النظامية، وعندما لاحظ اليهود البلاء الحسن للإخوان شكوا إلى أصدقائهم الإنجليز، فصدرت الأوامر إلى قادة الجيش المصري بتجريد الإخوان من أسلحتهم، ووضعهم في المعتقلات، ونفذت الأوامر، ثم سيق الإخوان مكبلين من معتقلاتهم في جنوب غزة إلى سجون مصر، حيث عُذِّبوا وحوكموا، ولا تهمة لهم إلا جِدُّهم وإخلاصهم في قتال اليهود، ثم صدرت الأوامر من ملك مصر فاروق باغتيال البنا، فأطلق عليه الرصاص في 12-فبراير-1949م، ومُنع الأطباء من إسعافه بعد أن وصل بنفسه إلى المستشفى، فظل ينزف إلى أن استشهد-رحمه الله- .لك الله يا أقصى تقنعت باكيـــاً وكل صناديدِ الرجال أسيـــرُ
بكيتَ وأيدي الجاهليـات تلتقــي عليك وعجـلٌ السـامريِّ يخورُ يدير رحاها ألف كسـرى وقيصرٍ وألف حيّيٍّ للمديـرِ مديـــرُ

خمسة عشر: قاد الإسلاميون في فلسطين حركة الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال، فقد أسس الشيخ أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى مع عبد القادر الحسيني سنة 1935م منظمة الجهاد المقدس، وأسس الشيخ عز الدين القسام سنة1928م المنظمة الجهادية، واستشهد على يد الإنجليز سنة1935م، وفجر أتباعه ثورة 1936م التي هزت الوجود البريطاني في فلسطين واستمرت حتى سنة 1938م، وقد قاموا ضد بريطانيا بآلاف العمليات العسكرية ولم تستطع بريطانيا إيقافها إلا بعد أن استخدمت الطائرات والدبابات وسدس جيشها الإمبراطوري.

ستة عشر: انكشف زيف الحكام المنحرفين، فأعلنوا صراحة أن السلام مع الصهاينة المحتلين لبيت المقدس خيار استراتيجي، وأعلنوا عن مبادرات تنازلوا فيها عن القدس واعترفوا فيها بإسرائيل، ووقعوا مع اليهود الاتفاقيات التي تضمن عدم قتالهم، ومحاربة كل من يحاربهم أو يفكر في مقاومتهم.
وطبَّعوا علاقاتهم مع اليهود المحتلين، وتبادلوا معهم الزيارات والقبلات والسفارات، وصار الصهاينة يتجولون آمنين محروسين في شوارع وعواصم هؤلاء الحكام.
كما ثبت فشل كل الحركات العلمانية التي سلكت للتحرير سبلاً بعيدة عن شرع الله تعالى، إذ أن زعماء كبرى هذه الحركات قد اعترفوا بدولة الصهاينة، وتعهدوا بوقف المقاومة، وبذلوا جهوداً مخلصة جادة في اعتقال المجاهدين، وسلموا كثيراً منهم للصهاينة، وأقاموا أجهزة أمنية لا هدف لها إلا خدمة الاحتلال الصهيوني، وأمدهم الصهاينة والأمريكان والأوربيون بالمال والسلاح والتجهيزات.

سبعة عشر: انبرت الحركات الإسلامية في فلسطين لجهاد الصهاينة، وقد التف حولها معظم الفلسطينيين بعد أن تبين لهم زيف الأنظمة الرسمية، وفشل جميع الحركات العلمانية، ففجرت الانتفاضة سنة1987م، وقادت الجماهير، وأدخلت إلى ميادين الجهاد رجالاً لم يعهد الاحتلال مثلهم من قبل، وتطورت الانتفاضة على أيدي المجاهدين من مرحلة الحجارة إلى السكاكين، ثم إلى إطلاق النار، ثم إلى العمليات الاستشهادية، ثم إلى الصواريخ، وما زال جند الإسلام، أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الحق يواصلون جهادهم، ويقضون مضاجع أعدائهم، ولا تلين لهم قناة، بالرغم من بطش عدوهم، وكثرة عدد شهدائهم، والحصار الشديد المفروض عليهم، وخذلان الأنظمة الرسمية لهم، وتآمر بعض أبناء جلدتهم من أهل الباطل عليهم.
تلكم أيها الكرام قصة الصراع على القدس بين أهل الحق وأهل الباطل منذ فجر التاريخ والتي يتبين منها بجلاء معالم الطريق إلى قدسنا المغتصب، فهل من معتبر؟!

رحلة في تاريخ القدس
أولا:: من بَنى المسجد الأقصى؟
عند الشروع في التعرف إلى المسجد الأقصى المبارك، في مفهومه وتاريخه، فإن أول ما نحتاج للإجابة عليه، هو متى بنيَ المسجد الأقصى، ومن بناه؟
بقيت هذه المسألة شغل العلماء والمؤرخين المسلمين، ووضعوا لتفسيرها عدَّة فرضيات مدعومة بقرائن واستقراءات منطقية من الحديث والسنة المشرفة، فوصلتنا من هذه الآراء ثلاثة أقوال ، هي:
الملائكة هم من بنوا المسجد الأقصى.
سيدنا آدم عليه السلام.
سيدنا إبراهيم عليه السلام.
إلا أنَّ الرأي الأول القائل بأن الملائكة هم بُناة المسجد الأقصى، ضعفه كثير من العلماء، مرجِّحين أن يكون البشر هم بُناة المسجد لا الملائكة، فالملائكة لهم بيتهم وبناؤهم في السماء وهو البيت المعمور المقابل للكعبة المشرَّفة في الأرض.
وبذلك نستبعد الرأي الأول ، ونبحث في المقارنة بين فرضيّتي سيدنا آدم وسيدنا إبراهيم عليهما السلام.
وللانطلاق في هذا البحث نعود إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ اَبِي ذَرٍّ، قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِيالاَرْضِ اَوَّلُ قَالَ ‏"‏الْمَسْجِدُالْحَرَامُ ‏"‏ ‏.‏ قُلْتُ ثُمَّ اَىٌّ قَالَ ‏"‏الْمَسْجِدُالاَقْصَى‏"‏ ‏.‏قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا قَالَ ‏"‏ اَرْبَعُونَ سَنَةً .." (متفق عليه..)
بالاستناد إلى هذا الحديث، فإننا نستطيع الاجابة على سؤال: متى بني الأقصى؟ فنقول أنه بني بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة كما ثبت بالحديث الصحيح..
أمّا كلمة ( وُضع ) التي جاءت في الحديث الشريف، فإنها تؤشّر بوضوح على معنى : ( التسمية والتحديد ) لتلك البقعة المباركة، وتخصيصها بكونها مسجداً لله دوناً عن ما جاورها من الأرض.
أصحابُ الرأي القائل أن إبراهيم -عليه السلام- هو الباني للمسجد الأقصى، يستدلّون على ذلك بأن القرآن الكريم ذكر قصة بناء الكعبة المشرفة على يد إبراهيم –عليه السلام- ويرون بما أن المسافة الزمنية ما بين بناء المسجدين هي أربعون سنة، فإن الباني واحد وهو سيدنا إبراهيم. ويدعمون رأيهم بأن إبراهيم-عليه السلام- كان يعيش في الارض المقدسة (فلسطين) وثبُت تاريخياً أنه دخل المسجد الأقصى وصلى فيه، والتقى بملك اليبوسيين الصالح "ملكي صادق".
يقول تعالى: " وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (127 : البقرة)
لكن الآية الكريمة أساس الاستدلال، تقطع بوضوح، أنّ سيدنا إبراهيم حين بنى الكعبة فإنه رفَع قواعدَ كانت موجودةً أصلاً في المكان، فكان بناء إبراهيم للكعبة بناء ترميم وتجديد ، وليس بناء إيجادٍ من العدم، مما يؤشّر على أن الكعبة كانت مبنيَّة قبل إبراهيم –عليه السلام- ، ومما يعزّز هذا الرأي، قوله عز وجل في سياق قصة ارتحال إسماعيل –عليه السلام- رضيعاً مع أمه إلى مكة : " رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ " ( إبراهيم: 37)
حيثُ سمّى إبراهيم –عليه السلام- منطقة مكة المكرمة بالبيت المحرَّم دلالة على وجود الكعبة المشرفة في ذلك الوقت الذي شهد ولادة إبنه إسماعيل، ومعلوم أنّ اسماعيل قد شارك والده في بناء البيت الحرام. بالتالي تسقط بالاستناد إلى النص القرآني فرضية بناء سيدنا إبراهيم للمسجد الأقصى، ويثبُت أن المسجد بني قبله عليه السلام، مرجّحاً بذلك فرضية بناء آدم – عليه السلام- للمسجد الأقصى.
وفي بحث للمحاضر في كلية الهندسة بجامعة النجاح الوطنية الدكتور هيثم الرطروط نشرته مجلة دراسات بيت المقدس في عددها الصادر عام 2005، اكتشف الدكتور الرطروط تشابهاً هندسياً تاماً ما بين بناء الكعبة المشرفة وبناء المسجد الأقصى المبارك، وباستخدام برامج هندسية ثلاثية الأبعاد وبإهمال المساحتين المختلفين للكعبة والمسجد الأقصى، وضَّح الرطروط بالخرائط والصور تطابقاً تاماً في زوايا البنائين الأربعة. مما يدعم بمزيد من الأدلة العملية فرضية بناء آدم عليه السلام للمسجدين وتحديد حدودهما، بوحي من الله عز وجل، وهي الحدود التي ما زال المسجد الأقصى يحتفظ بها حتى يومنا هذا بواقع 142-144 دونماً..
مقاربة هندسية ما بين بناء المسجد الأقصى المبارك بشكله الاصلي قبل التوسعة الأموية
وما بين بناء الكعبة المشرفة بشكلها الاصلي الذي بناه عبدالله بن الزبير نقلاً عن وصف النبي عليه الصلاة والسلام لشكل الكعبة في عهد إبراهيم عليه السلام.
ثانياً:: اليبوسيون والكنعانيون
كان العرب اليبوسيون أول من حفِظ التاريخ الإنساني سكنهم في القدس، فقديماً لم تكن أنواع الكتابة والتدوين قد اكتشفت بعد، وبقي الاعتماد في دراسة التاريخ على الأحافير كمصدر وحيد إلى أن اكتشفت الكتابة وابتدأ التأريخ الإنساني، وكان ذلك قبل أكثر من ستة آلاف عام حين هاجرت قبائل اليبوسيين من موطنهم الأصلي في الجزيرة العربية واستوطنوا مدينة القدس وما حولها، فعرفت أرض فلسطين بأرض اليبوسيين، الذين سُجّل لهم إنشاء عاصمة دولتهم في مدينة القدس، حيث كانت تعرف آنذاك باسم (يبوس) أو ( أورسالم).
وبالتزامن مع اليبوسيين هاجرت قبائل العرب الكنعانيين من جزيرة العرب إلى فلسطين، وهاجر الفينقيون الذين كانوا من بطون الكنعانيين العرب أيضاً، و تركز وجود هؤلاء في مناطق الشمال الفلسطينية، وأسسوا في فلسطين ما يزيد على مئتي مدينة كانت أبرزها (يبوس) القدس التابعة لليبوسيين، إضافة إلى (شكيم) نابلس، و (حبرون) الخليل.
كما عاش في فلسطين في ذات الفترة، شعب العموريين أو الأموريين، وهي قبائل عربية نتج عنها على مدى مئات السنين شعب الهكسوس الذي كان له دور بالغ الأهمية في مدينة القدس.
جدير بالإشارة أن أقوام (اليبوسيين) الذين حكموا القدس كانوا وثنيين غير مؤمنين، ومن هنا لا يأتي الاستشهاد بسكنهم لمدينة القدس من باب الفخر بأن العرب كانوا أول من سكن هذه المدينة، إنما يأتي في سياق دحض الافتراءات اليهودية التي تدّعي أنّ اليهود هم سكان القدس الأصليون، وأنهم أول من عمر المدينة المقدسة وسكنها، مزيّفين بذلك فترة تاريخية هامة تمثلت بهذه الشعوب العربية التي سبق وجودها في القدس الوجود اليهودي بأكثر من 1500 عام.
ثالثاً:: الهكسوسوالفراعنة
غزت قبائل الهكسوس مدينة القدس قرابة العام 1774 ق.م ، ضمن حملة كبيرة قامت بهذا هذه القبائل لغزو مصر والشام، واستطاع الهكسوس إجلاء حكم الفراعنة وبقايا اليبوسيين في القدس وما حولها، وأصبحوا حكامها.
ووفق المصادر التاريخية فإن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- عاصر الحكم الهكسوسي للقدس، ودخل المسجد الاقصى وبعض المدن المحيطة بالمدينة المقدسة.
وتحت حكم الهكسوس للمدينة ظهر سيدنا يعقوب وإسحاق –عليهما السلام- ، وظهر بنو إسرائيل جنوبي النقب (صحراء فلسطين) إلى أن ارتحلوا مع سيدنا يوسف إلى مصر كما ورد في القرآن الكريم. وعاش نسل يعقوب عليه السلام قرابة 150 عاماً في مصر تحت حكم الهكسوس الذين كانوا يعطون رعيتهم حرية دينية، إلى أن ضعف الهكسوس وهزموا على يد الفراعنة وطردوا من أرض مصر والشام، وأصبحت مدينة القدس تحت الحكم الفرعوني، الذي تميّز بالاضطهاد الديني والسياسي، وعمِد الفراعنة إلى صياغة حكم ذاتي لمدينة القدس موالي للدولة الفرعونية وحاكماً باسمها.
وإحقاقًا لسنة الله في الأرض، بدأت الدولة الفرعونية تضعف تدريجياً وتتقلص مساحتها، بفعل التناحر العرقي والتناحر على الملك داخل الدولة، وعادت أجيال اليبوسيين والكنعانيين إلى لملمة صفوفها من جديد، والاهتمام بزيادة تسليحهم وقوتهم إلى أن استطاعوا الاستئثار بحكم القدس وما حولها من جديد، والانخلاع تدريجياً من سلطة دولة الفراعنة.
تميّزت أجيال اليبوسيين والكنعانيين العرب في تلك الفترة بالشدة والغلظة، وقد أشار القرآن الكريم إليهم في معرض قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم: " قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ " ( المائدة : 22)
رابعاً:: بنو إسرائيل ومدينة القدس
بعث سيدنا موسى -عليه السلام- إلى بني اسرائيل في مصر ، خلال نهاية الحكم الفرعوني، وكانت الدولة الفرعونية تضطهد بني اسرائيل بشكل خاص، لأنها كانت ترى فيهم عملاء ومقرّبين لدولة الهكسوس التي حاربت الفراعنة واستطاعت إنهاء حكمهم لاكثر من 200 عام.
لم تكن دعوة نبي الله موسى عليه السلام، مقصورة على دعوة بني إسرائيل والمصريين إلى الايمان بالله عز وجل، فقد كان الإيمان موجوداً أصلاً في بني إسرائيل في ذاك الزمان ، وكان هناك جوهر آخر تدور حوله دعوة موسى-عليه السلام-، وهو الخروج ببني إسرائيل من مصرَ إلى الأرض المقدسة، قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: " يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ" ( المائدة: 21 )
ويظهر جوهر دعوة موسى – عليه السلام- في عديد من الآيات القرآنية التي حدثتنا عن قصة بني اسرائيل:
"حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" ( الأعراف: 105)
"وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ۖ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (الأعراف: 134)
"فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ" (17) (الشعراء: 16-17)
فأراد الله عز وجل لهذه الفئة التي كانت مؤمنة في ذلك الزمان الانعتاق من اضطهاد فرعون، والتوجه إلى الأرض المقدسة التي كان يحكمها آنذلك ( القوم الجبَّارين ) أو العمالقة كما سمّاهم التاريخ. ليحلّ بنو اسرائيل مكانهم، وفي لغة هذا العصر كان على بني اسرائيل تحرير الأرض المقدسة من احتلال القوم الجبارين، فهل فعلوا ذلك؟!
رغم الآيات المُعجزة والعظيمة التي أجراها الله على مرأى بني اسرائيل، من انشقاق البحر وإهلاك عدوهم، ورغم ما شهدوا من إعطائهم شريعة الألواح، والمنّ والسلوى، وتخويفهم بنتق الجبل فوقه، ثّ إماتتهم وإحيائهم من جديد، ورغم ما لاقوه من عنت وعذاب في سبيل الانعتاق من اضطهاد الفراعنة والنجاة بأنفسهم إلى أرض كتبها الله لهم، وأراد أن يمكِّن لهم فيها، إلا أن موقفهم كان برفض دخول الارض المقدسة خشية من القوم الجبَّارين، وعدم رغبة منهم في القتال، فقالوا لموسى عليه السلام: إذهب أنتَ وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون، فجازاهم الله بالتيه في الأرض وتحريم الارض المقدسة عليهم، ويرجّح العلماء أن مكان التيه كان على الأغلب في صحراء سيناء، قريباً من مكان إهلاك الله لفرعون عند الفرع الأيسر للبحر الأحمر المواجه لسيناء.
وفي التيه يعاقب الله بحكمته جيل بني اسرائيل الذي اتصف بالكفر والعناد، ولم تردعه الآيات العظام التي أجراها الله أمام أعينهم عن استكبارهم، ليظهر فيهم جيل جديد فيه بعض من إيمان، ويستحق أن يجري الله على يده دخول الأرض المقدسة وعمارتها.
فوفق المصادر التاريخية فإن العام 1186 ق.م شهد قيادة "يوشع بن نون" لبني إسرائيل من سيناء نحو الأرض المقدسة، أما موسى -عليه السلام- فكان قد توفي قبل هذه المرحلة، وقاد فتاه "يوشع" بني إسرائيل إلى فلسطين ( الأرض المقدسة) عبر المنطقة الشرقية لنهر الأردن ، لكنهم لم يدخلوا مدينة القدس أبداً، وإنما عبَروا نهر الأردن إلى أريحا واستقروا هناك سنين طويلة. ويشير القرآن الكريم إلى هذا الدخول في قوله عز وجل : " وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" ( البقرة : 58 ).
وبوفاة يوشع بن نون، تشتعل الخلافات الداخلية بين أسباط اليهود المقيمين في أريحا، ويضعف بنيانهم بضعف إيمانهم، فيتمكن منهم (العمالقة)، ويسلطون عليهم ألوان الاضطهاد والعذاب.
ويظهر في صفوف (العمالقة) ملك قوي يقال له (جالوت) الذي حكم الأرض المقدسة ( فلسطين) وكان مقرّه في القدس، وفق المصادر اليهودية والتاريخية، مما يدعّم الرأي القائل بأن اليهود استقروا فعلاً في أريحا ولم تطأ أقدامهم القدس أبداً.
وينظر بنو اسرائيل بعين الغبطة للعمالقة على ملكهم العظيم، ويطلبون من نبيّهم أن ينصّب عليهم ملكاً عظيماً كجالوت، يعيد إليهم مجدهم ورفعتهم، فيجيبهم النبي سائلاً إياهم عن طاعتهم للملك الجديد؟ فيجيبون بالتأكيد، ويقولون كيف لنا ألا نطيعه ونحن اليوم أذلّ الناس، وهو من سينشلنا من ذلنا إلى عزة ورفعة؟!
وما إن يختار لهم داوود -عليه السلام- الملك (طالوت) حتى ينقلبون عليه، ويستنكفوا عن طاعته وحكمه، وتفصّل سورة البقرة قصة المعركة التي وقعت قرب أريحا –على الراجح من أقوال العلماء- بين العمالقة وبني اسرائيل، والتي شهدت عصيان بني اسرائيل لقائدهم إلا قليلاً منهم، وتنتهي المعركة بقتل النبي داوود –عليه السلام- لقائد العمالقة، ممهداً بذلك لأول دخول يهودي في التاريخ إلى مدينة القدس.
وبهذا النصر أيضاً يؤول حكم الأرض المقدسة إلى بني اسرائيل لأول مرة وذلك قرابة العام 995 ق.م، ويتوجه نبي الله داوود –عليه السلام- إلى القدس ويقيم فيها مملكته التي تشير المصادر التاريخية انها كانت في قرية سلوان قرب عين الماء على الأطراف الخارجية لمدينة القدس القديمة.
ويدوم حكم بني اسرائيل للقدس سبعون عاماً أو ثمانون، تداولها النبي سليمان من بعد داوود –عليهما السلام- ، وحصل خلالها ما ذكره النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- من تجديد سليمان لبناء المسجد الأقصى المبارك.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ الله عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ".
وتجدر الإشارة أن هذا البناء لسليمان، كان بناء تجديد وإعادة إعمار، وأن الباني الأول للمسجد الأقصى هو النبي آدم –عليه السلام- بوحي من الله، كما ورد سابقاً..
خامساً:: السبي البابلي والفرس
بعد وفاة سليمان عليه السلام ضعفت الدولة وتفككت إلى مملكتين متصارعتين؛ مملكة شمالية (إسرائيل) عاصمتها شكيم، ومملكة جنوبية (يهوذا) وعاصمتها أورشاليم.
وكان اليهود في حينها قد انحرفوا بعيداً عن عقيدتهم، وساد الظلم وأشكال المفاسد دولتيهم، وأخذ الصراع ما بين الدولتين يستنزف بقية ما تبقى من أسباب القوة، وبعد مناوشات طويلة تمكَّن الأشوريون من تدمير مملكة الشمال في القرن السابع قبل الميلاد، وصمدت مملكة الجنوب قليلاً ثم ما لبثت أن سقطت في يد البابليين في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ، لتصبح مدينة القدس تحت حكم البابليين الذين نفوا اليهود خارج المدينة، واتخذوهم سبايا نحو بابل، ودمّروا المسجد الاقصى الذي أعاد سليمان بناءه تدميراً كاملاً وفق المصادر التوراتية، ويشير كتاب التلمود اليهودي أن السبي البابلي كان عقاباً لليهود على "كثرة ذنوب بني اسرائيل وتفاقمها حتى فاقت حدود ما يطيقه الإله الأعظم".
ثم ما لبثت دولة فارس أن غزت دولة البابليين، وبسطت سيطرتها على مملكتها ومن بينها مدينة القدس، وسمح الملك (قورش) الفارسي لليهود الموجودين في بابل بالعودة إلى القدس إن شاؤوا، فرجعت أعداد قليلة منهم وفقاً للمصادر التوراتية، أما الغالبية العظمى فلم تهاجر، لأنها فضلت البقاء في بابل عاصمة الرخاء الاقتصادي والثروات في ذلك الزمان، تاركين مدينتهم المقدسة وراء أطماع المال.
تشير المصادر التوراتية إلى النخبة القليلة من اليهود الذين عادوا إلى القدس، وتقول أنهم عكفوا هناك على إعادة بناء معبد سليمان الذي دمّره البابليون على يد (نبوخذ نصر) إبَّان السبي، ويُشار إلى أن الفارسيين كانوا في ذلك الزمان متسامحين مع اليهود بالمقارنة مع البابليين ، وسمحوا لهم بأداء طقوسهم الدينية في القدس، مُفردين لهم ثلاثين كيلومتراً من مساحة المدينة، ليحكموها حكماً ذاتياً يدين بالولاء لدولة فارس، مقابل السماح لليهود بالعبادة.
سادساً:: اليونان ( الاغريق ) ومدينة القدس
بقيت القدس تحت الحكم الفارسي حتى منتصف القرن الثالث قبل الميلاد ، حين استطاع الاسكندر المقدوني انتزاع المدينة المقدسة من الفرس مع أجزاءٍ واسعة من مصر والشام، فبسط اليونان نفوذهم على مدينة القدس بعد ان اجتاحوها بجيوشهم ودمّروا أجزاءً كبيرة منها.
اصطبغت المدينة المقدسة بصبغة الإغريق، وكانوا قوماً يعبدون الأوثان، فحاولوا السيطرة على المسجد الاقصى والسماح بعبادة الأوثان في داخله.
لكن الاسكندر المقدوني توفي فجأة، مخلفاً وراءه تركة ثقيلة، فاقتسم قادته الأرض المقدسة من بعده، وأقاموا فيها معبداً وثنياً لهم، وبينما عاشوا في القدس قرابة المئة والعشرين عاماً يعبدون الأوثان، فإن اليهود كانوا يعبدون الله على حرف.
واستغل العرب الأنباط تفكك حكم اليونان بعد وفاة الاسكندر، فقاموا بغزو الأجزاء الجنوبية من فلسطين، واحتلوها بما فيها مدينة القدس التي بقيت في قبضتهم مئة عامٍ تقريباً، لكنها متقطعة بفترات حكم إغريقية كانت تجيء وتذهب.
سابعاً:: الرومان وظهور المسيح عليه السلام
وفي منتصف القرن الأول قبل الميلاد، بدأت دولة الرومان في التحرك وتكثيف حملاتها الهادفة لتوسيع مملكة الروم، فبدأوا بالاستيلاء على ممالِك الاغريق مملكة تلو الأخرى، وفي العام 63 ق.م استطاعوا الاستيلاء على منطقة سورية وفلسطين، فأصبحت القدس خاضعة للدولة الرومانية، فسارع اليهود لإعطاء الولاء لروما مقابل أن أعطاهم الرومان حكماً ذاتياً محدوداً في مدينة القدس. هذا الحكم المحدود والذي لم يغيّر من نظرة اليهود إلى "الاحتلال الروماني" ، أدّى في كثير من الأحيان إلى اشتعال الثورات والاضطرابات الداخلية، التي أذكاها اليهود بتحريض من الأحبار ورجال الدين، حيث كانت لهم في تلك الفترة زعامة روحية كبيرة، وسطوة على المسجد الأقصى في سدانته ورعاية شؤونه.
كثيراً ما كان الرومان يقمعون ثورات اليهود بقوة السلاح والنار، إلا أنه وفي العام 43 ق.م ارتأى الرومان وضع شخصية مثيرة للجدل وصفت بأنها من دهاة السياسة، في منصب والي القدس، وكانت هذه الشخصية هي الملك ( هيرودس) وهو من أصل روماني.. ادعى أنّ أمه رومانية وأبوه يهودي، وخطب ودّ اليهود في المدينة المقدسة عن طريق اعتناقه لليهودية ومحاولات التقرب لليهود.
وعلى الرغم من أن غالبية اليهود لم يعترفوا بهيرودس، نظراً لأنهم يعتبرون اليهودية موروثة من جانب الأم، إلا أن هيرودس استطاع اخماد الثورات في المدينة وتحييد اليهود قليلاً، وطغت أجواء الصراع ما بين الرومان والفرس، وتناوب المدينة المقدسة ما بين المملكتين على أية أجواء صراع داخلي بين اليهود والرومان، وإن كانت بعض المصادر التاريخية تشير إلى خيانات يهودية متكررة كانت تتم لصالح الفرس ضد دولة الروم.
قام هيرودس خلال حكمه، ببناء قلعة داوود الموجودة حالياً في مدينة القدس قرب باب الخليل. كما قام بإعادة تجديد المسجد الاقصى، إلا أن اليهود لم يعترفوا له بهذا البناء، وبقيت المصادر اليهودية إلى الآن تقول أن (المعبد) لم يُبني سوى مرّتين متجاهلين بناء هيردوس لأنه لم يكن رجلاً يهودياً صافياً.
تطرقنا في معرض الحديث عن القدس تحت الحكم اليوناني، أن اليهود كانوا قد وصلوا إلى مرحلة شديدة الانحراف عن الدين، وازداد الأمر سوءاً مع مرور السنين، حتى وصل الأمر بهم إلى الحضيض، وظهر في ذلك الوقت بيتٌ يهودي فريد، من البيوت القليلة التي ما زالت تعرف الدين الحقّ وتعمل به، كان هذا بيت ( آل عمران ) الذين اصطفاهم الله عز وجل، وجعل من نسلهم مريم –عليها السلام- وجعل من نسلها الطاهر النبي عيسى وابنَ خالته النبي يحيى –عليهما السلام-.
وفي تلك الفترة اجتمع لبني اسرائيل ثلاثة أنبياء دفعة واحدة، هم زكريا وعيسى ويحيى –عليهم السلام-، ليؤشر لنا ذلك عن مدى الانحراف الديني والانحطاط الإنساني الذي آل إليه بنو إسرائيل في تلك الحقبة.
أمّا المسجد الأقصى فقد فاض الطابع المادّي لليهود ليصل إلى أماكن العبادة والمقدسات، فحوّله اليهود إلى سوقٍ للبيع والشراء، ومكانٍ لتداول الربا.
ولعل ظهور الأنبياء الثلاثة كان بمثابة الإنذار الأخير الذي تلقاه بنو اسرائيل، قبل أن تجري عليهم سنة الله في استبدال من أبى وأفسد من الأمم.
لكنّ اليهود لم يقتنصوا فرصتهم الأخيرة، بل أمعنوا في الافساد والاستكبار، فقتلوا زكريا ويحيى، وتآمروا مع (بطليموس) قائد الرومان وحرّضوه من أجل قتل المسيح عيسى عليه السلام وصلبه، لولا أن نجّاه الله منهم، ولم يرحموا من تبقى من أتباع المسيح فقتّلوهم وشرّدوهم خارج البلاد.
وبرَفع المسيح إلى السماء في العام 33 م وفق المصادر التاريخية، سادت الاضطرابات وعادت الثورات إلى القدس من جديد، وبدأ اليهود في الاشتغال بقطاعة الطرق للقوافل الرومانية، وانتهجوا تخريب تجارتهم وبيوعهم، ما حدا الدولة الرومانية إلى وضع حدّ لهذا التمرد في العام السبعين للميلاد، فيما سمي بالثورة (المكابية).
فحاصر القائد (تيطس) الروماني مدينة القدس، ثم سقطت في يد جيشه ليستبيح بيوتها ويدمّر جميع معالمها بما في ذلك المسجد الأقصى، حتى قيل إنه لم يترك في المدينة حجراً على حجر، وأجلى الرومانُ من بقي حياً من اليهود وأبعدوهم عن مدينة القدس مسافاتِ قرىً وجبالٍ شاسعة، وبقيَت القدس مدينة خراباً فارغة حتى العام 135 للميلاد.
حيث تذكر المصادر التاريخية أن الإمبراطور الروماني (هادريان) أمر بحرث المدينة المقدسة، وإقامة مدينة رومانية جديدة على أنقاضها، سميت في ذلك الحين باسم (إيليا كابيتولينا)، وكانت منطقة المسجد الأقصى خارج حدود هذه المدينة وخارج أسوارها، كما تشير الخرائط الرومانية القديمة، كالموجودة في مدينة مأدبا الأردنية مرسومةً بالفسيفساء، ويمكن الرجوع إليها في كتاب تاريخ فلسطين المصور، وبقي الأقصى أرضاً خواءً تتوسطها صخرة مرتفعة، مهملة كما حولها من مساحات.
ثامناً:: البيزنطة
كما هو معلوم فإن الدولة الرومانية كانت في بدايات نشأتها تتخذ من الوثنية ديناً ومذهباً، وبقيت كذلك حتى قرابة العام 300 للميلاد، حين أعلن الامبراطور الروماني ( قستنطين) وأمه الملكة الرومانية (هيلانا) إعتقناقهما للديانة النصرانية، على مذهب (بولس أو شاول) الذي كان من أدخل الإيمان بالطبيعة الإلهية للمسيح داخل الديانة النصرانية.
هذا التحول شكل سابقة خطيرة في تاريخ دولة الرومان، وجعل من الديانة النصرانية ديانة رسمية للدولة، وانقسمت على إثر ذلك إلى إمبراطورية بيزنطية في الشرق، وأخرى رومانية في الغرب، وبطبيعة الحال أصبحت القدس تتبع لامبراطورية بيزنطة الشرقية.
إعلان الدولة النصرانية في القدس، ساهم كثيراً في زيادة الاهتمام البيزنطي بها، فبنى الامبراطور النصراني (قستنطين) العديد من الأبنية والمرافق في المدينة، لعل أشهرها هو كنيسة القيامة، التي اعتقدت الملكة هيلانة أنها بنتها في مكان صلب المسيح.
وبسبب العداء القائم بين اليهود والنصارى، لتحميل الأخيرين مسؤولية قتل المسيح وصلبه لليهود ونسلهم أبداً، فإن اليهود كانوا ما زالوا منفيين خارج المدينة المقدسة وبعيداً عنها، وسمح لهم على فترات متباينة من الحكم الروماني المتأخر أن يزوروا القدس لقاء رسوم تدفع للدولة البيزنطية. وبقي المسجد الأقصى في تلك الحقبة الزمنية خرِباً وخالياً.
تاسعاً:: الفرس من جديد
ولد النبي عليه الصلاة والسلام في العام 571 للميلاد، وبعث رسولاً بعد أربعين سنة، ليشهدَ حادثة هزيمة الرومان على يد الفرس، واحتلال فارس لمدينة القدس من جديد، وتنزَّلت عليه حينها آيات مطلع سورة الروم : " الم (1)
غُلِبَتِ الرُّومُ (2)
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)
فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) "
كانت هذه الحادثة بعد أربعة أعوام من بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وشهدت تحالفاً ما بين اليهود والفرس ضد دولة الرومان النصرانية في القدس وما حولها، فدخل الفرس المدينة المقدسة وأعملوا فيها قتلاً وتدميراً، فتهدمت كنيسة القيامة، ونُهبت ما فيها من كنوز، وقتل ما يزيد على 60 ألف نصراني.
كان اليهود يتحالفهم مع الفرس ينتقمون ممن يرونهم أصحاب العقيدة المحرَّفة (النصاري) إضافة إلى رغبتهم في التملق لدولة فارس، علَّها تعطيهم حكماً ذاتياً في القدس، لكنّ هذا لم يحدث.
وتحققت نبوءة القرآن الكريم في سورة الروم، وعاد الرومان للسيطرة على القدس، بعد هزيمة الفرس، وتجدر الإشارة إلى أنّ اليهود الذين خُذلوا من الفرس عاودوا التحالف مع الرومان ضد الفرس، مقابل تطمينات لهم بالحماية والتمكين، وما إن انتصر الرومان حتى نقض قائدهم هرقل وعود الرومان لليهود، لأن النصارى لم يكونوا قد نسوا ما ارتكبه اليهود من مجازر بحقهم وحق مقدساتهم قبل ثماني سنوات، وعاد اليهود إلى الاضطهاد من جديد جزاءً لهم على خيانتهم العظمى في حق دولة الروم، وتبدّل ولاءاتهم، فقتل هرقل بعضاً منهم ونفى الغالبية بعيداً عن القدس.
عاشراً:: الإسراء والمعراج والفتح الأول لبيت المقدس
عند الحديث عن فتح مدينة القدس، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وفتحه العمريّ الميمون، لكنّ هذا الفتح الذي تجلَّى في العام الخامس عشر للهجرة – في غالب الروايات- كانت له مقدّمات جليلة، مهّد لها الله عز وجل وأجراها بمعجزاته تارة، وعلى يد نبيّه تارة أخرى، وعلى يد الصحابة الكرام من بعده، ليأتي الفتح العمري كنتاج وقطاف لثمرة الجهود الاسلامية لفتح بيت المقدس، الذي كانت بوصلةُ المسلمين ومجتمع النبوة مركزةًً صوبه بعد فتح مكة المكرمة.
شاءت حكمة الباري عزّ وجل، أن يجعل أول فتح ووراثة للمسلمين لبيت المقدس، يأتي عن طرق معجزة ربّانية بيّنة وجليّة بجلاء أحقية المؤمنين المسلمين بهذا المكان المقدس الطاهر! وشاء سبحانه أن يفتتح هذه الوراثة الأبدية نبي المسلمين محمد –عليه الصلاة والسلام- لتكون القدس منارة لأصحابه والمؤمنين به من بعده.
وبعد سنوات عصيبة مرَّت على النبي والمؤمنين من كفر وتكذيب وأذيّة، تركزت في عام الحزن، بوفاة آخر الحصون خديجة رضي الله عنها، وأبوطالب، أذِن الله لنبيّه الكريم أن ينتقل من ضيق الدنيا وكدرها إلى سعة السماوات وأنسها، في ليلة الإسراء والمعراج العظيمة.
ومن على ثرى القدس الطاهرة، ومن على أقدس بقاعها (المسجد الأقصى)، دارت أعظم عملية وراثة وتسليم للراية من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، إلى النبي محمد رسول الاسلام والدين الخالد، لترتبط وراثة المسلمين للمدينة المقدسة، بوراثة الإسلام وأتباع محمد عليه السلام لراية التوحيد حتى قيام الساعة، ويبقى هذا الارتباط الإسلامي بالقدس وثيقاً أبدياً لا يزول إلا بزوال الدين- حاشى أن يزول - !
الرومان وظهور المسيح عليه السلام
وفي منتصف القرن الأول قبل الميلاد، بدأت دولة الرومان في التحرك وتكثيف حملاتها الهادفة لتوسيع مملكة الروم، فبدأوا بالاستيلاء على ممالِك الاغريق مملكة تلو الأخرى، وفي العام 63 ق.م استطاعوا الاستيلاء على منطقة سورية وفلسطين، فأصبحت القدس خاضعة للدولة الرومانية، فسارع اليهود لإعطاء الولاء لروما مقابل أن أعطاهم الرومان حكماً ذاتياً محدوداً في مدينة القدس. هذا الحكم المحدود والذي لم يغيّر من نظرة اليهود إلى "الاحتلال الروماني" ، أدّى في كثير من الأحيان إلى اشتعال الثورات والاضطرابات الداخلية، التي أذكاها اليهود بتحريض من الأحبار ورجال الدين، حيث كانت لهم في تلك الفترة زعامة روحية كبيرة، وسطوة على المسجد الأقصى في سدانته ورعاية شؤونه.

كثيراً ما كان الرومان يقمعون ثورات اليهود بقوة السلاح والنار، إلا أنه وفي العام 43 ق.م ارتأى الرومان وضع شخصية مثيرة للجدل وصفت بأنها من دهاة السياسة، في منصب والي القدس، وكانت هذه الشخصية هي الملك ( هيرودس) وهو من أصل روماني.. ادعى أنّ أمه رومانية وأبوه يهودي، وخطب ودّ اليهود في المدينة المقدسة عن طريق اعتناقه لليهودية ومحاولات التقرب لليهود.

وعلى الرغم من أن غالبية اليهود لم يعترفوا بهيرودس، نظراً لأنهم يعتبرون اليهودية موروثة من جانب الأم، إلا أن هيرودس استطاع اخماد الثورات في المدينة وتحييد اليهود قليلاً، وطغت أجواء الصراع ما بين الرومان والفرس، وتناوب المدينة المقدسة ما بين المملكتين على أية أجواء صراع داخلي بين اليهود والرومان، وإن كانت بعض المصادر التاريخية تشير إلى خيانات يهودية متكررة كانت تتم لصالح الفرس ضد دولة الروم.
قام هيرودس خلال حكمه، ببناء قلعة داوود الموجودة حالياً في مدينة القدس قرب باب الخليل. كما قام بإعادة تجديد المسجد الاقصى، إلا أن اليهود لم يعترفوا له بهذا البناء، وبقيت المصادر اليهودية إلى الآن تقول أن (المعبد) لم يُبني سوى مرّتين متجاهلين بناء هيردوس لأنه لم يكن رجلاً يهودياً صافياً.
تطرقنا في معرض الحديث عن القدس تحت الحكم اليوناني، أن اليهود كانوا قد وصلوا إلى مرحلة شديدة الانحراف عن الدين، وازداد الأمر سوءاً مع مرور السنين، حتى وصل الأمر بهم إلى الحضيض، وظهر في ذلك الوقت بيتٌ يهودي فريد، من البيوت القليلة التي ما زالت تعرف الدين الحقّ وتعمل به، كان هذا بيت ( آل عمران ) الذين اصطفاهم الله عز وجل، وجعل من نسلهم مريم –عليها السلام- وجعل من نسلها الطاهر النبي عيسى وابنَ خالته النبي يحيى –عليهما السلام-.
وفي تلك الفترة اجتمع لبني اسرائيل ثلاثة أنبياء دفعة واحدة، هم زكريا وعيسى ويحيى –عليهم السلام-، ليؤشر لنا ذلك عن مدى الانحراف الديني والانحطاط الإنساني الذي آل إليه بنو إسرائيل في تلك الحقبة.
أمّا المسجد الأقصى فقد فاض الطابع المادّي لليهود ليصل إلى أماكن العبادة والمقدسات، فحوّله اليهود إلى سوقٍ للبيع والشراء، ومكانٍ لتداول الربا.
ولعل ظهور الأنبياء الثلاثة كان بمثابة الإنذار الأخير الذي تلقاه بنو اسرائيل، قبل أن تجري عليهم سنة الله في استبدال من أبى وأفسد من الأمم.
لكنّ اليهود لم يقتنصوا فرصتهم الأخيرة، بل أمعنوا في الافساد والاستكبار، فقتلوا زكريا ويحيى، وتآمروا مع (بطليموس) قائد الرومان وحرّضوه من أجل قتل المسيح عيسى عليه السلام وصلبه، لولا أن نجّاه الله منهم، ولم يرحموا من تبقى من أتباع المسيح فقتّلوهم وشرّدوهم خارج البلاد.
وبرَفع المسيح إلى السماء في العام 33 م وفق المصادر التاريخية، سادت الاضطرابات وعادت الثورات إلى القدس من جديد، وبدأ اليهود في الاشتغال بقطاعة الطرق للقوافل الرومانية، وانتهجوا تخريب تجارتهم وبيوعهم، ما حدا الدولة الرومانية إلى وضع حدّ لهذا التمرد في العام السبعين للميلاد، فيما سمي بالثورة (المكابية).
فحاصر القائد (تيطس) الروماني مدينة القدس، ثم سقطت في يد جيشه ليستبيح بيوتها ويدمّر جميع معالمها بما في ذلك المسجد الأقصى، حتى قيل إنه لم يترك في المدينة حجراً على حجر، وأجلى الرومانُ من بقي حياً من اليهود وأبعدوهم عن مدينة القدس مسافاتِ قرىً وجبالٍ شاسعة، وبقيَت القدس مدينة خراباً فارغة حتى العام 135 للميلاد.
حيث تذكر المصادر التاريخية أن الإمبراطور الروماني (هادريان) أمر بحرث المدينة المقدسة، وإقامة مدينة رومانية جديدة على أنقاضها، سميت في ذلك الحين باسم (إيليا كابيتولينا)، وكانت منطقة المسجد الأقصى خارج حدود هذه المدينة وخارج أسوارها، كما تشير الخرائط الرومانية القديمة، كالموجودة في مدينة مأدبا الأردنية مرسومةً بالفسيفساء، ويمكن الرجوع إليها في كتاب تاريخ فلسطين المصور، وبقي الأقصى أرضاً خواءً تتوسطها صخرة مرتفعة، مهملة كما حولها من مساحات.

الإسراء والمعراج والفتح الأول لبيت المقدس

عند الحديث عن فتح مدينة القدس، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وفتحه العمريّ الميمون، لكنّ هذا الفتح الذي تجلَّى في العام الخامس عشر للهجرة – في غالب الروايات- كانت له مقدّمات جليلة، مهّد لها الله عز وجل وأجراها بمعجزاته تارة، وعلى يد نبيّه تارة أخرى، وعلى يد الصحابة الكرام من بعده، ليأتي الفتح العمري كنتاج وقطاف لثمرة الجهود الاسلامية لفتح بيت المقدس، الذي كانت بوصلةُ المسلمين ومجتمع النبوة مركزةًً صوبه بعد فتح مكة المكرمة.
شاء الله عزّ وجل بحكمته، أن يجعل أول فتح ووراثة للمسلمين لبيت المقدس، يأتي عن طرق معجزة ربّانية بيّنة وجليّة بجلاء أحقية المؤمنين المسلمين بهذا المكان المقدس الطاهر! وشاء سبحانه أن يفتتح هذه الوراثة الأبدية نبي المسلمين محمد –عليه الصلاة والسلام- لتكون القدس منارة لأصحابه والمؤمنين به من بعده.
وبعد سنوات عصيبة مرَّت على النبي والمؤمنين من كفر وتكذيب وأذيّة، تركزت في عام الحزن، بوفاة آخر الحصون خديجة رضي الله عنها، وأبوطالب، أذِن الله لنبيّه الكريم أن ينتقل من ضيق الدنيا وكدرها إلى سعة السماوات وأنسها، في ليلة الإسراء والمعراج العظيمة.
ومن على ثرى القدس الطاهرة، ومن على أقدس بقاعها (المسجد الأقصى)، دارت أعظم عملية وراثة وتسليم للراية من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، إلى النبي محمد رسول الاسلام والدين الخالد، لترتبط وراثة المسلمين للمدينة المقدسة، بوراثة الإسلام وأتباع محمد عليه السلام لراية التوحيد حتى قيام الساعة، ويبقى هذا الارتباط الإسلامي بالقدس وثيقاً أبدياً لا يزول إلا بزوال الدين- حاشى أن يزول - فهو محفوظ من الله تعالى!
ما
خطوات تهويد القدس
افتتاح رسمي لحديقة أثرية تهويدية عن القدس في الكنيست تضم حجارة مسروقة من المسجد الأقصى
مؤسسة الأقصى: "المؤسسة الإسرائيلية بأعلى مستوياتها السياسية الرسمية باتت تصعّد من يوم الى يوم إجراءاتها وفعالياتها الهادفة الى تهويد القدس وطمس المعالم الإسلامية والعربية"
القدس المحتلة, الجمعة 8-5-2009م, 13-5-1430هـ - أكدت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث أن الافتتاح الرسمي لحديقة أثرية تهويدية في مبنى الكنيست تضم حجارة مسروقة من المسجد الأقصى المبارك, بدعوى أنها حجارة تعود للمعبد اليهودي, دليل على تصاعد الإجراءات الاحتلالية الهادفة الى تهويد القدس وطمس المعالم الإسلامية والعربية على مستوى رسمي.
وافتتح "روبي ريفيلن", رئيس البرلمان في دولة الاحتلال الصهيوني (الكنيست) يوم الثلاثاء (5-5), حديقة أثرية في مبنى الكنيست تضم نحو 50 قطعة اثرية ادعت سلطة الآثار التابعة للاحتلال انها من موجودات الحفريات التي أجرتها في القدس, خاصة تحت وفي محيط المسجد الأقصى المبارك, وزعمت أنّ بعضها يعود الى فترة "الهيكل/المعبد" الثاني المزعوم, بحسب المؤسسة.
وتتضمن الحديقة الأثرية حجارة سرقتها سلطات الاحتلال منذ أسابيع من مواقع قريبة من الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك, أبرزها حجر كبير بزنة 5 طن سرق من موقع قريب من الزاوية الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى قرب المصلى المرواني ووضع في الساحة الأمامية للكنيست على منصة خاصة, وكتب على لوحة بقربه "حجر من الحرم القدسي", وفي الشروحات المرفقة ذكر انه يعود إلى عهد "الهيكل/المعبد" الثاني المزعوم.
وأكدت مؤسسة الأقصى, في بيان لها ظهر الأربعاء (6-5) أن سلطات الاحتلال تحاول من خلال الحديقة "إبراز تاريخ عبري موهوم في القدس الشريف", مشيرة إلى أن كل المحاولات لطمس المعالم الإسلامية والعربية في القدس باءت بالفشل, وأن القدس "ستظل إسلامية وعربية".
وقال البيان إن "القرصنة الإسرائيلية بسرقة حجارة الأقصى ووضعها في الكنيست الإسرائيلي لن تغير من حقيقة أن المسجد الأقصى بكل حجارته وعمائره, ما فوق الأرض وما تحت الأرض, هو حق إسلامي خالص."
دعم مالي من ثري أمريكي
وافتتحت الحديقة التهويدية بالتعاون بين الكنيست وسلطة الآثار, وبدعم مالي من الثري الأمريكي "شاؤول أ. فوكس" Saul A. Fox وعائلته, والذين شاركوا في حفل الافتتاح الرسمي, بحسب تقارير عبرية. ويرأس فوكس إحدى الشركات العاملة في مجال المال والأعمال في الولايات المتحدة, وهو أحد الممولين لسلطة الآثار التابعة لدولة الاحتلال والتي تشرف على الكثير من أعمال الحفر والهدم للآثار الإسلامية والعربية في البلدة القديمة.
وصرح رئيس الكنيست خلال الحفل قائلا: "هذه خطوة مهمة لحفظ وتعميق التراث اليهودي في القدس, والمبنى الكنيست هو المكان الأمثل لهذا المشروع".
ونقلت عن وزير الداخلية في دولة الاحتلال مؤخرا تصريحات أكد فيها دعم حكومته الجديدة لمخططات الاستيطان في البلدة القديمة, حيث المسجد الأقصى المبارك, والتي احتلتها القوات الصهيونية عندما احتلت شرقي القدس في 7-6-1967م, فيما صعدت سلطات الاحتلال حملتها لتهويد البلدة والمسجد الأقصى.
ويوجد الآن أكثر من 60 كنيسا ومدرسة دينية يهودية تنتشر في البلدة وفي محيط المسجد الأقصى المبارك من جهاته الأربع, بعضها يوجد في الأنفاق الممتدة حول المسجد وتحت ساحاته, كما يعتزم المحتلون افتتاح المزيد من هذه الكنس خلال العام الحالي, بينها كنيس "هحوربا" أكبر وأعلى كنيس مقبب في البلدة.
وباعتراف المختصين, فقد فشلت الحفريات, وعلى مدار أكثر من 42 سنة بإيجاد تاريخ عبري في المسجد الأقصى او في مدينة القدس.
واختم بيان مؤسسة الأقصى للوقف والتراث بالتأكيد على ضرورة استمرار دعم القدس والمسجد, وقال: "سنظل نتواصل مع قدسنا وأقصانا, نصون عروبتها وإسلاميتها, ونحفظ القبلة الأولى ومسرى الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ما بقيت لنا عين ترمش, وقلب ينبض, إلى ان يقضي الله أمراً كان مفعولا".
سلطة الاثار ترفض اعادة الحجر المسروق
وكانت سلطة الآثار قد رفضت في وقت سابق اعادة الحجر الاثري الذي سرقته من احد القصور الاموية قرب المسجد الاقصى المبارك ونقلته الى الكنيست, بحسب مكتب حاتم عبد القادر مستشار شؤون القدس في الحكومة الفلسطينية.
القدس تضيع وإنقاذها بحاجة إلى أكثر من الكلمات
منذ عدة أشهر تكثفت المشاريع الإسرائيلية الهادفة الى تعميق الاحتلال الإسرائيلي للقدس من خلال عزلها عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة العام 1967 ، ومصادرة الأرض وتهويدها، وتوسيع المستوطنات القائمة، وربطها ببعضها، والمساس بالمقدسات من خلال سرقتها وتنفيذ الحفريات تحتها وفي أرجاء مختلفة من البلدة القديمة، وتكثيف سياسة هدم المنازل، وكل أشكال التطهير والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين من خلال الضرائب ونزع المواطنة بأشكال مختلفة وإشاعة أجواء الجريمة والمخدرات والعنف في صفوفهم لجعل الحياة في القدس المحتلة جحيما لا يطاق .
وحتى ندرك الواقع الذي تعيشه القدس علينا أن نعرف أن سلطات الاحتلال أصدرت أوامر بهدم أكثر من ألف منزل في القدس منذ بداية العام الجاري، وهناك من 15 ــ 20 ألف منزل معرض للهدم بحجة أنها بنيت دون ترخيص، بعضها مبني منذ مئات السنين، مع العلم أن سلطات بلدية القدس لا تصدر تراخيص بناء للفلسطينيين إلا بشكل نادر، وأن 13% من مساحة القدس الشرقية مسموح نظريا للفلسطينيين البناء فيها، بينما يسمح للمستوطنين بالبناء على 35% من مساحتها، إضافة طبعا للقدس الغربية المفتوحة كليا لهم فقط .
ولا تقتصر المخططات الإسرائيلية على ما سبق ذكره، بل وكما جاء في تقرير صادر عن وحدة البحث والتوثيق في مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، أن هناك سياسة إسرائيلية مبرمجة ومستمرة ومتصاعدة بعزل تجمعات سكانية كبيرة يقارب عدد سكانها الـ160 ألف مقدسي خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس مثل الرام، ضاحية البريد، كفر عقب، سميراميس، مخيم شعفاط، ضاحية السلام، بلدة عناتا .
وأضاف التقرير: إن أبرز الإجراءات الإسرائيلية التي سجلت حتى نهاية العام المنصرم 2008 هو استكمال بناء الجزء الأكبر من جدار الفصل العنصري حول المدينة المقدسة، ما جعل هذه البلدات والأحياء معزولة عن القدس مركز حياتها، وهو إجراء يهدد هؤلاء بفقدان حقهم بالإقامة في مدينتهم مستقبلا، وبالتالي تكون السلطات الإسرائيلية المحتلة قد نجحت في التخلص من هذا العدد الكبير من السكان دفعة واحدة، بعد أن كانت إجراءات الطرد الصامت والتطهير العرقي تستهدف أفرادا أو مجموعات صغيرة بذريعة عدم إثبات مركز الحياة في المدينة المقدسة .
ورغم كل السياسات والإجراءات الإسرائيلية الرامية الى طرد وتهجير المقدسيين من مدينتهم خصوصا من داخل البلدة القديمة التي تسمى " الحوض المقدسي"، إلا أن هناك 36 ألف مقدسي يقطنون داخل أسوار البلدة القديمة مقابل 4 آلاف مستوطن يهودي يقطن معظمهم (3 آلاف) في حارة الشرفا، أو ما يسمى بالحي اليهودي الذي أقيم على أنقاض الحارة الفلسطينية بعيد سقوط المدينة المقدسة العام 1967. أما الألف الآخر فيقطنون في 70 بؤرة استيطانية موزعة على الإسلامي والمسيحي في البلدة القديمة، وتشمل هذه البؤر عقارات ومساكن حول بعضها الى مدارس ومعاهد يهودية يلتحق فيها سنويا مئات الطلبة الجدد من سكان المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية .
ويسعى الإسرائيليون الى زيادة عدد المستوطنين في البلدة القديمة لمواجهة الكثافة السكانية الفلسطينية العالية، من خلال سيطرتهم على المزيد من العقارات المتاخمة للمسجد الأقصى والمجاورة للحي اليهودي، وبناء كنس يهودية ومدارس دينية جديدة تستوعب أعدادا أكبر من المستوطنين، وذلك المخطط القاضي ببناء كلية جامعية في حي برج اللقلق تستوعب نحو 400 طالب، وبناء مساكن وشقق لهم في ذات الموقع .
إن الخطر الأكبر الذي يهدد الوجود الفلسطيني في القدس القديمة هو استمرار تناقص الوجود المسيحي الفلسطيني العربي، حيث انتقل نشاط الجمعيات الاستيطانية اليهودية الى الحي المسيحي، من خلال نقل قيادة الجمعيات الاستيطانية مقرها الى حارة النصارى .
وتفيد المعطيات المتوافرة بأن عدد المقدسيين المسيحيين الفلسطينيين داخل البلدة القديمة يصل الآن الى نحو 5000 نسمة، يضاف إليهم نحو 7000 نسمة يقطنون خارج منطقة الأسوار، علما أن إحصائيات فلسطينية صدرت العام 1997 تحدثت عن عدد إجمالي من المسيحيين في حدود القدس الكبرى كان وصل الى 15000 نسمة، ما يشير الى تهجير أعداد كبيرة منهم بأشكال مختلفة منها عدد الإقامة وفقا للقانون الإسرائيلي الشاذ، والى تقلص في أعداد هؤلاء بسبب انتقال أعداد منهم للسكن في رام الله وبيت لحم، وحتى داخل الخط الأخضر سعيا وراء الأمن والتخلص من الضغوط الاقتصادية، وبحثا عن فرص العمل التي لا تستطيع المؤسسات الفلسطينية في القدس تأمينها حتى لحملة الشهادات الجامعية من هؤلاء .
ولكي ندرك أبعاد التصاعد المحموم في المخططات الإسرائيلية التوسعية الاستيطانية إزاء القدس نشير الى أن عدد المقدسيين سيصل وفقا لدراسات إسرائيلية، واستنادا الى معدل النمو السكاني، حتى العام 2020 الى 376 ألفا داخل حدود البلدية الإسرائيلية المصطنعة للقدس، في حين سيرتفع عدد الإسرائيليين في القدس الشرقية والغربية الى 650 ألفا، منهم ما يقرب من 200 ألف مستوطن يقيمون في مستوطنات يهودية أقيمت على أراضٍ فلسطينية مصادرة في القدس الشرقية المحتلة .
ورغم أن خبراء فلسطينيين وإسرائيليين يشككون في التقديرات الإسرائيلية لأن معدل النمو السكاني الفلسطيني أكثر بثلاثة أضعاف من معدل النمو السكاني غير الديني وبضعفي معدل النمو السكاني اليهودي الديني، إلا أن من المهم إدراك ما يخطط الإسرائيليون لكي يتم وضع الخطط الفلسطينية القادرة على إفشالها .
فكما أشار خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، فإن الحكومة الإسرائيلية شرعت بتوسيع حدود الكتلة الاستيطانية "معاليه ادوميم" لتضم 8 مستوطنات على أرض مساحتها 191 كيلو مترا مربعا، وإقامة القدس الكبرى التي تنتزع 10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، لمنع أن تكون القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، عن طريق إحداث تغيير ديمغرافي جذري في المدينة خاصة أنها ترغب في أن يكون عدد السكان العرب في المدينة 12%. وأضاف، كما تهدف إسرائيل الى فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها عن طريق هذه الكتلة الاستيطانية التي ستكون بعمق 35 كيلو مترا وبعرض 18 ــ 20 كيلو مترا، مشيرا الى أن ذلك يعني أن التواصل بين المستوطنات الإسرائيلية جغرافي، وبين القرى والمدن الفلسطينية عبر الأنفاق

وعن مصير القدس: هناك عدة اتجاهات لتطبيق الأهداف الإسرائيلية هي: تقليص عدد السكان العرب وهدم المنازل، وسحب الهويات وجدار الفصل، وإخراج كل التجمعات المدنية العربية الواقعة داخل حدود المدينة الى خارجها، وضم كل الكتل الاستيطانية الى داخل مدينة القدس. وقال: إن عمليات التهويد في مدينة القدس المحتلة هو مقدمة لتنفيذ القرار الإسرائيلي بأحدث عملية تطهير عرقي للفلسطينيين والنظر إليهم كمجموعة أقلية تعيش في المدينة. وحول قرار الأمم المتحدة المطالبة بوقف الاستيطان قال: إن إسرائيل لم تبق شيئا لتصادره في مدينة القدس المحتلة فهي صادرت 86% من القدس المحتلة ولم يبق سوى 14% من المدينة وهي المنطقة المبنية ويمكن لهم مصادرتها عبر قانون الغائبين .

ان ما يجري بالقدس المحتلة حاليا، مجرد حلقة من مخطط يتم تنفيذه تباعا منذ الاحتلال الاسرائيلي في حزيران العام 1967. ولقد تصاعد تنفيذ هذا المخطط وبلورته بعد اتفاق اوسلو في العام 1993 بمبادرة من حزب "الليكود" حيث اقرت البلدية التي كان يترأسها ايهود اولمرت خطة حملت اسم "القدس 2020" هدفها اخراج المدينة المقدسة من دائرة التفاوض عبر تغيير طابعها الديمغرافي، وتوحيد القدس الشرقية والقدس الغربية، وتقليص عدد سكانها العرب ورفع سكانها اليهود الى مليون بحلول الموعد المذكور، واستمرت الممارسات الاسرائيلية لتنفيذ هذه الخطة رغم نهاية ولاية اولمرت بعد تعاقب ثلاثة على رئاسة البلدية من المعسكر اليميني نفسه، آخرهم الرئيس الحالي لبلدية القدس نير بركات وهو اكثرهم تطرفا في مواقفه من الفلسطينيين في القدس ومن عملية السلام. فقد تصاعدت الاجراءات الاسرائيلية ضد الوجود الفلسطيني، كما وكيفا، منذ تسلمه منصبه منتصف العام الماضي. ومع مجيء حكومة نتنياهو الثانية الى سدة الحكم، التي تعتبر اكثر الحكومات الاسرائيلية توسعية وعنصرية ضد الفلسطينيين بشكل عام وضد الوجود الفلسطيني بالقدس بشكل خاص .

إن ما تتعرض له القدس رهيب جدا، وأدى الى وضع إذا استمر ستضيع القدس، لذا لا يكفي لوقفه الإدانة والشجب والتمنيات، وتقديم بعض المساعدات، والقيام باحتجاجات متفرقة، بل بحاجة :

اولا:الى رفض استئناف التفاوض ما دامت المخططات الإسرائيلية لتطبيق الحل الإسرائيلي خصوصا في مدينة القدس جارية على قدم وساق، فلا يكفي الحديث تارة عن وقف المفاوضات وتارة عن تجميدها تارة، وعن وقف الاستيطان من خلال التفاوض تارة وعن وقف الاستيطان كشرط للتفاوض تارة اخرى .

ثانيا: الى استراتيجية تقوم على أن القدس عاصمة فلسطين وروحها وعقلها وقلبها، وأنها جزء من الأرض المحتلة العام 1967، ودون دحر الاحتلال منها بشكل كلي، بعيدا عن معادلة الأحياء العربية والأحياء اليهودية التي طرحها بيل كلينتون، وعن ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة، ومبدأ تبادل الأراضي المطروحين منذ قمة كامب ديفيد العام 2000، وعن سياسة تقوم على رد الفعل وعلى مجرد البقاء وتحسين شروط حياة السكان المقدسيين كاستراتيجية وليس بوصفها تكتيكا من ضمن استراتيجية هدفها الناظم إنهاء الاحتلال وكل ما قام به الاحتلال من استيطان وحصار وتهويد وتغيير المعالم بصورة جوهرية. وما يتطلبه ذلك من تعزيز عوامل الصمود والبقاء والمقاومة، في القدس وكافة الاراضي المحتلة العام 1967. فلا يكفي الحديث عن وقف الاستيطان أو أن خطاب بنيامين نتنياهو الذي ألقاه، عبر الفيديو كونفرنس في مؤتمر "الايباك" غامض وغير كافٍ. إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، حكومة حرب وعدوان واستيطان وعنصرية، وهي أكثر حكومة تطرفا منذ تأسيس إسرائيل. ولا يكفي لمواجهتها الاستمرار بالتسلح باتفاق اوسلو وخارطة الطريق ومسار انابوليس، بل لا بد من مراجعة المسيرة مراجعة عميقة وجريئة واستخلاص الدروس والعبر التي على رأسها ضرورة التوصل الى حل نهائي للصراع دون مراحل انتقالية، ولا فصل القضايا عن بعضها، وعلى أساس مرجعية واضحة وملزمة من البداية. فلا يمكن إنقاذ القدس دون توفير مقومات وإمكانيات الصمود الحقيقية، ودون وضع معركة القدس في سياق المعركة الأكبر، معركة الاستقلال الوطني، التي لا يمكن أن تنتصر دون مقاومة مثمرة تجعل المحتل يدفع ثمنا غاليا لاحتلاله
تصاعد هدم البيوت في القدس الشرقية منذ تولي اليميني "بركات" رئاسة بلدية القدس المحتلة
وقع رئيس بلدية القدس المحتلة "نير بركات" على 34 أمرًا بهدم بيوت فلسطينية في القدس الشرقية المحتلة منذ توليه منصب رئاسة البلدية قبل ثلاثة شهور، ما يشير إلى تزايدٍ كبيرٍ في أوامر الهدم مقارنة مع سلفه في المنصب "أوري لوبليانسكي".
وذكرت إذاعة جيش الاحتلال أمس الإثنين (16-3) أنه خلال الشهور الثلاثة الأخيرة منذ بداية ولاية "بركات" قدمت دائرة مراقبة البناء في بلدية الاحتلال أكثر من مائة لائحة اتهامٍ كلَّ شهرٍ ضد مواطنين فلسطينيين طالبت فيها بهدم مبانٍ في القدس الشرقية المحتلة تحت ذريعة أنه تم بناؤها بدون ترخيص.
وأشارت الإذاعة إلى أن كمية طلبات هدم البيوت في الأحياء العربية في القدس الشرقية المحتلة هذه خلال الشهور الثلاثة الأخيرة تدل على ارتفاع وتيرة هدم البيوت مقارنة مع هدم 88 بيتًا في القدس الشرقية المحتلة خلال العام الماضي كله، ويبدو أنه سيتم هذا العام هدم 120 بيتًا على الأقل.
وزعم "بركات" في مقابلة أجرتها معه إذاعة جيش الاحتلال، أنه لا يميِّز بين مواطني القدس بشقيها الغربي والشرقي، ولا يتحيز ضد ساكني القدس الشرقية –وهم المواطنون الفلسطينيون-.
وردًّا على عدم قيامه بأي هدمٍ في القدس الغربية التي يسكنها الصهاينة ادعى "بركات" أنه "لا توجد أية مخالفة بناء، ولو حتى بناء شرفة، في القدس الغربية"، موضحًا أن قسمًا من أوامر الهدم كان موضوعًا على طاولة رئيس البلدية السابق، و"على البلدية أن تعمل بنجاعة أكبر، وهذا أحد الأهداف التي وضعتها أمامي وأعتزم تحقيقها" على حد زعمه.
من جهة ثانية لفتت إذاعة جيش الاحتلال إلى "وجود صعوبات في استصدار تراخيص بناء قانونية في القدس الشرقية"، وأنه "في العام الأخير طلبت 203 عائلات (فلسطينية) تراخيص بناء، حصلت 87 منها فقط على موافقة البلدية".
وأضافت الإذاعة أن "نسبة قليلة من السكان يختارون التوجه إلى البلدية من أجل استصدار تراخيص بناء، لعلمهم بأن استصدار تصاريح للبناء في القدس الشرقية يكاد يكون مستحيلاً". وقالت الإذاعة: "إن هذه مشكلة لا يخفيها المسؤولون في البلدية، وتتعلق بالتمييز بين شطري المدينة منذ سنوات طويلة، حيث إن المساحة التي يُسمح بالبناء فيها في غرب المدينة أكبر بـ50% من شرقها".
يشار إلى أن الانتقادات الموجهة الموجهة إلى الكيان الصهيوني حول سياسة هدم البيوت التي تنتهجها في القدس الشرقية المحتلة قد تزايدت في الآونة الأخيرة.
ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر في الشرطة الصهيونية قولها أنه وردت معلومات في الفترة الأخيرة تتحدث عن نية تنظيم مظاهرات عنيفة في الضواحي الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة احتجاجًا على سياسة هدم البيوت.
يُذكر أن وسائل إعلام صهيونية كانت قد ربطت بين سياسة هدم البيوت وعملية الدهس بالجرافة التي نفذها فلسطيني من القدس الشرقية المحتلة قبل نحو عشرة أيام.
مؤسسة الأقصى للوقف والتراث: إسرائيل تنفّذ أكبر عمليات تغيير وتزوير للوجه التاريخي والديني الإسلامي
رصدت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" في تقرير صحفي لها صدر الأربعاء 11 آذار، مشاهد من عمليات تهويد وتغيير غير مسبوقة تجريها المؤسسة الإسرائيلية في البلدة القديمة من القدس عبر مشاريع تحمل مسميات متعددة كالتطوير والترميم وهي في الحقيقة مشاريع تهويد وطمس للمعالم الإسلامية والعربية في القدس القديمة.
وأكدت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" في تقريرها الصحفي أن المؤسسة الإسرائيلية تنفّذ في هذه الأيام "أكبر عمليات تغيير وتزوير للوجه التاريخي والديني الإسلامي والعربي للبلدة القديمة" ، تشمل أسوار القدس القديمة وأبوابها والمحيط الملاصق للبلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك، وكذلك للأحياء المقدسية داخل الأسوار. كما تسعى المؤسسة الإسرائيلية الى عمليات تغيير واسع للطابع الديني للقدس من خلال مشاريع سياحية وترفيهية تتناقض مع الطابع الديني الإسلامي في القدس، وتنظيم حفلات الرقص الصاخب وتشجيع افتتاح الخمارات ليلاً، والتركيز على منطقة حائط البراق على انها "حائط المبكى" المقدس في الديانة اليهودية.
وأشارت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" أن المؤسسة الإسرائيلية قد ألقت مهام تنفيذ هذه المشاريع والتي ستسمر لعدة سنين على عدد من المنظمات والشركات الإسرائيلية أهما البلدية العبرية في القدس، وما يسمى بـ "سلطة تطوير القدس" وما يسمى بـ "سلطة الآثار الإسرائيلية"، في حين رصدت المؤسسة الإسرائيلية لتنفيذ هذه المشاريع التهويدية مبلغ 600 مليون شيقل (150 مليون دولار أمريكي).
هذا وبدأت المؤسسة الإسرائيليلة بمشروعها الشامل بتغيير المعالم والوجه التاريخي والحضاري العربي والإسلامي بعمليات مشبوهة وغير معروفة في مضمونها الحقيقي وتحت مسمى الترميم والتصليح في أسوار البلدة القديمة، حيث انهت مؤخرا عمليات تهويد شاملة في أقصى الزاوية الغربية الشمالية من السور، وأنشأت بالجوار حديقة ومتنزهاً عاماً ملاصقاً للجدار وسمّته "كيكار تساهل – جادة الجيش"، كما وأنهت مؤخرا أعمالاً مماثلة في أقصى الزاوية الشرقية الشمالية للسور التاريخي للقدس، كما وقامت بأعمال رصف لبلاط جديد في منطقة باب الساهرة، لا يمت بصلة للعمران التاريخي للقدس، في نفس الوقت تجري أعمال تجريف في مناطق متعددة على أجزاء طويلة من السور الشمالي، كما وتقوم المؤسسة الإسرائيلية في هذه الأثناء بعمليات تغيير في مناطق واسعة من السور في الجهة الغربية وأقصى الجهة الجنوبية الغربية لأسوار البلدة القديمة.
الى ذلك فقد أنهت المؤسسة الإسرائيلية قبل أشهر عمليات تغيير في معالم باب النبي داوود ودشنت عملها هذا بإحتفال تضمن بين حضوره أفراد من الجيش الإسرائيلي الذي هاجموا حي الشرف في عام 1948، ولم يستطيعوا إحتلاله يومها، وأعلنت المؤسسة الإسرائيلية مؤخرا انها ستجري أعمال تطوير بحسب ادعائها لباب الخليل وباب الساهرة وتغيير مسالك السير والمحيط المجاور لأبواب البلدة القديمة في القدس.
في هذه الأثناء أنهت المؤسسة الإسرائيلية تحويل عدد من المساحات المحيطة بأسوار القدس القديمة الى حدائق عامة وزرعتها بالعشب الأخضر وبعض الأشجار، وأعلنت انها ستحول كامل محيط البلدة القديمة الى حديقة عامة.
في نفس الوقت فقد واصلت المؤسسة الإسرائيلية إستيلائها على عدد من الأبنية والعقارات العربية والإسلامية في البلدة القديمة بالقدس، حيث تقوم بعلميات تغيير واسعة لمعالمها ومن ثم إستعمالها لأهداف تهويدية، ومن أبرز هذه العقارت والاعمال ما يجري في حارة الشرف، وأقصى غرب حي المغاربة، وبعض العقارات في اقصى شارع الواد، واخرى بالقرب من مسجد النبي داوود ووقف آل الدجاني في الموقع نفسه، وأعلنت المؤسسة الإسرائيلية ان بحوزتها مخططاً شاملاً لتغيير معالم العقارات والدكاكين على طول شارع الواد، وهي من المناطق المهمة والرئيسية في البلدة القديمة.
وتسعى المؤسسة الإسرائيلية أيضا الى تغيير الطابع والوجه التاريخي للبلدة القديمة بالقدس، من خلال نصب شبكات الإضاءة الكهربائية في مواقع تعلن عنها انها ذات أبعاد دينية للمجتمع اليهودي خاصة في منطقة النبي داوود وحائط البراق، وأعلنت انها ستكثف من أعمال الإضاءة هذه في الوقت القريب.
وتترافق أعمال التغيير والتزوير هذه بتغيير أسماء الشوارع من الاسماء العربية الإسلامية التاريخية الى أسماء عبرية، وتوثيق ذلك في إعلاناتها، كما حصل في منطقة مدخل سلوان على بعد أمتار من السور الجنوبي للمسجد الأقصى، حيث أطلقت اسم شارع "معاليه دافيد" على شارع وادي حلوة بسلوان، و"جاي هينوم" على شارع "وادي الربابة"، وأعلنت المؤسسة الإسرائيلية انها ستقوم بتغيير جميع لافتات الشوارع في البلدة القديمة، ولم يعرف هل ستقوم بتغيير الاسماء ام الإبقاء ليها؟!

وفي خطة خطيرة لتغيير الوجه والطابع الديني الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس وجوار المسجد الأقصى، فقد نظمت المؤسسة الإسرائيلية مؤخرا مهرجانات سياحية ترفيهية شملت سهرات ليلية على أنغام الموسيقى الصاخبة، وامتد تنظيم هذه السهرات الى ساعات الليل المتأخرة، وأشارت المؤسسة الإسرائيلية ان هذه السهرات الغنائية الصاخبة جذبت الكثير من المشاركين، وشجعت على افتتاح الدكاكين في ساعات الليل ومن بينها الخمارت "بابيم"، وأعلنت المؤسسة الإسرائيلية انه من ضمن مشروعها التهويدي في القدس فإنها ستكثف من هذه المهرجانات الغنائية الصاخبة في الفترة القريبة، وطبعا غني عن الإشارة ان مثل هذه الحفلات والمهرجانات تتنافي كلياً مع الطابع الديني الإسلامي لمدينة القدس، وتهدف المؤسسة الإسرائيلية منه الى تقليل التواجد العربي والإسلامي في القدس القديمة إن كان ليلا او نهاراً.
في ختام تقريرها الصحفي ذكرت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" انها رصدت ووثقت عددا من مشاهد التغيير والتزوير والتهويد المذكورة، في حين وجهت نداءً للحاضر الإسلامي والعربي الى ضرورة التسريع بتنفيذ المشاريع التي تحفظ عروبة وإسلامية القدس، وتحفظ وتصون قدسية المسجد الأقصى المبارك، والأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. وقالت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث: "أنه لا يعقل ان تواصل المؤسسة الإسرائيلية مشاريعها التهويدية الشاملة للقدس وإنتهاك حرمة المسجد الأقصى ، دون ان نقوم بمشاريع صيانة وحماية للمسجد الأقصى ولمدينة القدس، وإننا إذ نضع بين يدي الحاضر الإسلامي والعربي والفلسطيني هذا التقرير الموثق فإننا نطالبهم بالوقوف عند مسؤولياتهم تجاه القدس والأقصى على المستوى الرسمي والشعبي والمؤسساتي، فالقدس اليوم تهوّد والأقصى يستهدف، فهل ننتظر حتى تضيع القدس ويضيع المسجد الأقصى؟!".
الاعلام العربي و قضية تهويد القدس
الاحتلال ينفِّذ خططًا متسارعةً لتهويد القدس المحتلة والمسلمون مطالبون بتحرك فاعل
تهويد متسارع لمدينة القدس في ظل صمت عربي وإسلامي)
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام:
تواصل سلطات الاحتلال الصهيوني سياسة قضم مدينة القدس المحتلة وتجريدها من كافة المعالم الإسلامية، واتخاذ كافة الوسائل من أجل تهويد المدينة وطرد سكانها المقدسيين الأصليين فلسطينيِّي الجنسية، وإلى جانب هذه السياسة تواصل المؤسسة الصهيونية ذاتها، وبغطاءٍ رسمي وعالمي، أعمال الحفر الواسعة جدَّا بواسطة سلطة الآثار الصهيونية تحت أساسات مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك؛ بهدف تهويد المدينة وإفراغها من مضمونها الإسلامي.
الاحتلال يعترف بالنوايا الخبيثة
في هذا الإطار أفادت صحيفة "هاآرتس" الصهيونية بأن رئيس بلدية الاحتلال اليميني المتطرف "نير بركات"، يعتزم الاقتراح على 1500 مواطن فلسطيني في "سلوان" بإخلاء منازلهم طواعيةً مقابل منحهم أراضيَ بديلة، مضيفةً أن عضو بلدية الاحتلال المُكلَّف بما يسمى "ملف القدس" المدعو "ياكير سيغف"، التقى مؤخرًا سكانًا من "سلوان"، وطرح أمامهم إمكانية أن يُخلوا منازلهم طواعيةً، ولوَّح مهددًا بأن هذه البيوت مُعَدَّة للهدم بدعوى بنائها دون تراخيص.
لكن "سيغف" قال لـ"هاآرتس": "لا توجد أية خطة لتعويض السكان، وهناك أوامر صادرة بهدم البيوت، ونحن مُلزَمون بتنفيذها، أما فكرة التعويض فقد تم طرحها خلال الحديث مع السكان".
وتجدر الإشارة إلى أن منظَّماتٍ استيطانيةً يهوديةً مدعومةً من الحكومة الصهيونية وبلدية الاحتلال، تنفِّذ أعمال حفريات واسعة جدًّا بواسطة سلطة الآثار الصهيونية في "سلوان"؛ تسعى من خلالها إلى السيطرة على أكبر عددٍ ممكنٍ من البيوت الفلسطينية في الحي.
وحسب هاآرتس، فإن بلدية الاحتلال تسعى إلى إخلاء 88 بيتًا بادعاء أنها مهدَّدة بالهدم في منطقة "البستان" الواقعة شرق أسوار البلدة القديمة جنوب المسجد الأقصى المبارك، والتي تطلق عليها قوات الاحتلال اسم "حديقة داوود"، نسبةً إلى الملك داوود، وفقًا لتوراتهم.
حكومة هنية تندد وتحذر وتطالب
وزارة الأوقاف والشئون الدينية في الحكومة الفلسطينية برئاسة إسماعيل هنية، أدانت قرار بلدية الاحتلال الصهيوني ترحيلَ 1500 مواطن فلسطيني مقدسي من حي "سلوان" في مدينة القدس مقابل منحهم أراضيَ بديلة؛ لهدمها بدعوى بنائها دون تراخيص.
واستنكر الدكتور طالب أبو شعر وزير الأوقاف والشئون الدينية سعي الاحتلال إلى إخلاء 88 بيتًا بادعاء أنها مهددة بالهدم، محذرًا من تنفيذ منظمات استيطانية يهودية مدعومة من الحكومة الصهيونية وبلدية الاحتلال أعمال حفريات واسعة جدًّا بواسطة سلطة الآثار الصهيونية في سلوان؛ تسعى من خلالها إلى السيطرة على أكبر عددٍ ممكنٍ من البيوت الفلسطينية في الحي.
وقال أبو شعر: "إن سعي الاحتلال الصهيوني إلى إخلاء السكان الفلسطينيين من بيوتهم في مدينة القدس المحتلة ليس جديدًا، وتقف خلفه منظمة "إلعاد" الاستيطانية، والتي تسعى إلى السيطرة على الحي المحاذي للبلدة القديمة"، محملاً حكومة الاحتلال المسئولية الكاملة عن هذه الأعمال الإجرامية الخطيرة، مؤكدًا في ذات الوقت أن ذلك يأتي استكمالاً لسياسة تهويد مدينة القدس وإفراغها من سكانها الأصليين، وسيكون له نتائج وخيمة.
وطالبت وزارة الأوقاف كافة المنظمات الإسلامية والعربية والدولية المعنيَّة، وجامعة الدول العربية، بضرورة التحرك العاجل والفاعل لإنقاذ مدينة القدس والمسجد الأقصى ودعم صمود أهلها في مواجهة المخططات التهويدية، ووقف جرائم الاحتلال الصهيوني المستمرة بحق المدينة المقدسة، والوقوف أمام مسئولياتهم، مؤكدةً أن كافة الوسائل مشروعةٌ لحماية المقدسات الإسلامية.
المقدسات أصبحت في دائرة الخطر الحقيقي
من جهتها، اتهمت "الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات"، سلطات الاحتلال بـتصعيد حربها على مدينة القدس، وخاصةً المسجد الأقصى المبارك ومحيطه في البلدة القديمة في الفترة الأخيرة، في محاولةٍ لمواصلة عملية "الترانسفير" للمواطنين المقدسيين وتهويد الأقصى؛ وذلك بعد الأنباء التي كشفتها وسائل إعلام تابعة للاحتلال من مخططات صهيونية لهدم 88 منزلاً فلسطينيًّا في حي "سلوان"، والبدء في شق نفق في البلدة القديمة لربط حائط البراق بالحي اليهودي، مطالبةً بوقفةٍ عربيةٍ ودوليةٍ لوقف تلك الانتهاكات.
وقال الأمين العام للهيئة حسن خاطر في بيانٍ صدر عنها: "إن سكان حي البستان جنوب المسجد الأقصى أصبحوا في دائرة الخطر الحقيقي، بعد أن ألغت "اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء الإسرائيلية" المخطَّط الذي قدَّمه أهالي الحي، واعتمدت مخططًا آخر لنفس المنطقة؛ قامت بإعداده بلدية الاحتلال، وبموجبه سيتم إزالة القسم الأكبر من حي البستان، وتشريد سكانه البالغ عددهم 1500 مواطن، وتجريف الحي لتحويله إلى حدائق عامة".
عدم الاستجابة لمحاولات بلدية القدس
وجاء في البيان أن تلك الإجراءات تأتي ضمن مخطط واسع يهدف إلى تهويد محيط المسجد الأقصى أو ما يعرف بـ"الحوض المقدس"، والذي يشمل 88 مبنى في حي البستان، الذي هو جزءٌ من حي "سلوان" الواقع شرق سور البلدة القديمة لمدينة القدس، في منطقةٍ تُعرَف باسم "حديقة الملك"، وتُعرَف أيضًا بأهميتها الأثرية والتاريخية.
وطالب البيان أهالي حي البستان بعدم الاستجابة لمحاولات بلدية القدس إقناعهم بالحصول على مساكن بديلة في أحياء مقدسية أخرى مثل "بيت حانينا" وغيرها، أو قبول تعويضات؛ باعتبار أن ذلك "يعني إعطاء الفرصة- التي كثيرًا ما تمنَّاها الاحتلال- للإطباق على الأقصى والبلدة القديمة من الناحية الجنوبية.
وأوضح البيان أن "هذه الإجراءات تتوازى مع مشروعات مثيلة في المناطق الشمالية للمدينة، مثل حي الشيخ جراح"، ولفتت الهيئة في بيانها إلى ما قامت به سلطات الاحتلال مؤخرًا من إغلاقٍ للبوابات الحديدية والفتحات التي كانت تربط منطقة الرام وضاحية البريد بالقدس، وتندرج ضمن سياسة التخلص من المواطنين المقدسيين، وإخراجهم خارج مدينة القدس؛ سعيًا إلى تجريدهم من مواطنتهم المقدسية.
مقدمة لسياسة ترانسفير جديدة بحق المقدسيين
بدوره استنكر قاضي قضاة فلسطين تيسير التميمي الخطوة التهويدية الصهيونية وإعلان بلدية الاحتلال في مدينة القدس عزمها ترحيل الأهالي بهدف فتح نفق تحت الأرض لربط حائط البراق بما يسمى "الحي اليهودي"، مضيفًا أن "القرار مقدمة لسياسة "ترانسفير" جديدة بحق المقدسيين ومحاولة فرض واقع ديموغرافي جديد في مدينة القدس".
وأوضح أن "سياسة الترحيل تدخل في إطار محاولات الاحتلال تهويد المسجد الأقصى المبارك من خلال العمل على تغيير معالمه الإسلامية"، مؤكدًا أن الأقصى يتعرَّض إلى أكبر عملية استئصال وتهويد.
وأوضح التميمي أن سلطات الاحتلال وأذرعها الاستعمارية تقوم بحملة تهويدية غير مسبوقة لمحيط المسجد الأقصى المبارك؛ مما يدل على تزايد المخاطر المحدقة به يومًا بعد يوم، لافتًا إلى أن ما يحدث ليس وليد اللحظة، وإنما هو إجراءٌ خطَّطت له سلطات الاحتلال منذ سيطرتها على المدينة المقدسة بعد حرب عام 1967م.
وشدد التميمي على أن المسجد الأقصى المبارك ببنائه وجميع ساحاته وقبابه وأسواره وأبوابه وفضائه وأساساته وكل مكوناته؛ مسجد خالص لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بقرار رباني، ولا حقَّ لليهود فيه من قريبٍ ولا بعيدٍ، محمِّلاً سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن العواقب الكارثية التي ستحل في المنطقة إذا نفَّذت عدوانها عليه.
وأشاد التميمي بالدور الذي "يضطلع به أهلنا في مدينة القدس، الذين يتعرَّضون لشتى أنواع القمع والإرهاب على أيدي سلطات الاحتلال"، مؤكدًا أن المقدسيين لديهم إصرار وتَحَدٍّ وصمودٌ لمواجهة سياسة التهويد.
التشريعي يؤكد أن القدس تتعرض لتهويد شرس
أما الدكتور أحمد أبو حلبية رئيس "لجنة القدس" بالإنابة في المجلس التشريعي الفلسطيني، فقد أكد أن مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى والمقدسات تتعرَّض لهجمةٍ صهيونيةٍ شرسةٍ، داعيًا إلى تحرك عربي وإسلامي لحماية أولى القبلتين، مشيرًا في تصريحات صحفية إلى أن "شهر كانون ثاني/ يناير من العام الجاري شهد العديد من الانتهاكات من قِبل مؤسسات وجيش وشرطة الاحتلال الصهيوني بحق أبناء شعبنا في مدينة القدس المحتلة، وكذلك بحق ممتلكاتهم ومنازلهم وعائلاتهم وأراضيهم".
ونوَّه أبو حلبية بأن الانتهاكات من قِبل الاحتلال الصهيوني في مدينة القدس خلال شهر يناير/ كانون الثاني؛ شملت هدمًا لمنازل المواطنين والاستيلاء عليها وتجريف أراضيهم والاعتداء على أبنائهم وممارسة الاعتقالات بحقهم، مشيرًا إلى حدوث الكثير من المواجهات بين المواطنين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال في المدينة، مضيفًا: "هذه الفترة شهدت تكثيفًا للنشاطات الاستيطانية في المدينة ومصادرة أراضي المواطنين تحت ذرائع واهية"، مضيفًا أن "الاحتلال يتعمَّد من رواء ذلك تهجير وترحيل العائلات الفلسطينية في القدس عن ممتلكاتهم وأراضيهم هناك".
على العرب والمسلمين التحرك الجاد
وطالب أبو حلبية الدول العربية والإسلامية والمنظَّمات الدولية ومنظَّمات حقوق الإنسان "بضرورة العمل على توفير الحماية الدولية لمدينة القدس وسكانها ومقدساتها وآثارها، باعتبارها أرضًا محتلة، وإدانة وفضح الانتهاكات والممارسات وإجراءات الاحتلال المخالفة للقوانين الدولية، والعمل على وقفها".
وجدَّد دعوة كلٍّ من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والدكتور أكمل الدين أوغلو الأمين العام لمنظَّمة المؤتمر الإسلامي؛ "إلى تفعيل هاتين المؤسستين لحماية القدس والمقدسات، وحماية شعبنا الفلسطيني في المدينة المقدسة"، مؤكدًا ضرورة تبنِّي رفع شكاوى ودعاوى في المحاكم الدولية كمحكمة العدل ومحكمة الجنايات الدوليتين لوقف هذه الجرائم والاعتداءات".
تزوير هوية القدس على طريق مصير الأندلس
صحيفة الوطن القطرية
انشغلت وسائل الإعلام العالمية الرئيسية يوم الأربعاء الماضي بـ «المعركة الضارية» الانتخابية على رئاسة بلدية الاحتلال في القدس حول «الهوية اليهودية» لأولى القبلتين ومسرى النبي العربي محمد بن عبد الله وهل هي «هوية يهودية علمانية» أم هي «هوية يهودية متدينة» بين ثلاثة متنافسين، أحدهما مليونير وجنرال احتياط في جيش الاحتلال (نير باركات الذي فاز بالمنصب) وثانيهما حاخام متطرف ما زال يحلم بـ«أرض إسرائيل الكبرى» بين نهري النيل والفرات (مئير بوراش) وثالثهما رجل أعمال مهاجر من روسيا تجري محاكمته في فرنسا كمهرب للسلاح (اركادي غايداماك)، اختلفوا في ما بينهم حول أي هوية تهويدية يمنحونها للمدينة المقدسة واتفقوا على تهويد ما تبقى من عروبتها وإسلامها بتوسيع الاستعمار الاستيطاني في شرقها لكي يضمنوا أن تظل عاصمة أبدية موحدة لدولة المشروع الصهيوني وتحت سيادتها.
واكتفت القيادة الفلسطينية في رام الله - المؤتمنة على عروبة بيت المقدس وإسلامه بحكم الاعتراف العربي والإسلامي بها ممثلاً شرعياً وحيداً لعرب فلسطين ومسلميها - بتوجيه ندائها التقليدي المتكرر للمقدسيين بمقاطعة تلك الانتخابات لأن المشاركة في هذه الانتخابات ستعطي دولة الاحتلال ذريعة لضم شرقي المدينة، لانشغال هذه القيادة في «معركة ضارية» خاصة بها حول «الشرعية الفلسطينية» ما زالت بدورها تشغل وسائل الإعلام العالمية الرئيسية التي يحلو لها أن تصورها بأنها معركة تدور أيضاً حول هوية «الشريك الفلسطيني في عملية السلام» وهل هي «علمانية ديمقراطية»، وفي هذه الحالة فإنها مقبولة، أم هي «متدينة إسلامية» وفي هذه الحالة فإنها مرفوضة وينبغي حصارها، بينما يجري على قدم وساق تهويد العاصمة الروحية والسياسية والاقتصادية والتاريخية لعرب فلسطين ومسلميها، المتدينون منهم والعلمانيون جميعاً، وتزوير هويتها، في حين ينشغل فيلق جديد من الموظفين العرب في الاستعدادات لتنفيذ القرار الذي اتخذته الدورة الخامسة عشرة لمجلس وزراء الثقافة العرب التي عقدت في سلطنة عُمان يومي 8 و9 نوفمبر عام 2006 باعتماد القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009، على أن تتقاسم فلسطين والعواصم العربية تنفيذ الفعاليات الثقافية.
وينضم فيلق الموظفين الجديد إلى جيش عرمرم من موظفي سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية (في محافظة القدس ومستشارية رئيس الوزراء لشؤون القدس ووحدة القدس في رئاسة السلطة واللجنة الشعبية المعتمدة من الرئاسة للدفاع عن القدس) ومن نظرائهم في عشرات اللجان الملكية والجمهورية، الرسمية والشعبية، العربية والإسلامية في عواصم الوطن العربي وحواضر العالم الإسلامي المنشغلين جميعاً برصد المناسبات المقدسية أو وقوع أحداث جسام في بيت المقدس لكي يدبجوا البيانات الفصيحة أو غير الفصيحة التي بالكاد تنشرها وسائل إعلامهم في عناوينها الرئيسية بينما تطرق وصولها إلى وسائل الإعلام العالمية مسدودة لأنها تحولت إلى ممارسة لفظية مكررة خالية من أي مضمون سوى اجترار نداءات ومناشدات لم يعد أحد يوليها أي اهتمام لإنقاذ بيت المقدس من خطر التهويد الذي يتهدده لأن الدفاع عن القدس قد تحول إلى وظيفة مأجورة تستظل بما يحلو للمفاوض الفلسطيني تسميته بـ«الاشتباك التفاوضي» الذي تقزم مؤخراً حد أن يجد رئيس الوفد المفاوض على قضايا الوضع النهائي أحمد قريع (الذي انتبهت وسائل الإعلام إلى غيابه عن الحراك السياسي الأخير للرئاسة) انجازاً تفاوضياً في عجز وزيرة خارجية دولة الاحتلال تسيبي ليفني عن تأليف حكومة وقرارها نتيجة لذلك بالذهاب إلى الانتخابات لأنها أصرت على إبقاء قضية القدس على طاولة المفاوضات في مواجهة معارضة قوية من خصومها السياسيين لأن التفاوض على القدس ينطوي على احتمال تقاسمها مع أهلها الشرعيين!
إن انتخاب «جنرالين» في الأسبوع الماضي لأكبر تجمعين استيطانيين حضريين في دولة المشروع الصهيوني، وهما الجنرال احتياط في لواء المظليين باركات في القدس والجنرال والطيار الحربي السابق رون هولداي في تل الربيع التي أسموها تل أبيب، يشير فقط إلى أن دولة الاحتلال تعتبر عملية البناء في وقت السلم ما هي إلا جزء من «المعركة الضارية» المستمرة في الصراع على الوجود الدائر في بيت المقدس وأكنافه، وهذه استراتيجية تتناقض بالتأكيد مع الانشغال الفلسطيني والعربي بـ «معركة» الاستعداد لـ«حفل افتتاح إعلان انطلاقة الفعاليات لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 من مدينة القدس في أواخر شهر يناير المقبل بمشاركة فعاليات فنية عربية وفلسطينية» من المؤكد أنها سوف تستجدي «تصاريح دخول» ورخص موافقة على الفعاليات من الجنرال باركات وحكومته.
كما أن الجنرال باركات، المعارض لتقديم أي «تنازلات» للفلسطينيين في القدس والذي استقال من حزب «كاديما» لهذا السبب بالذات، لخص في تصريحاته بعد فوزه برئاسة بلدية الاحتلال وقبلها برنامجه بالعمل على ضمان بقاء القدس عاصمة أبدية موحدة لدولة الاحتلال وتحت سيادتها عبر تحقيق هدفين رئيسيين أولهما تكثيف الاستيطان الاستعماري في شرقي القدس وتسريعه، وخصوصاً بناء تجمع استيطاني يهودي ضخم في عناتا والمنطقة التي أصبحت معروفة باسم «إي - 1» حيث أقام الاحتلال مقر قيادة شرطته في الضفة الغربية لإغلاق الثغرة الوحيدة التي ما زالت مفتوحة فلسطينياً في الطوق الاستيطاني الذي بناه الاحتلال حول القدس الشرقية العربية ولوصل هذا الطوق بالطوق الاستيطاني الخارجي الذي بناه حول «القدس الكبرى» عبر تجمع استيطاني حضري جديد يتصل مع مستعمرة معاليه أدوميم شرقي القدس، وهي الأكبر في الضفة الغربية، التي تقرر تحويلها إلى أكبر مدينة بين القدس وبين نهر الأردن بضم مستعمرتي كيدار 1 وكيدار 2 اليها.
أما الهدف الثاني المعلن للجنرال باركات فهو تحويل القدس إلى مدينة دولية تجتذب عشرة ملايين سائح خلال السنوات العشر المقبلة وحاضرة عالمية على نمط مدينة قال إنها مثاله الأعلى وهي نيويورك عاصمة المال والمضاربات والمؤامرات السياسية التي فجرت رذائلها الاقتصادية وفضائح كبار مسؤولي مؤسساتها المالية الدولية الأزمة المالية الأميركية التي تعولمت وما زالت تتفاقم، بالرغم من الاستعدادات الجارية لافتتاح أكبر كنيس يهودي في العالم في القدس خلال شهرين قال خبير المخطوطات في بيت الشرق خليل التفكجي إن «قبته توازي حجم قبة الصخرة المشرفة مما يهدد المسجد الأقصى بشكل غير مسبوق» في سياق مخطط لتهويد المدينة المقدسة بحلول العام 2020 ليلحق مصير القدس «بمصير الأندلس» إذا استمر الوضع الفلسطيني والعربي على حاله الراهن يبحث عن السلام لا عن العدل، ليتحول بيت المقدس في الذاكرة الجمعية للأمة إلى مرثيات مقدسية مثلما تحولت الأندلس إلى موشحات أندلسية تبكي الناس على أنغام مجد غابر ضيعه اقتتال على الإمارة بالكاد يختلف عن الاصطراع الفلسطيني الراهن على السلطة.
وفي خضم المعركة الضارية الحقيقية التي يخوضها الاحتلال للفوز بتهويد القدس مقابل معركة طواحين الهواء الدونكيشوتية التي تخوضها القيادات التفاوضية الفلسطينية والعربية لم يعد يوجد أي شك لمن ستكون الغلبة ومن هو الذي سيقرر هوية بيت المقدس.
الخطة الاستراتيجية لابتلاع القدس
[صحيفة البيان الإماراتية
رغم أن هناك ثلاث مناسبات كبيرة خطيرة تتعلق بالحالة الفلسطينية تتزامن في هذا الشهر وهي: «وعد بلفور»، و«مرور 20 عاماً على إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر»، وكذلك «61 عاماً على قرار التقسيم»، إلا أن آخر تطورات المشهد المقدسي أخذت تغطي على كافة العناوين الأخرى.
فالمشهد المقدسي يحتل في الأيام الأخيرة المانشيتات الرئيسية في الصحافة والفضائيات وفي مواقع الأعلام العنكبوتية المختلفة نظراً للأهمية والأبعاد الاستراتيجية والدينية والسياسية الحاسمة التي ينطوي عليها أي حدث أو تطور يجري على أرض المدينة المقدسة، فالمدينة تواجه أخطر هجوم احتلالي تهويدي عليها منذ عام 1967...!
فبعد أن تتابعت الاعتداءات الصهيونية وتمادت دولة الاحتلال في قصة «الحفريات الهيكلية» تحت الأقصى إلى أن وصلت إلى هدم باب المغاربة الذي اعتبر خطوة خطيرة نحو السيطرة الإسرائيلية الكاملة على البوابة الجنوبية الغربية للأقصى، تطل علينا الصحافة العبرية والفلسطينية مجدداً بالكشف عن اخطر مخططات استيطانية تفريغية للمدينة المقدسة وصفت بالأخطبوطية.
رئيس بلدية القدس المحتلة المنتخب حديثاً نير بركات يعلن فور فوزه «أنه يؤيد خطط الحكومة لبناء المزيد من المنازل لليهود في القدس الشرقية العربية المحتلة وحولها»، ويزعم بركات «هذه مناطق تسيطر عليها الحكومة وهي مملوكة لليهود.. وليست مملوكة للعرب».
وكشف دان مرجليت نائب رئيس حركة ميرتس اليسارية عضو بلدية القدس المعروف بمناهضة الاحتلال والاستيطان «أن هناك نفقين كبيرين أسفل وفي محيط المسجد الأقصى المبارك أحدهما في سلوان والثاني في منطقة الواد في البلدة القديمة قرب منزل الزوربا على وشك أن يعلن عن فتحهما».
شف النقاب أيضاً عن «أن عصابات المستوطنين المتمثلة بالجمعية الاستيطانية «إلعاد»، استغلت ترخيصاً من سلطات الاحتلال لبناء موقف سيارات على بعد 30 متراً من أسوار الحرم القدسي الشريف، حيث المسجد الأقصى المبارك، لبناء مبنى ضخم».
وقالت حركة «السلام الآن»: «إنه تحت غطاء حفريات أثرية تجري أعمال لتشييد مبنى ضخم بمساحة 115 ألف متر مربع، يشمل قاعة مؤتمرات ومركزاً تجارياً وغرف ضيافة وموقف سيارات تحت الأرض».
ونقلت سلطة الآثار الإسرائيلية بؤرة نشاطاتها إلى منطقة البلدة القديمة في القدس، بهدف تنفيذ ما لا يقل عن تسع حفريات كبيرة طويلة المدى عنوانها «الخطة الاستراتيجية المتكاملة»، التي تفضي إلى إقامة «الهيكل» المزعوم مكان المسجد الأقصى، و«قدس الأقداس» مكان قبة الصخرة.
و«القصر الملكي اليهودي» في الموقع المرواني، وكشف الدكتور إبراهيم الفني مدير مؤسسة القدس للبحث والتوثيق، النقاب عن «وجود خطتين للمسجد الأقصى: الأولى فتح القاعات الفاطمية الثلاث التي يقوم عليها المسجد الأقصى، فهي موجودة (القاعات) تحت الأقصى وإن لم ينجحوا بهدمه فإنهم سيقومون بوضع «الهيكل» المزعوم في هذه القاعات.
ومن ثم تدريجياً ينقل للأعلى بعد الاستيلاء عليه كما حدث في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل سابقاً، أما الخطة الثانية فهي إقامة «الهيكل» المزعوم بدل المسجد الأقصى وإقامة «القصر الملكي» في «قدس الأقداس» والمقصود بها قبة الصخرة، مضيفاً أن هذا يعني ليس فقط المسجد الأقصى المستهدف، وإنما أيضاً قبة الصخرة المشرفة التي أسرى منها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام».
إلى ذلك كانت سلطات الاحتلال أعادت افتتاح معبد يهودي في البلدة القديمة بالقدس، كما قامت بتوزيع آلاف أوامر الهدم في القدس ومحيطها على المواطنين المقدسيين»، وذكرت صحيفة «هآرتس» أن وزير الحرب أيهود باراك وافق على عشرات من مشاريع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، تقع شرق الجدار الفاصل الذي بني في الضفة الغربية وفي كتل استيطانية تنوي "إسرائيل" الاحتفاظ بها في إطار تسوية نهائية مع الفلسطينيين».
ناهيك عن تزايد الأصوات الإسرائيلية التي تنادي بضرورة التخلص من المقدسيين بعد ازدياد عمليات المقاومة من خلال حوادث الدهس بالجرافات أو الطعن بالسكاكين، وطالب عدد من المشاركين في برنامج حواري عرضته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي مؤخراً بضرورة «التخلص من المقدسيين من خلال منحهم الجنسية الأردنية خاصةً وأن الكثير منهم يحملون جوازات سفر أردنية».
وعن أوامر الإخلاء في «الشيخ جراح» قال الشيخ رائد صلاح «إن هناك مخططاً إسرائيلياً لتسريع طرد السكان من منازلهم وفي نفس الوقت وضع المستوطنين في هذه البيوت العربية وهذا ما حدث مع «أم كامل الكرد».
وحول هذه المخططات التهديمية حذر تقرير لجامعة الدول العربية من «أن عدد المنازل المعرضة للهدم في مدينة القدس المحتلة نتيجة الإجراءات التعسفية الإسرائيلية يصل إلى‏150‏ ألفا‏ً»، وعزز الشيخ تيسير التميمي قاضى قضاة فلسطين ما ذهب إليه صلاح مؤكداً: «أن ما يقارب 30 جماعة يهودية متطرفة تقتحم المسجد الأقصى المبارك يومياً، وترتكب الفواحش وتشرب الخمر وتدنسه بأفعال مسيئة لحرمة المسجد الأقصى».
وكشفت مؤسسة الأقصى لحماية المقدسات عن «قيام جمعيات إسرائيلية بتهويد تاريخي ثقافي لمدينة القدس المحتلة، بالتوازي مع التهويد الاستيطاني وفرض الأمر الواقع السياسي»، وفي السياق أصدر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر قراراً بـ «إغلاق المسرح الوطني الفلسطيني «الحكواتي» في القدس المحتلة، لحظر إقامة مهرجان تراثي لفرقة القدس للفنون الشعبية».
وفي ضوء هذا الهجوم الاحتلالي الجارف على القدس، خاطب الشيخ رائد صلاح العرب والإسلام قائلاً: «كفاكم أن تقفوا متفرجين على مأساة القدس الشريف، وعلى مأساة مقدساتها والمسجد الأقصى».
ونقول: لولا الانشغال الفلسطيني – الفلسطيني بالانقسام والحملات الإعلامية التحريضية المتبادلة، ولولا الانشغال العربي بالخلافات والصراعات الداخلية والقطرية و«فك الارتباط» العربي عما يجري هناك على أرض القدس وفلسطين، لما كانت آلة الحرب والهدم والفتك الاحتلالية لتواصل رسم خطوطها ووضع وتكريس بصماتها على جسم المدينة المقدسة.
التهويد الكبير يجتاح القدس
صحيفة البيان الإماراتية
لا نبالغ إن قلنا إن دولة الاحتلال الصهيوني تعمل على اختطاف المدينة المقدسة مرة واحدة وإلى الأبد، فالتهويد الكبير في المدينة قد بدأ - حسب أحدث وثيقة عبرية - وقد أعلنت تلك الدولة عن «ثورة في الاستيطان حول القدس» في إطار اتفاق تم بين أولمرت وحركة شاس الدينية/الصحف العبرية، بعد أن كانت أعلنت منذ مطلع العام عن «إن عام/2008 سيكون عام البناء الاستيطاني في القدس».
ويصعد الاحتلال حرب ابتلاع القدس، إذ تتعرض المدينة في هذه الأيام لأخطر وأشرس حملة تهويدية منذ احتلالها عام 1967، وعمل ليل نهار على فرض الأمر الواقع الاحتلالي فوق القدس عبر تزوير وثائق ملكية المنازل والعقارات ومنع الفلسطينيين من البناء وترميم منازلهم، وتحت المدينة عبر مواصلة حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى والأحياء القديمة، سعياً لتكريس خرافات الهيكل وخزعبلات المنظمات اليهودية.
فدولة الاحتلال تتحرك على مدار الساعة على امتداد المساحة المقدسية بهدف إحكام قبضتها الاستراتيجية على المدينة وإخراجها من كل الحسابات الفلسطينية والعربية والدولية، وهي أيضاً في سباق مع الزمن ومع المفاوضات مستثمرة حالة التشظي والتفكك والضعف والسبات العربية من أجل استكمال مخططاتها ومشاريعها قبل أن تأتي الصحوة العربية الإسلامية.
وليس ذلك فحسب، فقد حظيت قبل أيام بغطاء حتى من قبل «لجنة التراث العالمي» التابعة لليونسكو باتخاذها قرارا يخول «إسرائيل» بالإشراف على باب المغاربة وببناء الجسر وفقاً لمخططاتها» بما ينطوي عليه ذلك من ضوء أخضر لدولة الاحتلال بأن تفعل ما تريد في المدينة المقدسة..!.
وها هو الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، ورائد التصدي لهستيريا التهويد في القدس، يكشف النقاب في أقرب تحذير له عن «خمسة مخططات ووثائق وخرائط تنوي الحكومة الإسرائيلية تنفيذها في ساحة البراق وباب المغاربة في داخل المسجد الأقصى المبارك، بهدف تهويد المنطقة وبناء مجموعة من الكنس اليهودية في الجهة الغربية الجنوبية وبناء جسر عسكري إسرائيلي بعرض 18 متراً واعتبار جميع ساحات المسجد الأقصى المبارك ساحات عامة يحق للجميع دخولها تمهيداً للسيطرة عليها وبناء الهيكل الثالث المزعوم/ وكالات - 14/8/2008» .
وكشف مركزٌ للدراسات التوثيقية النقاب عن وثيقة أعدها قادة الاحتلال موجهة إلى العالم أجمع تتحدث عن ما أسموه «التغيير قادمٌ لا محالة... وأن مشروع التهويد الكبير قد بدأ، وأن بناء الهيكل ما هو إلا جزء من مشروع يشمل البلدة القديمة بأكملها»، وتعرض الوثيقة المعنونة بـ «القدس أولاً» ترجمة لمصطلح «كيدم يروشلايم» مصطلحاً جديداً أسموه «الحوض المقدس»، وهو تجسيد لإيجاد واقع جديد على الأرض، في القدس والمسجد الأقصى وما جاوره.
وتمضي دولة الاحتلال في هجومها على المدينة المقدسة في إطار ما يطلق عليه الفلسطينيون هناك سياسات التطهير العرقي، إذ أكدت منظمة «بيتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان مثلاً: «أن دولة الاحتلال تمارس سياسة التطهير العرقي ضد المقدسيين منذ سنوات، ومنها سحب هويات حق المواطنة ومنع البناء والسكن لإجبارهم على الإقامة خارج حدود المدينة 16/6/2008»، كما اتهم تقرير حقوقي "إسرائيل" بممارسة التهجير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة.
ولذلك حينما اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس «إسرائيل» أمام قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم 57 دولة والتي عقدت في العاصمة السنغالية دكار قبل شهور قليلة قائلاً «إن شعبنا في المدينة يواجه حملة تطهير عرقي عبر مجموعة من القرارات الإسرائيلية كفرض الضرائب الباهظة ومنع البناء وإغلاق المؤسسات الفلسطينية مضافاً إلى ذلك عزل المدينة عن محيطها في الضفة الغربية نتيجة بناء جدار الفصل العنصري»، فقد كانت تلك إشارة بالغة الأهمية على ما يجري وما يقترفه الاحتلال في المدينة المقدسة...!
يضاف إلى ذلك- في سياسة سحب الهويات على سبيل المثال أوضح تقرير فلسطيني «أن ممارسات الاحتلال تضاعفت لدرجة خطيرة ولعدة مرات حيث إنه في عام 2006 سحبت الهوية من 1363 مواطناً الأمر الذي يعني ارتفاع نسبة سحب الهويات من المقدسيين إلى نسبة 500 % منذ عام 1985» .
كما تقوم تلك الدولة بتزوير وثائق ملكية المنازل والعقارات وتمنع الفلسطينيين من البناء وترميم منازلهم، وفي هذا السياق أكد حاتم عبدالقادر مستشار رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض لشؤون القدس «أن الجيش الإسرائيلي يسيطر على منازل الفلسطينيين في القدس بقوة الاحتلال والاغتصاب»، مضيفاً في اتصال مع إذاعة صوت فلسطين «إن الاستيلاء على منازل المقدسيين جزء من الحرب الإسرائيلية على المدينة وجزء من التهويد الذي لم يسبق له مثيل» .
ناهيك عن «أن السلطات الإسرائيلية تنوي إسقاط الهوية المقدسية عن نحو 40% من المقدسيين خارج الجدار الفاصل، عبر استعدادها للبدء في فرض بطاقات على جزء من المقدسيين الموجودين داخل الجدار». فالواضح إذن أن لا شيء حتى الآن يردع الاحتلال عن «التطهير العرقي» وعن اجتياحاته التدميرية والمجازرية والاستيطانية التهويدية على حد سواء..!
فلا الشريك الفلسطيني في المفاوضات قادر على تعطيل اجتياحات بلدوزر الاحتلال، ولا «خيار السلام» العربي و«النوايا العربية الطيبة» للتطبيع الشامل، ولا حتى الأمم والشرعية الدولية تحظى بأي تاثير أخلاقي على دولة الاحتلال بهذا الصدد...!.
والملفت للانتباه في هذا السياق ذلك الهجوم الاستراتيجي التهويدي على المدينة المقدسة الرامي إلى اختطاف المدينة وإنهاء ملفها كي لا يبقى للفلسطينيين والعرب أو للعالم فرصة للمطالبة بالتفاوض عليها وكي لا يبقى بالأصل شيء يتفاوض عليه، وكل ذلك يتم في سباق مع الزمن وفي ظل غبار المعارك الفلسطينية الأخرى منها الداخلية الصراعية ومنها على امتداد مدن وقرى ومخيمات الضفة، ومنها تلك المعارك المحتدمة هناك على معابر وحدود غزة...!
والأخطر أن كل ذلك يتم في ظل سبات عربي وإسلامي غريب عجيب لا يصدق...!
الكشف عن مخطط نسف المسجد الأقصى
كتب الصحفي الاسرائيلي"افينوعام باريوسف" مقالا بعنوان" ماذا يريدون من القدس ؟" جاء فيه : "واذا سألتموني كمقدسي ؟ أقول لكم أنه لا توجد مدينة تضاهي القدس في العالم بأسره"، ، وطبعاً كان "افينوعام"يوجه كلامه للعرب وهو يتساءل : "ماذا يريدون من القدس؟" من منطلق قناعاته بأن هذه هي مدينته التي ولد وترعرع فيها ورضع من مجتمعه ومواطنيه ومدرسيه لبان العنصرية والاغتصاب والايمان بأن كل شيء قد انتهى وأن القدس أصبحت يهودية اسرائيلية وليس للعرب مجرد الحق في أن"يحلموا بالعودة إليها"، ،
وماذا يقول الصحفي الاسرائيلي"افينوعام"أيضاً ... إنه يقول : إن الذين يرتدون اليوم بزات الجيش الاسرائيلي للدفاع عن القدس هم مواليد حزيران 1967 الذين رأوا الضوء بعد أن أزيلت الأسوار الفاصلة بين أطرافها ،، إنهم الذين وجدوا في توحيد القدس الهواء الذين أخذ يتنفسه سكانها ،، ويقول : عام 1967 كان في القدس 277 ألف إنسان منهم 77الف يهودي 200و ألف عربي بينما اليوم وبعد أقل من عشرين عاماً أصبح سكانها 432 ألفا منهم 311 ألف اسرائيلي أي بعد أن كان يتساوى فيها عدد السكان العرب واليهود أصبحت نسبة اليهود 72 بالمئة أما العرب فان نسبتهم لا تزيد على 28 بالمئة فقط ،، ثم يورد الصحفي الاسرائيلي الذي يفاخر أنه هو ابن القدس فيورد المتغيرات التالية:
1. بعد أن كانت تل أبيب هي عاصمة الحياة الاسرائيلية أصبحت اليوم القدس هي قلب الحياة التجارية والصناعية والاجتماعية والروحية ليس للإسرائيليين فحسب بل وليهود العالم أجمع ،،
2. عندما بدأ إنشاء حي"رامات اشكول"في القدس عام 1968 كانت الحكومة تعرض الشقق على الاسرائيليين بشروط مغربة وبأقساط طويلة وقد وجدت صعوبة في إيجاد من يسكن هذه الشقق أما اليوم فان الشقة ارتفع ثمنها الى عشرة أضعاف ما كانت عليه وبعد أن كان حول القدس المحررة حي واحد هو حي "رمات اشكول" أصبح يحيط بها اليوم مجموعة من الأحياء التي إقيمت على أحدث طراز حافظت على طابع المدينة الخاص واجتذبت اليها السكان من كل مكان وأبرز هذه الأحياء : هاجفعا سجات زئيف هتسرفاتيت والتلة الفرنسية وقد بني فيها وحولها حتى الآن62,500 شقة سكنية،
المخططون لتهويد القدس
يخطئ من يظن أن الذي يعمل على تهويد مدينة القدس هو رئيس البلدية الاسرائيلي تيدي كوليك أو رئيس الوزراء أو أعضاء مجلسه المجتمعين ... لأن الحركة الصهونية وهي الاداة المركزية قد اعطت لعدة فرقاء صلاحيات متنوعة ومختلفة حتى يقوم كل ضمن اختصاصه في تنفيذ المخطط الصهيوني.
وقد كشفت حركة العمال"الهستدروت"أن أحد أجهزتها يطلق عليه اسم "شعبة الاستيطان"قد أعد مشروعاً لمضاعفة عدد السكان اليهود في القدس خلال الخمسة والعشرين عاماً القادمة وقد عرض هذا المشروع رسمياً على حبس القدس الكبرى وأن هذا المشروع وجد تأييداً وحماساً وجرى تأليف طاقم من المخططين برئاسة المهندس يوسي نعيم لدراسته وتقديم التواصي للعمل على تنفيذه بأسرع وقت ممكن.
ومشروع"الهستدورت"من حيث امتداد حدود القدس الى المدن العربية المجاورة قد لا يختلف عن غيره من المشاريع الصهيونية الأخرى التي استهدفت مصادرة الأراضي العربية المجاورة ... فهذا المشروع الجديد يقترح امتداد حدود القدس شمالا الى بيت إيل أي شمال رام الله وجنوباً الى كفر عتسيون جنوبي بيت لحم ومن باب الواد حتى "أدوميم"شرقاً أي بالقرب من أريحا ،،
ولكن الجديد في مشروع "الهستدروت"هو قناعة واضعي المشروع استحالة استمرار التعايش العربي الاسرائيلي لهذا فإن أول عمل يطالب المشروع تنفيذه هو الغاء مقبرة"مأمن الله" التي تحتل مساحة واسعة في قلب مدينة القدس واقامة أحياء تجارية وسكنية عليها لإزالة كل أثر من الآثار العربية والاسلامية في تلك المنطقة ،،
كما يوصي المشروع بمنح طائفة المورمون ترخيصاً لإقامة جامعة على الأراضي العربية المصادرة في منطقة جبل الزيتون لأن هذه الطائفة التبشيرية ستساعد على إزالة التراث والوجود العربي،
التنظيم الإرهابي وتدمير الأقصى
ويؤكد مشروع الهستدروت أن هذا المشروع هو الذي يضمن بقاء القدس الإسرائيلية إلى الأبد وأنه لا بد من تطبيقه بشتى الاساليب والوسائل ولو كان بين تلك الأساليب والوسائل تشجيع الجماعات الإرهابية لطرد العرب من القدس أو على الأقل للتخفيف من نسبتهم فيها،،
وطبعاً هذا المشروع يعيدنا إلى عصابات التنظيم السري اليهودي التي ثبت بأن أعضاءها ليسوا من الجماعات المتدينه رغم انتمائهم إليها وأن معظمهم من جنود الجيش الإسرائيلي وأن السلاح والقنابل الذي إستعملوه هو من سلاح الجيش الإسرائيلي وقد حصلو عليه بطرق رسمية من مستودعات الجيش.
وقد نشرت صحيفة دافار تقريراً عن أعمال هذا التنظيم لا بد من نشر بعض مقتطفاته للوقوف على مخططات تهويد مدينه القدس بأي أسلوب وبأي وسيلة.
وبعد الاطلاع على ما كان يريد أفراد عصابة التنظيم السري القيام به وبعد اكتشاف ذلك التنظيم اصبح مؤكداً بأن هؤلاء الأشخاص كانوا مصرين على الأقدام على عمل إجرامي لا يمكن تقدير نتائجه لا على الدولة ولا على العالم كله فيما بعد فقد إتضح تماماً أن تلك العصابة كانت تخطط لنسف وتدمير المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة وأنهم على إستعداد لفعل ذلك حتى لو إضطروا لمهاجمته بالطائرات من الجو... هذا الكشف لا يمكن المرور عليه بسهولة أو التعامل معه مثل غيره من المعلومات التي كشفتها أجهزة الأمن أثناء وبعد إلقاء القبض على على أفراد العصابة ويدفع كل من يملك من عقلاً وحكمة المطالبة بالوقوف عند هذا الحد ودراسة الوضع وتحديد حجم المخاطر الهائلة التي تحيط بوضع الدولة في حالة قيام هذه العصابة بمثل هذا الهجوم وهذه المتفجرات وغيرها من الاعتداءات التي إرتكبت ضد المواطنين العرب.
وقبل حوالي شهرين وحين تم إلقاء القبض على عصابة المتطرفين المتدينين من لفتا بعد أن ألقي القبض عليهم أثناء محاولة إدخال الأسلحة والمتفجرات إلى ساحة الحرم القدسي الشريف خصوصاً أنهم قاموا بوضع المتفجرات والقنابل المفخخة داخل مساجد وكنائس في منطقة القدس والغريب أن الدولة بأجهزتها أصرت على وصف تلك المجموعة بأنهم متدينون ومتعصبون فقط أي وكأنهم يقولون أن الأسباب الدامغة لمثل تلك الاعتداءات لم تكن نابعة من موقف سياسي قومي ضد العرب لأنهم عرب بل لأنهم أي أفراد الجماعة - متدينون متعصبون لا يعترفون بأن لغيرهم حرية اختيار العبادة وضافت المصادر الحكومية بأن تلك الجماعة كانت معقدة نفسيا واجتماعيا ولا رابطة صحيحة تربط بينهما وبين المجتمع بمؤسساته المختلفة ولا تربطها كذلك قيم أيديولوجية محددة ولكن الآن بعد الوقوف على طبيعة تركيب" عصابة التنظيم السري"فإن تقييم طبيعة الروابط والعلاقات النفسية والاجتماعية بينهم وبين المجتمع فانها تختلف لأنهم يوصفون بالاتزان والهدوء والجدية ولهم علاقات اجتماعية قوية جداً وخصوصا مع الجهاز الأمني الذي كان سيساعدهم على إخراج أفكارهم إلى حيز التنفيذ،، واذا أضفنا الى قضية اكتشاف هذه العصابة ومخططاتها سلسلة الأعمال التي قام بها آخرون - بغض النظر عن انتمائهم - ضد المساجد وأماكن العبادة الاسلامية وخصوصاً المسجد الأقصى وقبة الصخرة ابتداء من "الان غودمان"الذي هاجم وقتل شخصاً في باحة الصخرة المشرفة وبعده "يؤئيل لرنر" وغيرهما من الذين ألقى القبض عليهم وحوكموا على تلك الاعمال لكن الآن يتضح بأنه كانت هناك محاولة أخطر وأعنف لتحقيق ذلك الهدف الذي أصبح هدفاً لابد من تحقيقه عند أفراد العصابة الأخيرة وأن إمكانية نجاح أحد هؤلاء الناس في إحدى المرات وتفجير ذلك المكان المقدس هي الضوء الأحمر الذي يدفعنا الى هذا الحديث الآن.
والمعروف أن المسجد الأقصى هو المكان الأكثر قداسة عند مئات الملايين من المسلمين وهو المكان الثالث بعد مكة والمدينة وأن ملايين المسلمين ليسوا في الدول العربية فقط بل هم موزعون في أرجاء العالم في آسيا وافريقيا وشرق اوروبا وونحن نعرف بأن مئات الألوف من اليهود يعيشون في الدول الإسلامية ففي المغرب وتركيا وغيرها من الدول أخذت موجة من العداء لليهود تظهر مما يدفع بها ربما إلى أعمال سيكون لها نتائج خطيرة سواء على الصعيد السياسي أو على جميع الأصعدة الأخرى وهذا يزيد من خطر وقوع صدامات عنيفة بيننا وبين دول العالم بسبب مثل هؤلاء الذين يسيرون في فلك المخططين المتطرفين.
لذلك فاننا نطالب جميع أجهزة الأمن بأن توجه جهوداً وعناية فائقة من أجل الحفاظ على هذه الأماكن المقدسة وأن تحاول بقدر ما تستطيع أن توضح للجماعات المتطرفة أنه وحتى إنبعاث مسيح جديد ليأتي ويتولى السلطة ويطهر الناس أنهم - اي هذه الجماعات - تشكل أكبر وألعن المخاطر التي تحيط بالدولة وبالناس.
إن أجهزة الأمن التي لايمكنها أن توقف عملية الاحتلال الإسرائيلي الغربية وقطاع غزة ، تستطيع بل ويجب عليها أن تستطيع ان تقنع مثل هؤلاء الناس بأنهم يشكلون مخاطر على وجود قيام الدولة وذلك بسبب الجنون والشذوذ الذي تغلغل وتجذر في أفكارهم وتربى معهم عبر السنين ... حافظوا على الاماكن المقدسة من وجه المتطرفين قبل أن يفوت الأوان،،، وهذا التقرير الذي نشرته الصحيفة الإسرائيلية دافار ووقعته باسم هيئة تحرير دافار كان يعبر عن وجهة نظر فريق من الذين يخشون على مصير إسرائيل من إرتكاب جريمة كبرى في حجم جريمة هدم المسجد الأقصى وضربه بالجو بواسطة مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي الذي كانت تشير التحقيقات على أن خطة لذلك قد أعدت وكانت على وشك التنفيذ،
أما قضية تهويد القدس بهدوء وبدون ضجة وبدون إثارة الرأي العام العالمي وبدون هدم أحد أقدس مقدسات المسلمين بواسطة سلاح الجو فإن ذلك لم يكن عليه أي اعتراض،
والحقيقة التي لابد من الإعتراف بها وإقرارها هي أنه تواجه مدينه القدس المحتلة خصوصاً البلده القديمة منها هجمة استيطانية يهودية شرسة تستهدف في المقام الأول النيل من عروبة هذه المدينة المقدسة ومحاولة طمس وتشويه وجهها واصالتها العربية تحت ادعاءات واهية وافتراءات لا حجة لها.
فمدينة القدس بأزقتها وحاراتها كانت دائماً وأبداً هدفاً للكثير من القوى عبر مختلف العصور وقد تعاقبت على حكمها واحتلالها أقوام عديدة ظلوا فيها ردحاً من الزمن لم يستطيعوا أن يغيروا فيها شيئاً ولم يتمكنوا من طمس هويتها العربية الضاربة جذورها في سويداء الحضارة الإنسانية وهكذا الحال الآن مع الذين ما فتئوا يصعدون حملاتهم ضد هذه المدينة المقدسة وأهلها المرابطين الصامدين.
الزحف الاستيطاني
وما يجري الآن في البلدة القديمة من القدس خصوصاً ما تعلق بالزحف الاستيطاني وانتزاع البيوت من ملاكها هو في حقيقته بداية لمخطط صهيوني رهيب لم تعد أهدافه خافية على أحد فالمتطرفون اليهود في البلدة القديمة وبدعم كامل من سلطات الاحتلال يمارسون كافة الضغوطات ووسائل الترغيب والترهيب ضد أهلها.
أين المفاوضون الفلسطينيون؟
وماذا يمكن أن يقول المفاوضون الفلسطينيون الذين بسكوتهم على تهويد القدس التي كانت قبل أوسلو لا يجرؤ يهودي دخول ما بين أسوارها وبعد المفاوضات التي تتغنى بها الصحيفة الإسرائيلية دافار التي تعترف بأنه تم تهويد القدس القديمة بدون ضجة وبدرت جريمة هدم المسجد الأقصى بسبب التهويد الذي تم بسلام،،
الاحتلال يريد تطويق المسجد الأقصى والمقدسيون متمسكون بأرضهم ومقدساتهم
إلى متى يُترك المقدسيون يواجهون الاحتلال الإسرائيلي لوحدهم؟!
ما يزال أهالي حي البستان الملاصق للمسجد الأقصى على صمودهم في مواجهة قرار سلطات الاحتلال هدم 88 عقاراً يقطنها قرابة 1500 مقدسياً. الفعاليات في الحي الواقع في ضاحية سلوان جنوب الأقصى تتواصل، وخدعة الاحتلال تعويض الأهالي بيوتاً أخرى بعيدة عن البلدة القديمة للقدس لن تجدي نفعاً، فأهل البستان ورثوا أرضهم عن آبائهم وأجدادهم من قبل أن يعرف المحتل اليهودي أرض فلسطين. وتعزيزاً لذلك فقد أصدر الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا فتوى شرعية تُحرّم "أخذ التعويض المالي أو العيني مقابل البيوت التي تهدد بلدية الاحتلال في القدس بإخلائها من سكانها وأصحابها الشرعيين في حي البستان بمنطقة سلوان المحاذية للجهة الجنوبية من المسجد الأقصى المبارك وفي حي الطور المطل على المسجد الأقصى من الجهة الشرقية بحجة عدم وجود تراخيص بناء وإقامة حدائق عامة مكانها". وإذا كان صمود أهالي حي البستان واضحاً، لكن ثمة من يسأل إلى متى يبقى هؤلاء "يحاربون" وحدهم من أجل كرامة العرب والمسلمين دون عون، أو تحرك عربي وإسلامي فاعل؟!.
قصة الإخلاءات في حي البستان
ربما تبدو إخطارات إخلاء 88 عقاراً في حي البستان الملاصق للمسجد الأقصى معزولةً أو مفاجئة، إلاّ أنّها في واقع الأمر ليست إلا جزءاً من مشروعٍ تهويدي أكبر، يهدف إلى خلق وقائع نهائية على الأرض، لحسم موضوع القدس في أي تفاوض لاحق.
في 21/2/2009 سلّمت بلديّة الاحتلال في القدس 134 عائلةً مقدسيّة، يقطنون في 88 عقاراً في حيّ البستان إخطارات لإخلاء بيوتهم تمهيداً لهدمها وإقامة حديقةٍ عامّة تُسمّى حديقة الملك داوود مكانها. وكان قد صدر قرار مماثل في 11/11/2004 لكن حكومة الاحتلال عادت وجمّدت القرار في أواخر عام 2005 نتيجة تعرّضها لضغوطٍ دوليّة.
والواقع أن منطقة سلوان القريبة من الأقصى باتت بأكملها منخورة بالأنفاق تحت الأرض، ومهددة بالانهيارات والإخلاءات فوق الأرض، وقد حدث انهيار بالفعل في إحدى مدارس هذه المنطقة مطلع شهر شباط 2009. وما يجري على الأرض راهناً هو عملية منهجية لتطويق المسجد الأقصى بسلسلة من الحدائق التلمودية، والأنفاق المتشعبة الهادفة إلى إحاطة المسجد الأقصى بحاجز استيطاني، مادي وبشري، كأمر واقع، وصولاً إلى استبدال إدارة الأوقاف الإسلامية صاحبة الصلاحية في إدارة شؤون الأقصى، بإدارة يشارك فيها اليهود، وبما يمكّنهم من دخول الأقصى وإقامة شعائرهم فيه، أو اقتسامه مع المسلمين.
وتنشط في سلوان تحديداً جمعيات استيطانية عديدة أهمها؛ "إلعاد" و "عطيرات كوهنيم"، وهي تعمل على تهويد المنطقة، المسماة لديهم "مدينة داوود"، جنوب المسجد الأقصى، إضافة إلى افتتاحها مزارات وأنفاق تلمودية فيها، في إطار خطة أشمل لتهويد ما يسمى "الحوض المقدّس"، الذي يشمل البلدة القديمة بكاملها وأجزاء واسعة من الأحياء والضواحي المحيطة بها؛ حيّ الشيخ جراح ووداي الجوز في الشمال، ضاحية الطور في الشرق، وضاحية سلوان في الجنوب. ولهذا المشروع أهدافٌ متعدّدة على مختلف الصعد الثقافيّة والسياسيّة والديمغرافيّة والدينيّة، أهمها؛ محو الهويّة العربية والإسلاميّة لمدينة القدس واستبدالها بهويّة يهوديّة من الناحيتين التاريخيّة والدينيّة. وترحيل عدد كبير من المقدسيّين إلى مناطق أبعد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة أو حتى ترحيلهم خارج مدينة القدس. وعزل المسجد الأقصى عن الأحياء العربية الفلسطينية في مدينة القدس. وتحقيق تواصل جغرافيّ بين البؤر الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها وبين المستوطنات الموجودة على أطراف مدينة القدس، كمستوطنة التلّة الفرنسيّة في الشمال، وكتلة E1 الاستيطانيّة في الشرق، ومستوطنة تل بيوت الشرقيّة في الجنوب.
الهدم الهدم
الأوامر الإدارية بهدم البيوت المقدسية لم تقتصر على حي البستان في سلوان، جنوب البلدة القديمة، بل طالت أيضاً حي العباسية بسلوان أيضاً، حيث صدرت أوامر بهدم 32 منزلاً، هو مجموع منازل الحي الذي شُيّد قبل نحو خمسة عشر عاماً، ويقطن فيه نحو 400 فلسطيني. أوامر الهدم طالت أيضاً حي "راس خميس"، شمال غرب القدس، حيث صدرت أوامر بهدم 55 بيتاً، والحجة دائماً البناء دون ترخيص، علماً أنه من الصعوية بمكان أن يحصل الفلسطيني على رخصة بناء من بلدية الاحتلال في القدس، فضلاً عن تكاليفها الباهظة، الأمر الذي يجعل العائلات الفلسطينية تتكدس فوق بعضها في غرف ضيقة لا تتسع أصلاً للأعداد الكبيرة المقيمة فيها.
بدورها تشهد منطقة حي جبل الزيتون- الطور، المُطل على البلدة القديمة للقدس المحتلة، تجمعاً أهلياً حول خيمة اعتصام أقيمت على أنقاض آخر منزل تم هدمه في المنطقة، وذلك احتجاجاً على قرارات هدمٍ لنحو ثلاثة عشر مبناً سكنياً، بواقع تسعة عشر شقة سكنية، سلّمت سلطات الاحتلال أصحابها قرارات بالهدم بحجة عدم الترخيص، فضلاً عن وضع سلطات الاحتلال يدها على 16 دونماً من أراضي المواطنين في المنطقة نفسها.
وفي منطقة حي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة للقدس سلّمت سلطات الاحتلال أوامر إخلاء لصالح جمعية اليهود الشرقيين التي تنشط في الاستيلاء على عقارات المقدسيين في الحي المذكور، والتي كانت استولت قبل نحو ثلاثة أشهر على عقار السيدة فوزية الكرد (أم كامل).
... والقدس العتيقة أيضاً
التهويد لا يقتصر على المناطق المحيطة بالبلدة القديمة للقدس، بل يطال البلدة القديمة نفسها، وآخر حلقات مسلسله المستمر منذ العام 1967، ما كشفت عنه مصادر إعلامية عبرية، من مخططات تسعى سلطات الاحتلال لتنفيذها في المرحلة القادمة، وتتعلق بتغيير وجه البلدة القديمة من القدس المحتلة من خلال ما تسميه سلطات الاحتلال إعادة إعمار الأبواب القديمة والأسوار وبعض الأحياء والمواقع التاريخية. وتتضمن الخطوة الأولى في المخطط الجديد إعمار أبواب البلدة القديمة والسور، وقد بدأ العمل بذلك في باب الخليل، غرب البلدة القديمة للقدس. كما أنه وبحجة الحفاظ على البلدة القديمة للقدس صدرت أوامر بهدم بيوت داخل البلدة القديمة، وقد نـُفذ بعضها بالفعل.
وغير بعيد عن ذلك ما كشفته "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث"، ومقرها مدينة أم الفحم، قبل أيام، عن عزم سلطات الاحتلال وأذرعها التنفيذية حفر نفقين أرضيين جديدين، أحدهما بطول 56 متراً والآخر وبطول 22 متراً، بهدف ربط حي الشرف في البلدة القديمة، (هدمته سلطات الاحتلال وهجرت سكانه وأطلقت عليه اسم الحي اليهودي عام 1967). كما كشفت المؤسسة، عن نية سلطات الاحتلال تركيب مصعد كهربائي في النفق العامودي وممر كهربائي في النفق الأفقي، في خطة هدفها تسهيل وصول المستوطنين والسياح الأجانب من حي الشرف إلى حائط البراق والمسجد الأقصى، في مسعىً متواصل لتكثيف السيطرة التهويدية على حائط البراق والمسجد الأقصى المبارك.
ردود أقل من حجم الحدث
لقد تمكنت حكومة الاحتلال- حتى الآن- من إنهاء عدد كبير من المزارت الأثريّة تحت المسجد الأقصى وضاحية سلوان جنوب الأقصى. وأنهت القسم الأكبر مما يسمى مدينة داوود الأثريّة الموجودة اليوم فوق الأرض في حيّ وادي الحلوة في ضاحية سلوان. وأقامت بؤراً استيطانيّة في الأحياء العربية الفلسطينيّة المحيطة بالمسجد الأقصى، خصوصاً في الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة، وفي ضاحية سلوان، وحيّ الشيخ جرّاح. كما عزلت الأحياء الفلسطينيّة المحيطة بالبلدة القديمة والمسجد الأقصى عن بقيّة القدس من خلال الجدار العازل، وعبر نشر الحواجز المذلة للفلسطينيين والتي تمنع سكّان الأحياء المذكورة من استخدام عددٍ كبير من الطرق والشوارع الرئيسة "لدواعٍ أمنيّة".
إزاء كل هذا الجهد الممنهج والخطير، ما يزال "الاستنفار" الفلسطيني والعربي والإسلامي دون خطورة ما يحصل، فلا التحرك الشعبي واضح، ولا الأداء السياسي أو الفصائلي مواكب هذه المخططات بفعالية، والعرب، بمن فيهم الفلسطينيون، مشغولون بصراعات داخلية، فيما القدس تضيع يوماً بعد يوم!.
النداء الأخير قبل انهيار المسجد الأقصى!
[في ربيع عام 2001 شهد العالم غضبة قانونية دولية غير مسبوقة، حين أعلنت حكومة طالبان عن نيتها تدمير تماثيل بوذا الموجودة على أراضيها، كون ذلك العمل مخالفاً لقواعد القانون الدولي. وتبعاً لذلك ناشدت الدول الغربية جميعاً وعدد من دول الشرق الأقصى، حكومة طالبان في أفغانستان العدول عن قرارها، وأوفدت بعض الدول المسلمة مندوبين إلى أفغانستان - شملت كبار العلماء - في محاولة لثني حكومة طالبان عن قرارها المثير للجدل. في الوقت ذاته اهتز مجلس الأمن وارتج، وأصدر بياناً شجب فيه تدمير التماثيل، كونه عملاً يتنافى مع قواعد القانون الدولي، بما في ذلك اتفاق لاهاي لعام 1954، القاضي بالحفاظ على الممتلكات الثقافية والآثار.
اليوم، وفي غمرة انشغال العالم بالمشكلة العراقية، وانشغال الفلسطينيين بالهجمات الوحشية الإسرائيلية المتواصلة على غزة، وفي خضم الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني المحتدم، تستغل إسرائيل ذلك كله بمواصلتها عمل الحفريات التي تحيط بالمسجد الأقصى من كل جانب بقصد إسقاطه، الأمر الذي يعد مخالفة لقواعد القانون الدولي، من دون أن يُرى أثر ذلك على سلوك الدول الغربية، فضلاً عن أن يهتز أو يرتج له مجلس الأمن، على رغم الأخطار الحقيقية المحدقة بالمسجد الأقصى.
فالتحذير الذي أطلقه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية داخل أراضي عام 1948 قبل ثلاثة أيام، من أن الحفريات التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وصلت إلى «منطقة الكأس في عمق المسجد الأقصى المبارك تحت الأرض، الواقعة بين قبة الصخرة المشرفة والمسجد القبلي داخل المسجد الأقصى»، تدق ناقوس خطر يشير إلى أن المسجد الأقصى مقبل على انهيار قد يقع أقرب مما يتوقع، بسبب قرب وعمق حفريات سلطات الاحتلال المتعمدة، وبسبب نوعية الحوامض الكيماوية المستخدمة، التي تتغلغل تحت عمق المسجد الأقصى، بحيث تشكل خطراً على الأركان التي يقوم عليها المسجد.
بيد أن المسجد الأقصى دخل القانون الدولي من أبواب عدة. فالمسجد الأقصى تنطبق عليه أحكام اتفاق لاهاي لعام 1899، و1907، كما تنطبق عليه أحكام اتفاق جنيف الرابع 1949، والبروتوكولات التابعة له، بصفته جزءاً من القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، إضافةً إلى انطباق معاهدة لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة لعام 1954 عليه.
فقد نصت المادة 27 (4) من الملحق الرابع من اتفاق لاهاي 1907، على وجوب أن تتخذ القوات العسكرية في حال حصارها «كل الوسائل لعدم المساس بالمباني المعدة للمعابد وللفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية». كما حظرت المادة 22 من الاتفاق ذاته «ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب».
ونصت المادة 56 من اتفاق لاهاي 1954 على تحريم «حجز أو تخريب المنشآت المخصصة للعبادة... والمباني التاريخية». كما نصت المادة 53 من البروتوكول الإضافي الأول والمادة 16 من البروتوكول الإضافي الثاني، لاتفاقية جنيف الرابعة 1949، على «حظر ارتكاب أي أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعب».
على أن صمت العالم على الجرائم الإسرائيلية ليس له ما يبرره. فالقدس القديمة مسجلة رسمياً ضمن لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو). وشجبت المنظمة، في أكثر من مرة الاعتداءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأماكن التاريخية والمقدسة في القدس، كما سبق أن أدانت الحفريات وأعمال التنقيب التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في محيط المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، ودعت جميع قراراتها - والتي كان آخرها تقرير بعثة اليونسكو التي زارت القدس العام الماضي - دعت جميعها إسرائيل إلى التوقف الفوري عن هذه الحفريات لمخالفتها القوانين الدولية، بما في ذلك الاتفاق الدولي الخاص بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972.
ليس ذلك فحسب، بل إن مجلس الأمن ذاته أصدر قرارات عدة، تؤكد إدانة وإبطال جميع ما قامت به إسرائيل من أعمال التهويد في القدس، بما في ذلك إبطال جميع الإجراءات التشريعية والإدارية والديموغرافية التي اتخذتها حكومة إسرائيل، وتؤكد عدم شرعية الاحتلال، فضلاً عن مطالبتها إسرائيل بالجلاء عن القدس، كونها جزءاً من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
فإضافة إلى قراري مجلس الأمن الشهيرين 242 (1967) و338 (1973) اللذين يضعان الأساس القانوني في تحديد أن إسرائيل قوة محتلة لقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس ويطالبانها بالانسحاب، أصدر مجلس الأمن عدداً من القرارات التي تؤكد وجوب احترام القدس من جانب قوات الاحتلال. منها على سبيل المثال، لا الحصر:
252 (1968) و267 (1969) و271 (1969) و453 (1979) و465 (1980) و476 (1980) و478 (1980) و1073 (1996)، وكلها تؤكد أن مدينة القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967، وينطبق عليها ما ينطبق على بقية الأراضي الفلسطينية من عدم جواز القيام بأي إجراء يكون من شأنه تغيير الوضع الجغرافي أو الديموغرافي أو القانوني لمدينة القدس المحتلة.
إضافة إلى ذلك، بموجب معاهدة السلام الأردنية - المعروفة بـ «معاهدة وادي عربة» - ظل المسجد الأقصى تحت رعاية الحكومة الأردنية بصفتها الوصية على شرق القدس وخدمة المسجد الأقصى والأوقاف الإسلامية فيها. وتبعاً لذلك، فإنه ليس من حق السلطات الإسرائيلية تغيير أو تبديل أو ترميم أي جزء من المسجد الأقصى، الذي قامت السلطات الإسرائيلية بتحويل جزء منه إلى كنيس، وما زالت تواصل الحفريات بهدف إسقاط بنائه بالكامل، الأمر الذي يعد «جريمة حرب»، بموجب قواعد القانون الدولي. فقد نصت المادة 6 فقرة ب، من ميثاق محكمة نورمبرغ على أن «الاعتداءات على الآثار والمباني التاريخية من دون سبب تعد جريمة حرب». كما أن معاهدة لاهاي 1954، تلزم أي دولة احتلال بالحفاظ على الممتلكات الثقافية والدينية، وتعد الاعتداء عليها «جريمة حرب» أيضاً.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: إذا كانت كل هذه النصوص القانونية الدولية تعضد الموقف العربي والإسلامي ضد الانتهاكات السافرة والصارخة للاحتلال الإسرائيلي، فلماذا لا يرى للأمة العربية أو الإسلامية أي حراك قانوني دولي، سواء عبر المنظمات الدولية أو القضائية أو حتى السياسية؟!
فبإمكان هذه الدول العربية والإسلامية أن تطالب مجلس الأمن استناداً إلى قراراته السابقة بمنع إسرائيل من مواصلة اعتداءاتها المتواصلة على المقدسات الإسلامية، كما لهذه الدول أن تحرك الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ هي تملك الغالبية فيها، ولها عبر الدول التي نقضت إسرائيل معاهداتها الدولية معها أن ترفع قضية في محكمة العدل الدولية، كون الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات تمثل خرقاً لـ «معاهدة وادي عربة»، وكون الاعتدءات الإسرائيلية تمثل انتهاكات صارخة للقانون الدولي من شأنه تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر.
إذ الواضح اليوم أنه ما لم تقم الدول العربية والإسلامية بواجبها في الدفاع عن مقدساتها، فقد يأتي الوقت الذي تكون فيه المطالبة متأخرة جداً! وللحق، فإن على منظمة المؤتمر الإسلامي عبئاً ثقيلاً يجب ألا تتخلى عنه. فمنظمة المؤتمر الإسلامي التي قامت في الأصل لحماية المسجد الأقصى من العبث اليهودي بعد محاولة حرقه في عام 1969، والتي تضم أكثر من 50 دولة في عضويتها، تستطيع بما أوتيت من قوة، أن تجيش المنظمات الدولية بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، وتحرك العالم الغربي لحماية أعز ما تبقى من مقدساتها الإسلامية في القدس، قبل فقده.
وبسبب مكانته الدينية العريقة، ربما استطاعت المنظمة إقناع العالم بأسره، أن المسجد الأقصى يستحق وقفة مؤازرة، وإن لم يَحْتَوِ على تماثيل بوذا!

* صحيفة الحياة اللندنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق