الاثنين، 29 يونيو 2009






الخميس، 25 يونيو 2009


الصومال أرض وتاريخ .. آمال وتحديات
مقدمة
: عادت الصومال إلى الأضواء مرة أخرى في الفترة الأخيرة .. فلا يكاد يمر يوم دونما خبر عن الصومال .. فضلا عن صفحات الجرائد التي يندر أن تخلُ من كلمة "الصومال" .. والتي ارتبطت هذه الأيام بالمحاكم الشرعية ..

المحاكم الشرعية قاتلت ـ ولا تزال ـ أمراء الحرب من جهة وأثيوبيا من جهة أخرى وكلاهما يلقون دعما أو تحريضا من الولايات المتحدة التي تخشى من التدخل المباشر نتيجة تجربتها المريرة هناك، ولكنها تطالب بالقضاء على الإرهابيين الذين تحميهم المحاكم وميليشياتها من خلال هؤلاء وهؤلاء ..

أما المحاكم الشرعية فقد ازداد نفوذها في الفترة الأخيرة بشكل غير مسبوق .. والولايات المتحدة تتخوف من النفوذ الإسلامي، ومن أن تتحول المحاكم الشرعية وميليشياتها إلى طالبان أخرى .. فتكيل الاتهامات للمحاكم الشرعية بإيواء عناصر إرهابية من القاعدة .

ومن هناك أفضل من أمراء الحرب للقضاء على الإسلاميين .. أمراء الحرب الذين قتلوا المارينز في مقديشيو .. فليكون إذا أمراء الحرب تحالفا ضد الإرهاب .. ومن خلفهم أثيوبيا إن فشلوا لتكون اللاعب الاحتياطي لمهاجمة الإرهاب في صورة المحاكم الشرعية .. ومن يدعم الحرب ضد الإرهاب غير واشنطن .. تصطدم المحاكم الشرعية بميليشيات أمراء الحرب .. وتأتي الرياح بما لا يشتهي "الواشنطنيون"..

وينقلب السحر على الساحر وتسيطر المحاكم الشرعية على العاصمة مقديشيو .. يفر الجنرالات .. الولايات المتحدة لا تزال تتوعد وتتوجس خيفة .. الأمم المتحدة تتخوف من تجدد القتال .. وتشتعل الأمور بين الجارتين أثيوبيا والصومال إلى الحد الذي يتوقع معه المراقبون اندلاع الحرب بينهما ..

ويظل الصومال بلد آخر يحترق بلظى الحرب التي تزكيها المصالح من هنا وهناك .. ولا يزال العرب لا يدرون شيئا مما يجري من حولهم أو قل إن شئت ينظرون من طرف خفي في انتظار ما ستسفر عنه هذه الجولة أو تلك .. أو في انتظار الآمر الناهي بالتدخل للعب دور ما .. تتدخل الأمم المتحدة .. والاتحاد الإفريقي والعالم أجمع .. والعرب كالعادة متأخرون بفارق زمني يساوي حياة نصف مليون صومالي حتى الآن ..

ويبقى الوضع في الصومال محاكم شرعية أو إسلامية يقودها رجل قوي يلاحق (تحالف إرساء السلام ومواجهة الإرهاب)، فيما يظل الصراع ماثلا في أرض الصومال وتاريخها حتى الآن "بداية" .. ولا يدري أحد كيف ستكون نهايتها .

وفي هذا الملف نتناول الملف الصومالي بسرد الحدث وإيضاح التطورات مع الرد على العديد من الالتباسات والإشكالات .
معلومات أساسية
الصومال الأرض والتاريخ
الدور الأمريكي في الصومال
المحاكم الإسلامية .. النشأة والمسار
الصومال بين فكي أمريكا ودول الجوار
التيار الجهادي الصومالي هل يكون صاحب اليد الطولى ؟
صومال الأمل والتحدي
الصومال يوسع خرق الشرق الأوسط الأمريكي الجديد
معلومات أساسية
الموقع الجغرافي والسكان
الصومال دولة عربية إسلامية تقع في الشرق الإفريقي في المنطقة المعروفة بـ"إفريقيا الشرقية"، يحدها من الشرق خليج عدن والمحيط الهندي، ومن الغرب إثيوبيا ومن الغرب الشمالي جيبوتي، ومن الغرب الجنوبي كينيا.
وقد أغرى هذا الموقع المتميز الغرب الأوروبي فقد احتل البريطانيون جزءا من أراضيها وأنشأوا في الجزء الشمالي منها محمية عرفت باسم الصومال البريطاني. كما احتلها الإيطاليون وأنشأوا على ساحلها الشرقي محمية عرفت باسم الصومال الإيطالي. وفي عام 1941م احتل البريطانيون الصومال الإيطالي إلا أن الإيطاليين استعادوا سيطرتهم مرة أخرى على محميتهم عام 1950م.

مساحتها 637.000 كيلو متر مربع، وتعدادها السكاني يقارب العشرة ملايين نسمة، تبلغ نسبة الأمية بينهم حوالي 63 % .
ولكي يتضح لنا معدل النمو السكاني بالصومال نعرض لبعض الإحصاءات: ففي تعداد فبراير لعام 1975م كان عدد السكان 3.253.024 نسمة، بينما بلغ في تعداد عام 1987م 7.114.431 نسمة. وقُدِّر عدد سكان الصومال سنة 1991م بنحو 7.734.000 نسمة، أما في عام 1996م، فقد تقلص عدد السكان إلى 6.872.000 نسمة، وتقلص أكثر عام 1998م فأصبح 6.842.000 نسمة. وقدِّرت الكثافة السكانية بنحو 107 شخصًا لكل كم². وتصل نسبة سكان الريف إلى 62.8% وسكان المدن إلى 37.2% .
أما عن الديانة، فإن غالب شعب الصومال من المسلمين السنة، مع وجود أقلية تكاد لا تذكر من المسيحيين،
ويتبع غالبية السكان المذهب الشافعي، ومن المعروف تاريخياً أن أول هجرة إسلامية اتجهت إلى الساحل الشرقي لإفريقيا كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حينما خرج جعفر بن أبي طالب وغيره من الصحابة من مكة إلى الحبشة. وكان ذلك قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بنحو ثماني سنوات. وتنتشر في الصومال عدة طرق صوفية منها القادرية والصالحية والإدريسية والدندرية والأحمدية.
ويتحدث الصوماليون اللغة الصومالية وهي من اللغات الكوشية التي تضم بضعاً وثلاثين لغة ولهجة وتنتشر في شرقي إفريقيا. وتقدر نسبة الكلمات العربية في اللغة الصومالية بأكثر من 30%. وكان الصوماليون يكتبون لغتهم بالحروف العربية بصفة عامة حتى سنة 1972م ، حينما أعلن محمد سياد بري رئيس مجلس الثورة في 21 أكتوبر سنة 1972م، كتابة اللغة الصومالية بالحروف اللاتينية بضغط من بعض الجهات الأجنبية المعادية للغة العربية. وفي سنة 1974م انضمت الصومال إلى جامعة الدول العربية، واتخذت من اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد .
الخريطة السياسية للصومال
جمهورية الصومال تُعرف بالقرن الإفريقي، وهو أقصى امتداد لإفريقيا صوب الشرق. وتمتد أراضيها بين خطَّيْ عرض 12° شمالاً 3َ9 1° جنوباً، وبين خطَّيْ طول 41° و51° شرقاً. وتطلُّ على خليج عدن من جهة الشمال بساحل يزيد طوله على 1.000 كم، وعلى المحيط الهندي بساحل يزيد طوله على 2.100 كم. ويزيد طول الحدود البرية للصومال على 2.380 كم منها 61 كم مع جيبوتي في شمال غربي الصومال، 1.645 كم مع أثيوبيا في الغرب والشمال الغربي، و682 كم مع كينيا في الجنوب الغربي، وأقصى امتداد للصومال من الشمال إلى الجنوب 1.529 كم، وأقصى امتداد من الشرق إلى الغرب 1.175 كم .
ويتميز سطح الصومال بأنه هضبي المظهر، بصفة عامة، مع وجود بعض السهول الساحلية وسهول نهري جوبا وشبيلي. ولا توجد منطقة جبلية بمعنى الكلمة إلا في الإقليم الشمالي الذي كان يُعرف فيما مضى بالصومال البريطاني، حيث تمتد المرتفعات بصفة عامة من الشرق إلى الغرب بمحاذاة خليج عدن حتى رأس غردافوي. وأعلى قمم الصومال سورود عد التي يصل ارتفاعها إلى 2.408 م، وتقع بالقرب من مدينة عيرغابو. وعموماً فإن النطاق الجبلي يمتد في الصومال شمالي درجة عرض 10° شمالاً. ويفصل النطاق الجبلي عن الساحل سهل غوبان (أي الأرض المحروقة) بسبب جفافه وارتفاع درجة حرارته معظم فصول السنة. ويتفاوت اتساع سهل غوبان الساحلي بين 3 كم إلى 60 كم. وأهم ما يميز سطح جنوبي الصومال وجود نهرين دائمين هما نهر جوبا وشبيلي، اللذان ينبعان من هضبة أثيوبيا في الغرب. ويصب نهر جوبا في المحيط الهندي بالقرب من كسْمايو، لكن نهر شبيلي لا يصل إلى المحيط بسبب وجود كثبان رملية تحول دون وصوله، ولذا ينتهي في بعض المستنقعات أو في منطقة رملية بالقرب من جِلِب على بعد 300 كم من المحيط جنوب غربي مقديشيو.
الوضع الاقتصادي
الصومال بلد غني بالثروات الطبيعية غير المستغلة مثل الحديد واليورانيوم والقصدير والملح، ومؤخرا تم اكتشاف الغاز الطبيعي والنفط بكميات كبيرة تسمح بتصديره إلى جانب النحاس والموز ..
وتعتمد الصومال اعتماداً كبيراً على الثروة الحيوانية حيث تُغطِّي المراعي الطبيعية نحو 50% من مساحة البلاد. وتصل نسبة الرعاة إلى 60% من مجموع السكان. وللدلالة على أهمية الرعي يكفي أن نشير إلى أن اسم الصومال اشتق من فعل سومال أي اذهب واحِلب.
وتعتبر تربية المواشي حرفة غالبية السكان، ويقول الخبراء أنه إذا تم تطوير هذا القطاع فمن الممكن أن تصبح الصومال من الدول الرئيسة في تصدير اللحوم ومشتقات الألبان .
هذا إلى جانب أن شواطئ الصومال غنية بالثروة السمكية وتُمارس حرفة صيد الأسماك وخصوصًا في السواحل الشمالية. وتقدر نسبة العاملين بصيد الأسماك بنحو 1% من الأيدي العاملة، وأهم الأسماك على السواحل الصومالية التونا، والسردين، والروبيان. وتمثل الأسماك 4% من قيمة الصادرات. وبسبب الجفاف الذي تتعرض له البلاد يتحول بعض الرعاة إلى حرفة صيد الأسماك.

كما أن أغلب أراضي جنوب الصومال أراض زراعية وتُقدر نسبة الأراضي الصالحة للزراعة بنحو 12% من المساحة الكلية (نحو 8 ملايين هكتار). وهناك نوعان من الزراعة: زراعة تعتمد على مياه الأمطار، مثل زراعة الحبوب(الذرة، الذرة الرفيعة، واللوبيا). وكثيراً ما تتعرض الزراعة المطرية لموجات الجفاف كما حدث في النصف الثاني من عام 1983م. والنوع الثاني من الزراعة هو الزراعة التي تعتمد على مياه نهري شبيلي وجوبا (نحو 70.000 هكتار)، وغالباً ما يُسمى هذا النمط من الزراعة بالزراعة التجارية. وأهم حاصلاتها الموز والباباي وقصب السكر والقطن والجريب فروت والفول السوداني. ويأتي الموز في مقدمة صادرات الصومال الزراعية حيث صُدِّر منه سنة 1987م 80 ألف طن.
كذلك توجد بعض الصناعات الخفيفة مثل صناعة السكر في جوهر ومريري التي يصل إنتاجها إلى نحو 50 ألف طن وصناعة تعليب اللحوم في مقديشو وكسْمايو، وصناعة الإسمنت في بربرة (أنشئ المصنع عام 1985م) وتكرير النفط، وصناعة حلج القطن وغزله ونسجه في بلعد، وصناعة الزيوت وتعليب الأسماك في لاس قوري، ودبغ الجلود والصناعات الجلدية والحُصُر.
وبالنسبة للتعدين فقد أثبتت الدراسات وجود اليورانيوم والقصدير والمرو وخام الحديد، ولا يُستغل تجارياً إلا القصدير.
وتُعد الصومال إحدى الدول القليلة في العالم التي تنتج البخور والمُرِّ واللُّبان في الشمال الشرقي.
ولا ننسى وسط هذا سيطرتها على بوغاز باب المندب وطريق التجارة المارة منه فضلا عن ناقلات البترول وكون هذا الموقع المتحكم فيه له نفوذ استراتيجي مميز .
العُمْلة هي الشلن الصومالي، وقد قُدِرت قيمته في ديسمبر 1991م بنحو 270 شلناً صومالياً للدولار الأمريكي. وكان سعر الدولار سنة 1985م 39.5 شلن تقريباً، ثم أصبح سنة 1986م 72 شلنًا. وفي مطلع عام 1999م بلغ 2.620 شلنًا.
الناتج الوطني الإجمالي بلغ هذا الناتج سنة 1989م 1.7 مليار دولار، وبلغ نصيب الفرد من الناتج القومي 221 دولاراً. بينما بلغ 706 مليون دولار عام 1996م، وانخفض نصيب الفرد إلى 110 دولارات.
وبلغت قيمة الصادرات عام 1995م 145.000.000 دولار أمريكي، وأهم الصادرات: الموز، والجلود، والماشية، والبخور، واللُّبان. وبلغت قيمة الواردات في عام 1995م 193.000.000 دولار أمريكي. وأهم الواردات: المواد الغذائية والمشروبات والسجاير والمنسوجات والنفط ومشتقاته (31% تقريباً من قيمة الواردات)، ومواد البناء والأجهزة والآلات ووسائل النقل.
وأهم الدول التي تستورد منها الصومال هي كينيا 28%، وجيبوتي 21%، والمملكة العربية السعودية 6%، والبرازيل 6%. وأهم الدول التي تُصَدِّر إليها الصومال سلعها هي المملكة العربية السعودية التي تستورد نحو 55% من صادرات الصومال، واليمن 19% وإيطاليا 11% ودولة الإمارات العربية المتحدة 9% .
يتسم مناخ الصومال بأنه مداري حار جاف وشبه جاف، والتغُّير في درجات الحرارة بين فصول السنة قليل. ففي الأراضي المنخفضة يتراوح المعدل الحراري ما بين 30° و40°م في شمالي الصومال، وما بين 18° و40°م في جنوبي الصومال. والمعدل السنوي العام للأمطار يصل إلى 28سم. ونادراً ما تزيد كمية الأمطار على50سم، في السنة. ويمكن تمييز أربعة فصول مناخية سنوياً بالصومال، اثنان منهما ممطران هما الربيع وهو فصل المطر المهم، ويستمر من شهر مارس إلى مايو وأحياناً يونيو، وفصل الخريف وهو أقل مطراً من الربيع ويستمر من سبتمبر إلى نوفمبر، وتُقدَّر نسبة أمطاره بنحو 30% من كمية المطر السنوية. وعلى الرغم من أن الصومال تتعرض لهبوب الرياح الموسمية الشمالية الشرقية في فصل الشتاء، والموسمية الجنوبية الغربية في الصيف، إلا أن هذه الرياح تهب بموازة الساحل ولهذا يكون تأثيرها قليلاً وأمطارها قليلة كذلك
الصومال الأرض والتاريخ
الاثنين15 من شوال 1427هـ 6-11-2006م الساعة 3:10 PM بتوقيت مكة المكرمة 12:10 PM بتوقيت جرينتش
الصفحة الرئيسة6/23/2009 4:03:07 PM
الخلفية التاريخية
كان مطلع القرن الثاني عشر الميلادي بداية صبغ هذه البقعة من شرق إفريقيا بالطابع العربي نتيجة قدوم التجار العرب إليها عبر خليج عدن حيث استوطنها العرب منذ ذلك الحين وأصبحت عاصمتها مجاديشو أو مقديشو مركزا تجاريا هاما على الساحل الشرقي لإفريقيا .
وعند ظهور الإسلام اتجهت أول هجرة إسلامية إلى ساحل إفريقيا الشرقي. ومن أشهرها تلك التي حدثت في القرن الثاني الهجري، واستقر المهاجرون على ساحل المحيط الهندي، وأسسوا بعض المستوطنات. ومن أشهر البعثات التي جاءت تدعو إلى الإسلام في الصومال تلك التي وفدت من حضرموت في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، وتألف من أكثر من أربعين داعية نزلوا في بربرة على ساحل خليج عدن. ومن هناك انتشروا في البلاد ليدعوا إلى الإسلام.
الأطماع الأوروبية في الصومال
تُعَدُّ البرتغال أولى الدول الأوروبية التي وصلت إلى ساحل الصومال سنة 1515م بناء على استنجاد الأحباش بهم حينما طلبوا المدد من البرتغاليين بسبب انتصار المسلمين عليهم. وتمكَّن البرتغاليون من تدمير مدينتي بربرة وزيلع، واستولوا على بعض الموانئ.

وحاولت مصر بعد عدة قرون أن يكون لها دور في الإشراف على الملاحة في البحر الأحمر، ومنع السيطرة الأوروبية عليها، والقضاء على تجارة الرقيق، فاستطاعت الحصول على مصوع وسواكن سنة 1865م. ووصل الجيش المصري إلى بربرة وهرر سنة 1875م، وإلى براوة وكسْمايو التي أُطلق عليها بور إسماعيل، إلا أن وصول المصريين إلى هذه الجهات أزعج البريطانيين، فتدخلت الحكومة البريطانية وتم انسحاب المصريين.
بدأت بريطانيا تتطلع إلى ساحل إفريقيا الشرقي منذ أن احتلت عدن سنة 1839م. وعندما خرج المصريون من زيلع وبربرة استولى البريطانيون عليهما سنة 1883م.
أما بالنسبة لإيطاليا فقد اتجهت إلى الصومال، واشترت ميناء عصب سنة 1869م. وبدأت في سلسلة من معاهدات الحماية، نظير مبالغ من المال، مع شيوخ الساحل الصومالي وسلاطينه. وتم تأجير كسمايو سنة 1889م، ومقديشو سنة 1892م. وأعلنت إيطاليا حمايتها على الصومال الجنوبي عام 1896م.
ولم تقف فرنسا موقف المتفرج بالنسبة للصومال، فأسرعت إلى شراء ميناء أوبوك الواقع في جيبوتي سنة 1862م. وعندما نُفَّذ مشروع قناة السويس رأت فرنسا ضرورة وجود ميناء للوقود لها في هذا الطريق البحري، وتمكنت في سنة 21 سبتمبر 1884م من عقد اتفاق مع سلطان تاجورة، أعطى به هذا الأخير بلاده لفرنسا. ولئن كان هناك تنافس استعماري بين فرنسا وبريطانيا كانت ضحيته إفريقيا، إلا أنهما في سنة 1888م قد تلاقتا على أن تكون جيبوتي لفرنسا وزيلع لبريطانيا.
وقاوم الصوماليون قوات الاحتلال من بريطانيين وإيطاليين وأثيوبيين. وقاد الزعيم محمد عبدالله حسن الصومالي المقاومة الوطنية ابتداءً من عام 1899م حين أعلن الجهاد ضد المستعمرين. واستمر يقاتل حتى تُوفِّي سنة 1920م، بعد أن جاهد أكثر من عشرين سنة، وحقق بعض الانتصارات.
وحينما قامت الحرب العالمية الثانية، استطاعت إيطاليا أن تحتل الصومال البريطاني عام 1940م، إلا أن بريطانيا استطاعت أن تُلْحِق هزيمة كبيرة بإيطاليا عام 1941م. وتمكنت من احتلال الصومال الإيطالي. ولكن الإيطاليين استعادوا سيطرتهم مرة أخرى على محميتهم عام 1950م. وفي عام 1948م، استطاعت أثيوبيا أن تُعيد سيطرتها على الأوجادين.
وفي عام 1950م وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء الوصاية على الصومال. وقبل أن تخرج بريطانيا من الصومال وضعت بذور المشكلات المتعلقة بالحدود بين الصومال وأثيوبيا في الغرب، وبين الصومال وكينيا في الجنوب، فبريطانيا هي التي سلَّمت الأُوجادين للحبشة، وهي التي سلَّمت إقليم إنفدي لكينيا.
في 15 أكتوبر 1969، تم اغتيال الرئيس الصومالي شارماركي، بعدها بستة أيام قام القائد الأعلى للجيش محمد سياد بري بانقلاب عسكري تولى من خلاله الحكم، في عام 1977 خاض سياد بري بالصومال حرباً ضد إثيوبيا من أجل استعادة إقليم أوجادين، واستطاعت القوات الصومالية في عامي 1977م و 1978م السيطرة على معظم إقليم أوجادين، إلا أن القوات الصومالية أُجبرت على الانسحاب نتيجة لظروف دولية، ومساندة بعض القوى الكبرى لأثيوبيا، وقد تجاهلت الحكومة الصومالية بقيادة بري التنمية الداخلية خاصة في الإقليم الشمالي، وذلك ما كان له أكبر الأثر في التعجيل بانتفاضة الشمال العسكرية، ثم الانتفاضة العسكرية في الوسط والجنوب.
وفي عام 1988م تم توقيع اتفاقية سلام بين أثيوبيا والصومال، وفي نفس السنة بدأت عناصر الثوار عملها للإطاحة بالحكومة الصومالية واتَّحدت فصائل المعارضة الصومالية ونجحت في الإطاحة بالحكومة الصومالية سنة 1991م. أدى انقسام رفقاء السلام من فصائل المعارضة إلى اندلاع حرب أهلية مأساوية راح ضحيتها كثير من الصوماليين وأشاعت الخراب والدمار في البلاد.
وفي أكتوبر 2000م، اتفقت الفصائل الصومالية، في مدينة عرتة بجيبوتي، على اختيار عبده قاسم صلاة حسن رئيساً للبلاد، كما تم تعيين علي خليف جيلط رئيساً للوزراء.
وفي مساء الأحد 10-10-2004م انتخب رئيس أقليم بونت لاند عبدالله يوسف أحمد رئيسا للصومال في الانتخابات التي أجراها النواب الصوماليون في نيروبي..
العلم الصومالي:
وعلم الصومال الحديث تتوسطه نجمة خماسية، يقول أهل الصومال أنها تعبر عن أقاليم الصومال الخمسة، منها ثلاثة أقاليم لا تخضع للحكم الصومالي بالفعل، فأراضي الصومال التي يرغب الصوماليون في العيش عليها، ويطلق عليها الصومال الكبير تتكون من خمس أقاليم ..
أول هذه الأقاليم، هو إقليم "العفر والعيسى" ويطلق عليه "أرض العفر والعيسى الفرنسية" وهو الآن يشكل دولة "جيبوتي" .
والإقليم الثاني هو الصومال الغربي؛ أو إقليم أوجادين، أو إقليم أوجادينيا؛ ضمه الاحتلال البريطاني إلى إثيوبيا عام 1954 وما زال تحت سيطرتها إلى الآن .
ثالث الأقاليم غير الخاضعة للعلم الصومالي هو إقليم جنوب غربي الصومال، وهو إقليم الحدود الشمالية الكينية؛ ضمته كينيا إلى كامل أراضيها عام 1963 .
رابع أضلاع النجمة يعد أول الأقاليم الصومالية حتى الآن وهو أرض الصومال البريطاني؛ أو صومالي لاند؛ يقع في الشمال الغربي للبلاد وحصل على استقلاله من البريطانيين في 26 يونيو 1960.

بعدها بستة أيام حصل على الاستقلال خامس الأقاليم، إقليم صومالي لاند، وتحديدا أرض الصومال الايطالي؛ صوماليا.. ويقع هذا الإقليم جنوب ووسط الصومال الحالي وصولا إلى شماله الشرقي.
نظام الحكم:
حينما استقل الصومال الإيطالي والصومال البريطاني تم اتحادهما في الأول من يوليو عام 1960م، وكَوَّنا جمهورية الصومال. وتم انتخاب آدم عبدالله عثمان رئيساً للجمهورية الجديدة. وتم تأسيس جمهورية الصومال الديمقراطية المبنية على التعددية الحزبية. وكانت الانتخابات البرلمانية للجمعية الوطنية والتي تألفت من 123 مقعدا تُعْقد كل أربع سنوات. وبلغ عدد الأحزاب المتنافسة 86 حزباً. وظل هذا الأمر سائداً حتى أكتوبر 1969م حينما اختير محمد سياد (زياد) بري رئيساً للمجلس الأعلى لقيادة الثورة بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام السابق. ثم اختير فيما بعد رئيساً للجمهورية، فأوقف العمل بالدستور، وألغى الأحزاب السياسية، وغير اسم الدولة إلى جمهورية الصومال الديمقراطية، وأصبحت كل السلطات الحكومية في يده ويد مجلس الثورة .
وبالنسبة للقضاء، فحتى أكتوبر 1969م كانت المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في البلاد. وكانت تمارس سلطاتها القضائية في الأمور المدنية والإدارية وفرض العقوبات في إطار الحقوق الدستورية، وكانت هناك محاكم للأقاليم والمقاطعات، إلا أن إعلان الصومال دولة اشتراكية صاحبه إصدار عدد من القوانين مثل قانون الحفاظ على أمن الدولة في 10/9/1970م، وقانون أمن المجتمع في 1/11/1970م.
كانت الصومال مقسمة إلى ثماني مناطق حتى 1973م. وكانت هذه المناطق مقسمة إلى 47 إقليماً. وضمت هذه الأقاليم 83 بلدية وبلدية فرعية. وكان من حق البلديات فرض الضرائب وتخطيط المدن والقيام بالخدمات العامة. وفي عام 1973م زاد عدد المناطق إلى 14 منطقة وأصبحت مقديشو محافظةً قائمة بذاتها. وكان مجلس الثورة هو الذي يختار المسؤولين عن إدارة هذه المناطق والأقاليم الفرعية.
هاجمت قوات محمد فارح عيديد قوة باكستانية تابعة لقوات الأمم المتحدة التي تدخلت لحفظ السلام بين الأطراف المتنازعة. ازداد الموقف تعقيدًا بعد أن شنت قوات الأمم المتحدة هجومًا على معقل عيديد في مقديشو. اضطرت قوات الأمم المتحدة إلى الانسحاب عام 1995م.
توفي عيديد في أغسطس 1996م متأثراً بجراحه عقب واحدة من معارك الحرب الأهلية، وخلفه ابنه حسين عيديد. وفي عام 1997م اتفق الفرقاء على عقد اجتماع في القاهرة يهدف إلى إقامة حكومة انتقالية في البلاد. تنصلت بعض الفصائل من اتفاق القاهرة الذي أبرم نهاية عام 1997م.
وفي نفس العام، 1997م، تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات في جنوب البلاد أدت إلى وفاة 1.300 شخص، وأجبرت 200.000 نسمة على هجر منازلهم.
الدور الأمريكي في الصومال
في يناير 1991 أُطيح بالرئيس الصومالي سياد برِّي، تنَّفس الصوماليون الصعداء إلا أن عيديد وعلي مهدي زجَّوا بالشعب الصومالي في أُتون حرب أهلية حصدت من الصوماليين أكثر مما حصده برِّي ثم جاءت المجاعة بعد ذلك لتكمل ما لم تحصده الحرب، مبعوث الأمم المتحدة للأزمة الصومالية الدبلوماسي الجزائري محمد سحنون انتقد الأمم المتحدة على موقفها من المجاعة وتسبُبها في هلاك مئات الصوماليين كل يوم، وأنها لا تقوم بالدور الذي ينبغي أن تقوم به؛ ونتيجة لهذا الانتقاد وللخلافات بينه وبين القيادات العسكرية –الأمريكية منها تحديدا- الموجودة على أرض الصومال فقد تمت إقالته من قبل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك الدكتور بطرس بطرس غالي حيث تم تعيين شخصا آخر بناءا على توصيات أمريكية هو الجنرال الأمريكي جوناثون هاو وقد برر الأمين العام للأمم المتحدة إقالته لسحنون لعدم تعاونه مع القوات الموجودة على أرض الصومال.
وقد كتبت العديد من التقارير في تلك الفترة أشارت جميعها إلى فشل الأمم المتحدة في إدارة أزمة المجاعة مما دفع الرئيس الأميركي بوش الأب قبل أسابيع من خروجه من البيت الأبيض إلى أن يعلن عن تدخل أميركا في الصومال بسبعة وعشرين ألف جندي وقيل ثمانية وعشرين تحت ستار إعادة الأمل في الصومال.
وقد اختلف المحللون حول الهدف الرئيس من التدخل الأمريكي في الصومال فمن قائل بأن الهدف من التدخل في الصومال هو إيجاد تبرير للرأي العام للقيادة الأميركية لكي لا تتدخل في يوغوسلافيا إذ من غير المنطقي التدخل في منطقتين وفي نفس التوقيت تقريبا ..
وقائل يقول إن أميركا تريد أن تشكل قوة لها في القرن الأفريقي تضمن من خلالها تنفيذ مصالحها؛ فوزيرة الخارجية الأمريكية أولبرايت ذهبت في تلك الفترة مرارا إلى القرن الأفريقي في محاولة منها لإيجاد نفوذ أميركي في المنطقة لأن كلا من فرنسا وإيطاليا كانتا تتمتعان بنفوذ كبير في تلك المنطقة من قبل، وكان الوجود الأميركي في القرن الأفريقي مهما جدا للسياسة الأميركية.
وقد أوصى الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور غالي بتوصيات لمجلس الأمن كانت وراء استصدار قرار 814 في 26 من مارس للتغطية على الوجود الأميركي في الصومال .. حيث نَصّ القرار على أنه يجوز لقوة الأمم المتحدة بدلا من مواصلة مهمة حفظ السلام التي قامت بها القيام بعمليات فرض السلام إذا اقتضى الأمر، وهذا يعني التفويض الدولي بشن الحرب على المليشيات الصومالية وبهذا تكون الأمم المتحدة ومجلس الأمن قد فوّضا القوات الأميركية الموجودة في الصومال لقمع المليشيات الصومالية.
وعندما دخلت هذه القوات في مواجهة مباشرة في خمسة يونيو عام 1993 حينما هوجمت وحدة باكستانية تابعة للأمم المتحدة وقُتل 26 جندي باكستاني وجُرح آخرين سرعان ما صدر قرار مجلس الأمن رقم 837 لتأديب عيديد.
وفي 12 يونيو من نفس العام تحولت قوات الأمم المتحدة إلى قوات محاربة بهدف إعادة الأمن والنظام إلى جنوب مقديشيو وكانت هذه أول مرة في تاريخ الأمم المتحدة منذ أحداث كوريا عام 1950 تتحول قوات الأمم المتحدة إلى قوى محاربة ويصدر لها قرار بالمواجهة والدخول في حرب. وعلامة التعجب التي لا تزال تطرح نفسها أنه في الوقت الذي كانت الأمم المتحدة تدلل كراديتش وملاديتش ومجرمي الحرب في البوسنة ليفعلوا ما شاؤوا في الصرب لم يتم استصدار أي قرار لردعهم، ولكن بمجرد ما ارتكب عيديد خطأ ضد قوات الأمم المتحدة تم استصدار القرار بتحويل القوات الأممية إلى قوات محاربة .
وقد أوضح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون –والذي خلف بوش الأب في السلطة-في مذكراته أن القوات الأميركية في الصومال كانت تنفذ أوامر بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة والأدميرال هاو قائد قواتها هناك، وهذا يعني أنه حمّل الأمم المتحدة مسؤولية ما حدث في الصومال بعد ذلك سواء للقوات الأميركية أو لقوات الأمم المتحدة نتيجة القرار الذي تحولت بموجبه من قوات جاءت للقضاء على المجاعة إلى قوات جاءت لتحارب.. وتحولت القضية كما قال عضو مجلس الشيوخ السيناتور روبرت بيرد إلى عمليات "عسكر وحراميّة" بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة في الصومال.
واستطاع عيديد أن يحقق العديد من الانتصارات على قوات الأمم المتحدة والقوات الأمريكة المدعومة بغطاء أممي وأصبحت الأمم المتحدة وكذا أمريكا أضحوكة أمام العالم وحدث انقسام خطير في المجتمع الدولي بعد رفض الجنرال الإيطالي لوي تنفيذ الأوامر الصادرة له من قائد القوات الأممية هناك بالقيام بعملية عسكرية ضد عيديد، وأنهى المشكلة بالتصالح مع الصوماليين وقال لقد كنا دولة محتلة للصومال ونعرف كيف نتعامل مع الصوماليين، وقد أَعلنت الأمم المتحدة إقالة الجنرال لوي، ولكن إيطاليا رفضت قرار الأمم المتحدة، وطلب وزير الدفاع الإيطالي آنذاك فابيو فابري من الأمم المتحدة وقف جميع العمليات العسكرية في الصومال وسرعان ما تخلخل الموقف الدولي نتيجة تضارب المصالح ودخلت الأمم المتحدة في أزمة مع إيطاليا.
في يوليو 1993 انتقد إيان إلياسون وهو الأمين العام المساعد للأمم المتحدة الطريق الذي سلكته الأمم المتحدة في التعامل مع الأزمة الصومالية فقال إنه قد تم رصد 166 مليون دولار فقط للمجاعة في حين تم رصد مليار ونصف مليار دولار خلال عام واحد للعمليات العسكرية وملاحقة عيديد. وقال إن المجتمع الدولي يُنفق على الجنود في الصومال عشرة أضعاف ما ينفقه على المساعدات المقدمة للصوماليين، وقد علق الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور غالي بعد أن ترك منصبه كأمين عام للأمم المتحدة بأنه إذا كانت هذه الأرقام صحيحة فهذا دليل على فشل الأمم المتحدة في هذه العملية .
العسكريين الكويتيين والسعوديين والمصريين والإماراتيين انضموا للموقف الإيطالي ورفضوا مواصلة القتال ضد عيديد، الأحزاب الألمانية طالبت باستدعاء القوات الألمانية، باريس أيدت روما في هذا الوضع وبالجملة فإنه بمجرد انسحاب القوات الأمريكية فإن التعليمات قد صدرت لكافة القوى الأخرى بالانسحاب من الصومال بينما كان عيديد يواصل خطاباته بالقتال ضد الفاشيين والمحتلين.
كان هناك هدفا أساسيا للقوات الأميركية من وراء تواجدها هناك، فقد صرح روبرت أوكليل المبعوث الأميركي الخاص السابق للصومال، في تصريحات نُشرت في مجلة الوسط العربية في 21 يونيو 1993 قال إن الهدف من هذه الغارات ليس كما يبدو ردا على مقتل الباكستانيين لكنه خطوة أولى لاجتزاز العقبات الكبيرة التي تعترض الحل السياسي وتأليف حكومة وطنية، وهذا يظهر وجود مشروع أميركي كبير في الصومال أقرب ما يكون بالمشروع العراقي الحالي، وللتأكيد عليه قال جوناثان هاو لمجلة نيوزويك الأميركية في عدد أول يوليو 1993 إن هناك خطة إصلاح سياسي أميركية في الصومال من المفترض أن تنتهي قبل مارس 1995 ، يعني كان الهدف من وراء هذا أن تؤسس أمريكا حكومة في الصومال وعيديد كان يرفض هذه القضية ..
في 3 أكتوبر 1993 مُنيت القوات الأميركية بهزيمة فادحة، أُسقطت طائرتي هليكوبتر، وقُتل 18 جندي أميركي، أصيب 84 آخرين كما جاء في مذكرات كلينتون بعد هجوم فاشل على أحد مواقع عيديد وجَرّ الحُفاة العُراة الجوعى الصوماليون جثة أحد الطيارين الأميركان في شوارع مقديشيو، صوّرها الإعلام العالمي، قامت الدنيا ولم تقعد ولم يجد كلينتون مفرا من التوصل إلى حل سياسي لا يبدو استسلاما كما قال غالي في كتابه خمس سنوات في بيت من زجاج. والنتيجة هزيمة عسكرية لأميركا وسياسية للأمم المتحدة.
بعد هذه الهزيمة كان واضحا أن كلينتون وإدارته سوف يلقيان باللوم على الأمم المتحدة في الفشل الذريع الذي مُني به القنّاصون الأميركيون في جنوبي مقديشيو .
في 16 أكتوبر 1993 وجّه كلينتون بيان لمجلس الشيوخ قرر على إثره سحب القوات الأميركية من الصومال واتُهمت الأمم المتحدة أنها أسندت للقوات الأميركية مهمة ينبغي أن تقوم بها الشرطة.
ونشرت نيوزويك مقالا تحت عنوان انطفأ بريق الأمم المتحدة، جاء فيه أنه بعد أن دعم الرئيس كلينتون الأمم المتحدة باعتبارها صانعة السلام في العالم، وقع خلاف حاد بينهما بشأن الصومال كشف عن عدم الارتياح تجاه الأمين العام بطرس غالي ، وكان هذا بداية أزمة الثقة بين بطرس غالي الأمين العام وبين الولايات المتحدة.
وقد كُتبت دراسات أميركية ملخصها أنه كان هناك بالفعل خلاف بين القيادات الأميركية الموجودة في الصومال وبعضها البعض حيث أشارت التقارير النهائية إلى أن قوات دلتا قامت بهذه العملية دون أن تخبر أحدا وكانت العملية سرية .. وقد استطاعت القوات الماليزية في النهاية من إنقاذ القوات الأميركية من خسائر فادحة .. وكما يقول المؤرخ الأميركي المشهور كيندي فإن القوة الكبرى دائما ما تهزم من قوة صغرى لا تكون مكافئة لها مطلقا في القوة أو في وسائل الحرب؟
في النهاية استطاع عيديد أن يوجه عدة صفعات للولايات المتحدة وبقي إلى أن مات موتا طبيعيا على حد زعم البعض ومتأثرا بجراح لحقت به جراء إحدى المعارك في العام 1996 على قول آخرين.
وبعد مرور ستة عشر شهرا على الصَيحة التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب موفدا مع ثمانية وعشرين ألف جندي أميركي إلى الصومال تحت شعار إعادة الأمل وقف قائد القوة الأميركية الجنرال توماس مونتجمري في 25 مارس 1994 ليعلن عن رحيل آخر جندي أميركي من الصومال بحلول الحادي والثلاثين من مارس عام 1994 وهو التاريخ الذي حدده الرئيس الأميركي كلينتون .
المحاكم الإسلامية .. النشأة والمسار
لقد انقسم العالم حول فهم حقيقة المحاكم الإسلامية التي ظهرت على الخريطة السياسية للصومال إلى فصيلين؛ الإسلاميون على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم استحسنوا تلك المحاكم والمنتسبين لها ولهجت ألسنتهم بالدعاء لهم .
في حين وصف العلمانيون ومن على شاكلتهم المحاكم الإسلامية بأنها ليست فقط تستضيف أجانب أو تؤوي جماعة القاعدة، بل ادعت أن ذلك هو الضرر الأخف، وأن الأشد خطرا منه أن بالصومال تنتشر أفكار التكفير ومنهج الإرهاب بصورة أشد من تلك التي ينتهجها ابن لادن، كما زعموا بأن "السرورية" قد تمثلت في الاتحاد الإسلامي في الصومال والذي ضم العديد من الحركات التكفيرية بما فيها القاعدة، كذلك قالوا بأن جماعة القاعدة في الصومال تعمل تحت اسم آخر وهو "جماعة الجهاد والدعوة" وادعوا أيضا أن رموز القاعدة من الصوماليين قد فاق عددهم الثلاثة آلاف شخص، ولهم بين المحاكم في مقديشو رموزا قيادية تسيطر على المحاكم بحكم أنهم من أبرز الممولين وعملهم من داخل الاتحاد الإسلامي الصومالي.
وإمعانا في ضرب "الإرهاب" روج العلمانيون لما قد تردد من أن الإخوان المسلمين قد راقت لهم المحاكم الإسلامية بالصومال فدعموهم من كل أنحاء العالم فنشطت رموزهم بين القبائل واتسعت الفكرة ثم قدموا الدعم المالي لشيوخ القبائل ليفسحوا لهم المجال، فأسست محاكم قبلية متفرقة توحدت فيما بعد لتصبح اتحاد المحاكم الإسلامية برئاسة العقيد حسن ضاهر، وهو قائد جيش الاتحاد الإسلامي والمشهور لدى أهل العلمنة بفكره المتطرف الثوري –كما يزعمون-، كما ادعوا أنه كان يذهب إلى باكستان مرارا للقاء ابن لادن .
وخلاصة قولهم أن جميع التنظيمات المتطرفة في العالم قد اجتمعت في هذا الاتحاد الإرهابي للمحاكم وأن رموز القاعدة هي التي تقودهم على طريقة طالبان لذا يرى هؤلاء أن من يدعمون المحاكم المتطرفة في الصومال سيضطرون لتركها والتبرأ منها لأنها ستجرهم إلى ملاحقة من المجتمع الدولي .
والحقيقة أن الحاجة –حاجة الشعب الصومالي- هي التي أدت لظهور المحاكم الإسلامية وعلو نجمها، فالحاجة إلى الشعور بالأمان من أهم الحاجات البيولوجية، حاجة تأتي بعد الحاجة إلى الطعام والشراب حسب ترتيب علماء الاجتماع، ولكن الكثيرين في الصومال فضلوها على الطعام والشراب غير الموجود أصلا، وكان الحل في ظل غياب حكومة عجزت عن فرض الأمن من عام 1991 هو البحث عن البديل، فكانت "المحاكم الشرعية" هي الحل الذي لجأ إليه الصوماليون لا كما صورهم أولئك على أنهم تكفيريين ارتكبوا في حق الشعب الصومالي الجرائم والفظائع فجلدوا الحامل وقطعوا الأيادي، متناسين ما فعله أمراء الحرب الرحماء بزعمهم والذين صهروا البلاد في بوتقة مشتعلة أكلت الأخضر واليابس، وأجرت دماء ما يربو على النصف مليون صومالي .
لقد بدأت المحاكم الشرعية في الظهور على الساحة الصومالية في عام 1994 بعد أن هدأت حدة الحرب الأهلية، وبدأ متمردو الميليشيات في العودة إلى قبائلهم مرة أخرى يحملون السلاح، بدأت المشاكل في الظهور على السطح وفشل "أمراء الحرب" وقادة الميليشيات في السيطرة عليها .
احتقنت الأوضاع الأمنية وتزايدت الانتهاكات وغابت العقوبات، ولاح الحل عندما اجتمع زعماء القبائل المتواجدة في شمال العاصمة الصومالية "مقديشيو" وقرروا إنشاء "المحاكم الإسلامية" من أجل محاولة فرض الأمن، ووافق على إنشائها أمراء الحرب؛ لأنهم لم يجدوا فيها تهديدا لقوتهم .
و"المحاكم الإسلامية" لفظ تم إطلاقه على منظومة متكاملة لإقرار الأمن، تشمل بين أجنحتها قوات مسلحة مدربة، ومحكمة تقوم على فصل المنازعات والحكم في المخالفات حسب الشريعة الإسلامية، وسجون يحبس فيها من يتم الحكم عليه بالحبس، وكانت كل محكمة مختصة بالفصل في النزاعات وحل المشكلات التي تواجه القبيلة الواحدة وبين أبنائها .
وتنامى نفوذ المحاكم الإسلامية في ظل الحاجة إلى من يفرض الأمن وغياب أمراء الحرب عن الساحة، وانشغالهم في المفاوضات على السلطة ومحاولة كل منهم للحصول على نصيب الأسد منها، وعندما أفاقوا على الواقع كان الحل هذه المرة هو "الحل"، فقد تم حل جميع المحاكم الإسلامية وإغلاق الأماكن التابعة لها.
عادت هذه المحاكم للظهور مرة أخرى في عام 1999 وظلت في صعود مستمر حتى وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث انتشر الخوف العالمي من كل ما يحمل كلمة "إسلامي" بين جنباته، فانزوت هذه المحاكم بعض الشيء واستمرت في العمل الصامت .
وفي هذه المرحلة أوقفت المحاكم الإسلامية تطبيق الحدود، كقطع يد السارق والرجم والجلد العلني، التي كانت تطبقها في مرحلتها الأولى، وهو ما جلب عليها انتقادات واسعة من قبل المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، فاكتسبت اسم "المحاكم الشرعية" .
وبداية من عام 2004 ظهرت المحاكم "الشرعية" على الساحة مرة أخرى، وبقوة وبدعم من رجال أعمال صوماليين، كانوا يرون المحاكم الإسلامية قوة قادرة على حماية الأمن وسلامة العملية التجارية من جهة ولكي يرفعوا عن أنفسهم تلك الإتاوات التي فرضها أمراء الحرب لتمويل حربهم من جهة أخرى .
كما شهد عام 2004 تطورا إيجابيا في مصلحة تلك المحاكم، عندما تحولت من محاكم قبلية تختص كل محكمة بقبيلتها فقط إلى شبكة من المحاكم يسيرها إسلاميون ينتمون إلى قبائل مختلفة تتعاون فيها بينها وتقوم بأعمال مشتركة، ثم اندمجت هذه المحاكم في كيان جديد تحت اسم "اتحاد المحاكم الإسلامية" تنضوي تحته حوالي 11 محكمة في العاصمة مقديشو، وتم اختيار الشيخ "شريف شيخ أحمد" رئيسا لها .
في هذا الوقت كان أمراء الحرب مشغولون بالمفاوضات السياسية حول تشكيل الحكومة والبرلمان، وأصبحت المحاكم الشرعية ذات قوة أكبر وتمتلك المئات من المقاتلين المدربين ولها مقرات وتعقد الاجتماعات والمؤتمرات وتتشاور وتعد نفسها للأفضل .
وبالطبع كان التوتر موجودا بين أمراء الحرب والمحاكم الشرعية في تلك الفترة، رغم عدم حدوث مواجهات عسكرية كبيرة بين الجانبين لأسباب كثيرة منها اختطاف نشطاء إسلاميين صوماليين على يد زعماء الحرب وتسليمهم إلى الولايات المتحدة لاستجوابهم خارج الصومال.
وكذلك تنفيذ مداهمات مشتركة بين قوات خاصة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) وميليشيات زعماء الحرب قتل فيها إسلاميون واعتقل آخرون . كما كانت عمليات ترحيل الإسلاميين المختطفين تتم عبر مطارات خاصة تابعة لزعماء الحرب موجودة حول العاصمة مقديشو.
ولكن الأوضاع تغيرت إلى الأسوأ وتفجرت بين الطرفين في 18 مايو 2006، عندما أعلن 11 من زعماء الحرب الصوماليين، بينهم أربعة وزراء في الحكومة الانتقالية، عن تأسيس تحالف جديد يدعى "التحالف من أجل إعادة السلام ومكافحة الإرهاب". ومهمة هذا التحالف، كما جاء في بيانه التأسيسي، "القضاء على الإرهابيين الأجانب الذين تؤويهم المحاكم الإسلامية في الصومال" .
وكان النصر من نصيب المحاكم الشرعية حيث دحرت أمراء الحرب واحدا تلو الآخر واضطر بعضهم للتسليم وإلقاء السلاح وصارت القبائل الواحدة تلو الأخرى تنضوي تحت لواء المحاكم الشرعية حتى سيطرت على العاصمة مقديشو وأغلب بلدات الجنوب، مما حدا بالسلطة المؤقتة إلى فتح باب جديد تحت مسمى التفاوض من أجل صومال آمن .
الصومال بين فكي أمريكا ودول الجوار
لقد أعاد النزاع في الصومال بين الحكومة الانتقالية والمحاكم الإسلامية الى الأذهان مرة أخرى تجربة صراع المصالح الإقليمية في الصومال، وأبرز أطراف هذا الصراع هو الصراع بيبن إثيوبيا وإريتريا فمنذ انتهاء الحرب الطاحنة بين البلدين عام 2000 والبلدان يعززان علاقاتهما مع الأطراف المختلفة في الصومال لتهديد الآخر أو لكبح جماحه وإيقاف تطلعاته .
إثيوبيا وإريتريا
تحولت الصومال الى ساحة للحرب بين الطرفين عام 1999 عندما عبرت القوات الإثيوبية آنذاك الحدود الى الصومال لضرب معاقل حسين عيديد أحد قادة الحرب الصوماليين في ذلك الوقت (والذي صار وزيرا للداخلية في الحكومة الانتقالية) في بيداوا (مقر الحكومة الحالي 250 كم إلى الغرب من العاصمة مقديشو) وكانت الحجة الإثيوبية آنذاك وجود مقاتلين تابعين للجبهات الإثيوبية المعارضة في هذه المناطق .
وكانت إريتريا قد دخلت في تحالف مع حسين عيديد لتسهيل دخول آلاف المقاتلين المعارضين للنظام في أديس أبابا إلى إثيوبيا عن طريق الصومال بأسلحتهم مما أدى الى قيام القوات الإثيوبية بمهاجمة مدينة بيداوا وإخراج مليشيات عيديد من المنطقة وتم ذلك بالفعل عام 1999 .
وكانت القوات الإثيوبية قبل ذلك قد عبرت الحدود مرات عديدة لضرب مواقع مليشيات جماعة الاتحاد الإسلامي الصومالي بجنوب غربي الصومال وكان من الطبيعي أن تقوم إريتريا باستغلال العداء بين الجماعات الصومالية وإثيوبيا وتقوم بدعم كل من المعارضة الإثيوبية المسلحة وكذلك الفصائل الصومالية التي كانت تقوم بدور المسهل للعمليات العسكرية للمقاتلين الإثيوبيين المعارضين .
ولقد هدأت الجبهة الصومالية الإثيوبية لبعض الوقت في الفترة ما بين 2000- 2005 لكن الخلاف الإثيوبي الإريتري حول الوضع في الصومال ظل مستمرا ودعمت إريتريا سياسيا وعسكريا بشكل محدود حكومة الرئيس عبد القاسم صلاد حسن (2000- 2004) والتي اشتدت العداوة بينها وبين الحكومة الإثيوبية التي دعمت بدورها خليطا من أمراء الحرب الصوماليين لعرقلة حكومة عبد القاسم وقد نجحوا في ذلك حيث لم تتجاوز سلطته جيبا صغيرا في العاصمة مقديشو .
وعندما صعد نجم المحاكم الإسلامية كقوة عسكرية في العاصمة مقديشو عاد الحديث عن دعم إريتري لها ردا على الدعم الذي تقدمه إثيوبيا للحكومة الانتقالية الضعيفة المعترف بها دوليا والتي اتخذت من بيداوا مقرا لها، لكن الأمور في العاصمة اتسمت بالسرعة المتلاحقة وبدأت المحاكم الإسلامية تحقق انتصارات عسكرية كبيرة في العاصمة ضد تحالف أمراء الحرب المسمى بـ"التحالف من أجل إعادة السلم ومكافحة الإرهاب" والذي فقد جميع المناطق التي كان يسيطر عليها داخل العاصمة وخارجها على يد المحاكم الإسلامية .
وتفاقم الوضع عندما شعرت إثيوبيا بأن جبهتها الشرقية التي تحاذي الشريط الحدودي مع الصومال (نحو 2800 كم) مهددة من قبل المقاتلين الإسلاميين الذين أحسوا بالانفراج بسبب سيطرة المحاكم الإسلامية على الوضع في العاصمة مقديشو وجزء كبير من جنوب الصومال، حيث أن المعارضة الإثيوبية الموجودة داخل الصومال سواء الإسلامية أو غيرها كانت تعمل بشكل شبه سري بسبب خوفها من ملاحقة أمراء الحرب الصوماليين الموالين لإثيوبيا والذين قام بعضهم بتسليم قيادات منهم إلى الحكومة الإثيوبية مقابل الحصول على السلاح والذخيرة منها .
وقد تغير الوضع الآن، فبعد سيطرة الإسلاميين على الوضع في جنوب الصومال أصبحت تحركات المعارضة الإثيوبية الإسلامية بوجه خاص قيادات وأفراد، أكثر سهولة من أي وقت مضى ولم يُخف بعض قيادات المحاكم الإسلامية تعاطفهم بل واستعدادهم لدعم المسلمين الصوماليين في إقليم "أوجادين" في الحصول على اسقلالهم من إثيوبيا؛ ومن هنا جاء الشعور الإثيوبي بالتهديد المباشر القادم من الصومال خاصة أن عددا من فصائل المعارضة الإثيوبية المسلحة في إقليم أوجادين لها أجنحة عسكرية مقاتلة في داخل الإقليم، وأبرزها "جبهة تحرير أوجادين" و"الاتحاد الإسلامي في أوجادين" و"جبهة تحرير الصومال الغربي" وكلها تقوم بحرب أشبه ما تكون بحرب العصابات داخل الإقليم الصومالي لكن كان ينقصها العمق الإستراتيجي خلال سني حربها الطويلة حيث كان أمراء الحرب الصوماليون المتحالفون مع إثيوبيا يمنعون ذلك .
وهنا جاء الدور الإريتري في دعم المعارضة الإثيوبية المسلحة عبر المحاكم الإسلامية التي هي الأخرى ترى إثيوبيا عدوا للصومال على مر التاريخ وكانت سببا في إضعاف الصومال حتى لا يكون منافسا لها في منطقة القرن الإفريقي وقد تحدثت وسائل إعلام محلية وأجنبية عن دعم عسكري إريتري للمحاكم الإسلامية وكذلك عن زيارات سرية لضباط عسكريين إريتريين للصومال لتدريب مليشيات المحاكم الإسلامية .
وكما كانت بيداوا مسرحا للحرب بالوكالة عام 1999 بين إريتريا وإثيوبيا فإن المؤشرات تتجه نحو عودة نفس السيناريو مرة أخرى بناءا على التحالف بين إثيوبيا والحكومة الانتقالية من جهة وبين إريتريا والمحاكم الإسلامية من جهة أخرى .
وتعتبر منطقة بيداوا ذات أهمية إستراتيجية عسكرية واقتصادية في النزاع الصومالي؛ عسكريا فهي تربط بين الوسط والجنوب وكذلك الشرق حيث العاصمة مقديشو، كما أنها تضم عددا من القواعد العسكرية والمطارات التي كانت تتبع الجيش الصومالي المنهار .
يضاف الى ذلك أن القبائل الساكنة في المنطقة رغم أنها تتمتع بقوة عددية ظاهرة إلا أنها دخلت الحرب الأهلية الصومالية متأخرة كما أن أمراء الحرب المنتمين للمنطقة ليسوا متحدين في الولاءات السياسية والقبلية ومن الطبيعي أن يبحث كل طرف عن حلفاء له خارج المنطقة سواء من الأطراف الصومالية الأخرى أو من إثيوبيا .
واقتصاديا تعتبر منطقة باي وبكول (ومركزها بيداوا) سلة غذاء الصومال حيث تنتج هذه المنطقة أكثر من نصف المحصول الزراعي في الصومال وعليه فإن القبائل المسلحة كانت عينها على الأهمية الاقتصادية والسكانية في المنطقة ومن أجل هذه الميزات كانت هذه المنطقة بؤرة للتوتر المستمر منذ بداية النزاع الصومالي الداخلي عام 1991 عقب انهيار الحكم المركزي في الصومال. فالعداء بين إثيوبيا والصومال قائم منذ قرون، وناتج هذا العداء عن اختلاف في الدين والصراع على الأرض، ولا أحد يقبل التنازل عن واحدة منهما، والحرب بين إثيوبيا والصومال كانت سجالاًً، والحكومتان السابقتان في كل من البلدين نجحت في إسقاط الأخرى، وإن سبق سياد بري إلا أن منجستو لم يتأخر عن زميله شهورًا، فمنجستو هيل مريم قال يوم وداعه وفراره من أديس أبابا: "لو كان لشعب إثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرفوا أن لي فضل عليهم، نجحت في إسقاط حكومة عدوهم، وهاهي الصومال اليوم لا دولة ولا نظام". وهناك خطبة أدهى من تلك قالها بالحرف الواحد الرئيس الإرتري الحالي أسياس أفورقي يوم سقطت الصومال "سلام على الصومال، وأبشركم أنها لن تعود إلى الساحة الدولية" .
وقد غزت إثيوبيا الصومال عسكريًا أواخر نفس السنة وسيطرت على ثلاث مناطق في جنوب الصومال؛ إلا أنها تراجعت عسكريًا بعد أن قدم رئيس الوزراء السابق في الحكومة الانتقالية الدكتور علي خليف جلير شكوى في الأم المتحدة بخصوص التدخلات الإثيوبية في بلاده، وحدث ما تنبأ به الباحثون من أن منظمة الوحدة الإفريقية قد ضلت الطريق حين كلفت إثيوبيا أن تكون المسؤولة عن المصالحة الصومالية، وعقدت لهذا الغرض مؤتمرات عدة، وتساءل الصوماليون يومها: كيف يمكن لإثيوبيا أن تكون الراعية للمصالحة وهي المشجعة السابقة لتدمير الصومال؟.
وكل الاجتماعات التي عقدت في أديس أبابا لم تثمر؛ لأنها بالأساس لم يكن القصد منها أن تثمر.
رئيس الوزراء الإثيوبي -ملس زيناوي- قال في أكثر من مقابلة إنه يريد للصومال أمنا ونظامًا وحكومة ذات قاعدة قوية تحكم البلاد كاملة. وقال: إن من مصلحة إثيوبيا إقامة شرطة بالصومال لكي تخرج من الفوضى التي فيها، وإن إثيوبيا خسرت اقتصاديًا بسبب الأزمة في الصومال، لكن الشعب يرى مثل هذه الخطب كما يرى العراقيون خطب بوش وحديثه عن الحرية للإنسان العراقي، لا أقل ولا أكثر، فإثيوبيا لديها أهداف وأجنده محددة من الصومال، يمكن تلخيصها في الآتي:
1- صياغة دستور جديد يتفق مع أهدافها تجاه هذا البلد، وتكون من أهم بنوده تقسيم الصومال إلى خمسة أقاليم، كل إقليم له سيادته وإدارته الخاصة، وذلك باسم -الجمهورية الفدرالية الصومالية- وأن يتنازلوا عن أطماعهم لإقليم أوجادين التابع حاليًا لإثيوبيا، وألا تكون هناك حكومة مركزية قوية، حيث يصعب عليهم تفكيك البلاد من جديد .
2- الحد من التحالف بين الصومال وجارتها السودان حتى لا يولد في القرن الإفريقي حكومتان إسلاميتان قويتان، وإن شئت أن تتيقن من ذلك فما عليك إلا أن تتساءل عن سبب طول صراع السودان والصومال.
3- أن يكون رأس الدولة الصومالية أحد عملائها القريبين حتى يتسنى لها تنفيذ مطامعها، وتسربت قريبا معلومات تشير إلى أنهم يفضلون للرئاسة الكولونيل عبد الله يوسف، الذي يعد أقرب الساسة الموجودين على الساحة إليهم .
4- الحد من جميع الأنشطة الإسلامية هناك، حتى قال ملس زيناوي: "لابد من تغيير مناهج التعليم في الصومال، وإلا ستصبح يومًا ما "طالبان" جديدة في القرن الإفريقي .
كينيا
علاقتها مع الصومال علاقة عادية بالمفهوم السياسي، ولم تقم بينها وبين الصومال أية حروب، لكن كانت هناك مشاجرات بسبب النزاع معها على الأراضي، إلا أن هذا الخلاف لم يصل حد المواجهة العسكرية، استضافت في فترات سابقة مؤتمرات لأجل الوفاق بين زعماء الحرب، لكن كلها لم تلد شيئًا، وآخرها مؤتمر نيروبي برئاستها هي، وعلى أية حال فإن كينيا وإثيوبيا متفقتان على الخوف من الصومال لأجل صراعهم على الأرض، لأن الكثير من الصوماليين يسكنون شمال شرقي كينيا .
الرئيس الكيني السابق " دانيال أرب موي" هو الذي افتتح أعمال مؤتمر نيروبي، وقد صرح وهو في زيارة لكلية عسكرية في واشنطن، حين سأله خبير عسكري أمريكي: لماذا لا يوجد في الصومال دولة؟ فأجاب (موي): "كينيا وإثيوبيا لن تكونا صادقتين في المصالحة الصومالية، لأنهما تخافا إذا وجدت دولة صومالية أن تعيد نزاعها معهما، وأن يكون هدفها أن تضم الصومال بعض المناطق التابعة حاليًا لكل من كينيا وإثيوبيا" .
هذا التصريح كان عين الحقيقة والرئيس "موي" يعلم أنها هي السياسية التي كان يتعامل بها مع الملف الصومالي، وأعتقد أنها هي الجواب الوافي لسؤال حير الكثيرين من الباحثين في القضية الصومالية.
جيبوتي
جيبوتي دولة مسلمة عربية، يرأسها الرئيس إسماعيل عمر جيلي، شاب عرف ما عليه من حقوق عن إخوانه في الصومال، قدّم عام 1999م في الأمم المتحدة مبادرة للمصالحة أخذت اسم (مبادرة جيلي) للمصالحة، ولبى الصوماليون نداء أخيهم إسماعيل، واجتمع في جيبوتي أكثر من 2000 شخص توافدوا من جميع مناطق الصومال، وشكل بعد مشاورات استغرقت شهورًا أول حكومة حظت باعتراف العالم، وترأسها عبد القاسم صلاد حسن -الوزير السابق في حكومة سياد برى-.
وتعتبر جيبوتي دوله شقيقة للصومال ولديها نوايا طيبة تريد تحقيقها، لأنها تريد صومال قوية لكي تستأنس بها وتكون سندها الأساسي مادامت هي دولة صغيرة من حيث المساحة والسكان، فأراء جيبوتي للمصالحة الصومالية أفكار بنّاءة، لكن لا أحد يصغي لها، ولولا قلة حجمها السياسي في القرن الإفريقي لاستطاعت إنقاذ الصومال من محنتها بعون الله، وقد عينت سفيرًا للصومال وتحضر المؤتمر الكيني بمستوى السفير، وهي دائمًا مع الخط الوطني، وهمّها الأمن والاستقرار في الصومال .
أمريكا
يؤكد الكثيرون أن أمريكا هي المسؤولة عما حدث في الصومال حيث كانت هي الممولة للمعارضة إبان حكم سياد برى، ولم تكن العلاقة بين أمريكا والصومال علاقة طيبة، فحكومة أمريكا استبشرت بسقوط نظام سياد برى، وظنت أن الأمور تتحسن بالنسبة لهم، لكن خاب ظنها .

بعد سنة من انهيار الصومال قررت الأمم المتحدة إرسال قوات إلى الصومال باسم (إعادة الأمل)، حيث أراد بطرس غالي –الأمين العام وقتها- أن ينتهز هذه الفرصة ويأمر القوات بنزع الأسلحة من المليشيات؛ إلا أن هذا الطرح قوبل بالرفض من قبل الولايات المتحدة، ولحاجة في نفس أمريكا عارضت نزع الأسلحة من قطّاع الطرق، من هذه الفترة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت أمريكا غير مهتمة بالشأن الصومالي، وكانت لا تتحدث عن الصومال في أي من تصريحاتها، وبدا أنها أخرجت الصومال من قاموسها، فالشعب الأمريكي وقتها لا يكاد يسمع اسم الصومال حتى يتذكر سحل جنوده في شوارع مقديشو، لكن أمريكا كانت تنفذ أغراضها سرًا عن طريق إثيوبيا، وبعد أحداث سبتمبر تغيرت شكليًا نظرتها عن الصومال، وبدأت تظهر اهتمامها، لكنها كانت تنظر من زاوية تبعات هذه الأحداث، ولم تقدم برنامجًا معينًا غير إرسال عملاء من المخابرات لها، يطوفون الجنوب والشمال في البلاد للتأكد إذا كانت هناك معسكرات للإرهابيين –حسب زعمهم-، وكذلك أرسلت رسميًا مسؤول شؤون القارة الإفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية وزار كلا من إثيوبيا، كينيا، وجيبوتي، ثم عقد مؤتمرًا صحفيًا في جنوب إفريقيا، حيث محطته الأخيرة في القارة، وأدلى بتصريح مفاده "لولا مخافة إزعاج بعض أصدقائنا من العرب لكلفنا إثيوبيا بملف الصومال"، لكن بعد أن استوطنوا بجيبوتي وفتحت حكومة جيبوتي مراكز عسكرية في مرافق حيوية بها؛ أكد قائد قواتها في زيارة له في أديس أبابا بالحرف الواحد "قررنا أن تكون إثيوبيا مندوبتنا لحماية الحدود الصومالية من تسلل الإرهابيين منها وإليها، والترصد لتحركاتهم"، وهذا التصريح أظهر بوضوح ما كان يقوله بعض المحللين (بأن إثيوبيا هي الوكيل المعتمد لدى أمريكا في القرن الإفريقي) .
وذكرت مصادر دبلوماسية قريبة للحكومة الانتقالية، أن اجتماعًا ضم مندوبا من السفارة الأمريكية في نيروبي والرئيس عبد القاسم صلاد، قال صلاد فيه للمندوب الأمريكي: "أخبروني بصراحة: إن كان لديكم شخص غيري تثقون به، وتحبون له الحكم فأخبروني وأنا أتنازل له عن الحكم بكل اطمئنان"؛ فأجاب المندوب الأمريكي "لا يوجد ذلك"، فقال صلاد: "إذاً أيدوني وساعدوا حكومتي لنكون على تعاون وتصبح الصومال دولة أمن ورخاء للعالم" .
هذه المعلومة أكدت بنظرية من يقول إن أمريكا لم تزرع كوادر لها في الصومال، لذلك آثرت مساندة الفوضى حتى لا يصل القمة أحد غير موثوق في ولائه بعد .
لقد ساهمت هذه الأطراف مجتمعة في إطلاق اسم "مدينة الموت" على بيداوا لأن الحروب المتكررة فيها أدت إلى نزوح المزارعين من قراهم وعدم تمكنهم من مزاولة وسائل عيشهم، الأمر الذي أدى لحدوث مجاعة واسعة النطاق أودت بحياة عشرات الآلاف وكانت سببا للتدخل الدولي الأول في الصومال الذي قادته الولايات المتحدة في الفترة ما بين ديسمبر 1992 – أبريل 1995 تحت اسم "إعادة الأمل" لوقف المجاعة في الصومال؛ هذه المجاعة التي لم تأت بسبب عوامل طبيعية وإنما بسبب تحولها إلى ساحة حرب بين المليشيات القبلية الصومالية .
وبعد أكثر من 10 سنوات تنتاب السكان في منطقة بيداوا مخاوف جديدة من أن تتحول منطقتهم إلى ساحة حرب جديدة بين طرفي النزاع الصومالي (الحكومة الانتقالية التي تدعمها إثيوبيا عسكريا ومن ورائها أمريكا وبين المحاكم الإسلامية الذي قيل أنهم حصلوا مؤخرا على دعم عسكري من إريتريا) لتكون الحرب بين الطرفين مباشرة من جهة وبالوكالة عن الدولتين الإقليميتين من جهة أخرى.
وكانت الحروب السابقة في بيداوا قد أدت إضافة الى المجاعة حركة نزوح جماعية من المنطقة إلى المناطق الأخرى من الصومال ويتحدر معظم النازحين الداخليين ويبلغ تعدادهم نحو 350 ألفا حسب أرقام الأمم المتحدة – من منطقة بيداوا ويعيشون في أوضاع مأساوية في مخيمات النازحين المنتشرة في العاصمة والمدن الرئيسية في الصومال والسبب هو استمرار النزاعات السياسية والقبلية .
ومع تعثر المفاوضات التي ترعاها الجامعة العربية بين الحكومة والمحاكم الإسلامية حينا وانبعاث الأمل في المضي من خلالها قدما نحو وضع ملائم ومقبول من كلا الطرفين فإن المخاوف من حدوث مأساة إنسانية بالمحافظات الجنوبية الغربية من الصومال في حال اندلاع مواجهات مسلحة فيها تتزايد يوما بعد يوم.
ومن المتوقع ان تشهد الساحة السياسية والعسكرية في الصومال تقلبات دراماتيكية خلال الشهور القليلة المقبلة مع تزايد نفوذ المحاكم الإسلامية من جهة واستمرار الحكومة في الاستعانة بالقوات الإثيوبية في صراعها مع المحاكم الإسلامية من جهة أخرى إضافة إلى محاولات جديدة من أمراء الحرب السابقين لاستعادة دورهم بعد هزيمتهم في الحرب ضد المحاكم الإسلامية . ومما يزيد العلاقة بين المحاكم الإسلامية والحكومة سوءا هو استضافة الأخيرة لعدد من أمراء الحرب الفارين من العاصمة وضم مليشيات بعضهم إلى القوات الحكومية وهو أمر تراه المحاكم الإسلامية تحالفا جديدا موجها ضدها.
وفي هذه الأثناء التي اشتد فيها الصراع على الأرض بين الحكومة والمحاكم الإسلامية فإن المنظمات الإقليمية المهمة مثل الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد على الرغم من أنها تتحدث بصوت واحد من الناحية الرسمية إلا أن هناك انقساما كبيرا حول الوضع في الصومال وكيفية التعامل معها. فإثيوبيا تتعامل مع الوضع في الصومال من الناحية الأمنية واستقطبت دعم الولايات المتحدة في موضوع الحرب على الإرهاب، وعلى الرغم من الهواجس المشتركة بين إثيوبيا وواشنطن حول ما يسمى بالجماعات الإرهابية في الصومال إلا أن واشنطن ترى أن تدخل إثيوبيا عسكريا من شأنه أن يفاقم الوضع بدلا من أن يحله.

أما الجامعة العربية فقد ركزت على التوسط بين الحكومة والمحاكم الإسلامية وأطلقت مبادرة في ذلك من الخرطوم وأسفرت الجولة الأولى عن توقيع لاتفاقية إعلان مبادئ بين الطرفين في 22 من الشهر الماضي ثم نجحت مؤخرا في عقد الجولة الثانية من المحادثات بعد تعثرها وظهور بارقة أمل في التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف .

أما الاتحاد الإفريقي فقد تبنى خطة إرسال قوات إفريقية إلى الصومال للقيام بمهام حفظ السلام ومساعدة الحكومة في بسط نفوذها على كامل التراب الوطني إلا أن تحقيق هذه الخطوة مرتبط بأمرين؛ الأول موافقة مجلس الأمن الدولي على رفع الحظر المفروض على توريد السلاح والمعدات العسكرية إلى الصومال، والأمر الثاني هو الحصول على ضمانات بتمويل عملية التدخل العسكري في الصومال وهو ما لم يتوفر حتى هذه اللحظة .

وبعد كل ذلك تبقي مسألة مهمة وهي استعداد المنظمة الدولية لقبول أن تعمل القوات الإفريقية تحت مظلة الأمم المتحدة وإشراف مباشر منها وهو ما طلبه البرلمان الصومالي عند المصادقة على مشروع التدخل العسكري الإفريقي .

وهناك مخاوف من انقسام البرلمان الصومالي في حال تم التدخل العسكري الإفريقي دون مظلة الأمم المتحدة وهو ما من شأنه أن يسحب الشرعية القانونية من التدخل أصلا مما سيعطي انطباعا بأن القوات الإفريقية تدخلت لصالح طرف صومالي ضد أطراف أخرى مما قد يمهد الطريق لتصادم بين القوات الإفريقية وبين الرافضين لها وبالتالي تصبح طرفا في الحرب في الصومال وهذه النقطة هي التي أدت إلى فشل التدخل الدولي الأول في الصومال بعد أن اندلعت الحرب بين القوات الدولية والميليشيات الصومالية في شوارع مقديشو تلاها انسحاب القوات الدولية من الصومال وعودة الصومال إلى مرحلة الفوضى الأمنية والسياسية .
التيار الجهادي الصومالي هل يكون صاحب اليد الطولى ؟
كانت هناك محاولات حثيثة من قبل الدبلوماسيين الغربيين وبعض المحللين لاستقراء التنظيمات المشكلة لاتحاد المحاكم الإسلامية بقيادة الشيخ شريف شيخ أحمد، لفهم ما يجري في مقديشو، وهو تحالف غير متجانس –على حد تعبيرهم - تشكل العناصر "الراديكالية" أقلية ضمنها، أبرزها "الاتحاد الإسلامي".
يقول مدير برنامج إفريقيا في "المجموعة الدولية للأزمات" إن هذه المحاكم تشكل "حركة غير متجانسة، هناك اتجاهات معتدلة وأخرى متشددة، وهناك محاكم قدمت جملة خدمات (للسكان) وقامت بفرض النظام، وأخرى لديها برامج أكثر تطرفا..".. ونظرا لعدم تجانس المحاكم الإسلامية، فإنه "من المبكر تحديد أي اتجاه سيغلب بداخلها، المعتدل أو المتطرف"، إذ إن هناك "عدة اتجاهات مختلفة داخل هذه المجموعة"، مؤكدا أن رئيسها الشيخ شريف "المعتدل" على وشك مغادرة هذا الموقع، وأن خليفته سيقرر إن كانت المحاكم ستسلك اتجاها "راديكاليا" أم معتدلا !
ويجمع هؤلاء على أن "التيار الجهادي" أو "الاتحاد الإسلامي" ذو التوجهات السلفية، بزعامة الشيخ حسن ضاهر أويس، والذي وضعته الولايات المتحدة الأمريكية في قائمة المنظمات الإرهابية، يمثل "أقلية جيدة التسلح والتنظيم" داخل المحاكم الإسلامية، وأن بعض عناصر القاعدة قد تمكنت من تقوية وجودها داخل التيار الجهادي، تساعدهم عناصر داخل التركيبة العشائرية الصومالية المعقدة، ومنها عناصر مطلوبة من الولايات المتحدة بتهمة المشاركة في تفجير سفارتي نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) عام 1998، وفندق مومباسا في (كينيا).
المحاكم "تلقت المال من رجال أعمال أرادوا التخلص من زعماء الحرب"، الذين كانوا يبتزونهم ويفرضون عليهم وعلى السكان غرامات وإتاوات، في الوقت ذاته فإن ممولي الميليشيات الإسلامية "لا يريدون فرض الشريعة"، غير أن المحاكم الشرعية تقدم نفسها "بديلاً عن الفوضى من خلال نشر الإسلام في المجتمع"، وهذه -حسب المحللين- نقطة الالتقاء بينها وبين حركة "طالبان" الأفغانية التي استولت على السلطة في أفغانستان عام 1996، بسبب الاقتتال بين المجاهدين والفوضى التي حلت بالبلاد، لكنها بخلافها لا تحمل رسالة واضحة "عقائدية" كما أنها تتحرك في بلد غير متعدد المذاهب والأديان .
كما لا يستبعد ما يؤكده ثلة من الخبراء أن المحاكم قد تتجه إلى "التشدد"، ما إذا لم يفتح معها ـ أي المحاكم ـ قناة للتواصل والحوار والمفاوضات المباشرة مع الفصيل الأقوى حاليا في الصومال .. وجادل بعض أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، أنه على الرغم من المخاوف من أن يقيم الإسلاميون نظام حكم شبيه بطالبان في الصومال، إلا أنه لن يكون من الحكمة قطع كل الاتصالات معهم، حيث يمكنهم أن يحققوا بعض الاستقرار في البلاد.
الباحث جون برندرجاست المتخصص في شؤون الصومال والخبير في منظمة مجموعة الأزمات الدولية، قال: "إنه من الأهمية بمكان أن تتحدث الولايات المتحدة مع كل القوى الفاعلة في الصومال سواء كانوا إسلاميين أو غيرهم"، وانتقد الولايات المتحدة بسبب ما وصفه بأنه "15 عاما من السياسات الفاشلة في الصومال ولتمويلها جماعة من أمراء الحروب لم يكن لها كثير من الشرعية" .
وقد كذب الشيخ شريف شيخ أحمد في تصريحات صحفية أي علاقة للمحاكم الإسلامية بما يسمى الإرهاب, واصفا المخاوف الأميركية، بأن تتحول مقديشو إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة، بأنه "تطاول ووقاحة أمريكية"، وقال: "لماذا يشعر الأمريكيون بالقلق حيال التطورات الجديدة في مقديشو، هذا لأنهم غير مطلعين بصورة جيدة على الوضع أو أنهم قلقون لهزيمة أصدقائهم" .. وتابع: "لسنا معادين لأي بلد ولا نقاتل ضد مصالح أي طرف كان، لكننا نعطي الأولوية لشعب الصومال" .
وتطرق الشيخ شريف شيخ أحمد إلى مسألة فرض الشريعة الإسلامية، فقال: "الشعب الصومالي هو الذي يقرر هذه المسألة"، مضيفا "لن نملي مستقبل الصومال وستجري استشارة المجتمع المدني والمثقفين والشتات والمجتمع برمته"، وقال: "الاشتراكية جربت كوسيلة لحكم العالم، ولكنها فشلت، والديمقراطية جربت وهي تفشل، والسبيل الوحيد الآن هو الإسلام. ولكن الشعب هو الذي يقرر ذلك".
ونفى الشيخ شريف شيخ أحمد في رسالة إلى السلك الدبلوماسي أي صلة للمحاكم بالإرهاب. وقال: "لا نشاطر أهداف ووسائل المجموعات التي ترعى الإرهاب وتدعمه". وأضاف أن حركة المحاكم الإسلامية دينية وليست سياسية، وأن جناحها العسكري تشكل فقط لإنهاء التسيب الأمني المزمن .
ومما لا شك فيه أن ما يحدث الآن في الصومال، يعتبر فوزا مدويا لـ"الجهاديين" الذين كانوا وراء تأسيس هذه المحاكم، التي أرجعت الأمن والهدوء في "مقديشو" وقضت على قطاع الطرق والعصابات في بعض الأماكن التي توجد بها المحاكم، في حين يرى دبلوماسيون أجانب أن هذه المحاكم استعملها التيار الجهادي للوصول إلى الحكم.
ومن جانب آخر، عين الشيخ حسن ضاهر أويس، "عدن أشي أيرو" في يوليو 2005 على رأس الميليشيات، وهي شخصية تدربت في أفغانستان، وتعتبر الأعنف بين 400 عنصر من المجموعة الجهادية في الصومال، وقد نجا من محاولة اغتيال مدبرة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. وفي المحصلة، فإنه لم يحن بعد الوقت لتحديد الاتجاه أو التيار الأقوى الذي يمكنه التأثير أو السيطرة على اتحاد المحاكم الإسلامية ، وإن كانت اللعبة التي دأبت أمريكا على استعمالها والمتمثلة في استخدام القوة وبلا رحمة أو هوادة، والتي تحاول الآن تحريكها من خلال أثيوبيا وتدخلاتها الخفية أولا ثم المعلنة حاليا ستجعل التيار الجهادي هو صاحب اليد الطولى على أرض الصومال .
الصومال يوسع خرق الشرق الأوسط الأمريكي الجديد
من عجائب السياسة أن كل محاولات المحافظين المسيحيين الجدد المتطرفين في إدارة أمريكا للسيطرة على مناطق العالم المختلفة تفشل بعوامل لا قبل لهم بها ولا توقع لمسارها .. ففي الوقت الذي كانوا يستعدون فيه لتغيير نظام حكم عدوهم اللدود في أمريكا الجنوبية (كوبا) ويتهيؤون لمرحلة ما بعد كاسترو، ظهر لهم زعيم جنوبي جديد معادي لخطط الهيمنة الأمريكية في فنزويلا هو هوجو شافيز الذي يتحول تدريجيا إلى كاسترو فنزويلا .
وفي الوقت الذي سعوا فيه لتفصيل ثوب جديد لشرق أوسط خال من المقاومة والإسلاميين، ظهر لهم المقاومون في العراق وحماس في فلسطين، وأصبحت خطط الشرق الأوسط الجديد المخصص ليتبوأ فيه الصهاينة مكانة القيادة نوع من الحلم في ذهن مريديه .
وضمن سلسلة الفشل الأمريكية هذه جاءت سيطرة الإسلاميين على مزيد من المناطق في الصومال وتحول البلاد إلى دول تديرها قوات المحاكم الإسلامية لتخرق ثوب الشرق الأوسط الأمريكي الجديد وتغير من خريطة المنطقة إستراتيجيا بما يضر بالمصالح الأمريكية .
ففي غضون مدة قصيرة لا تتعدى شهرين وسع الإسلاميون من نطاق سيطرتهم علي الصومال وأصبحوا يستولون على المدن واحدة تلو الأخرى وبدون قتال في أحيان كثيرة، حيث يسلم لهم المسؤولون السابقون والقبائل أسلحتهم وعتادهم، وفي غضون مدة قصيرة أصبحوا هم الحاكم الفعلي في البلاد مقابل حكومة ورئيس دولة معزول قرب الحدود الإثيوبية .
ومع أن هذه السيطرة التي ارتضاها غالبية الصوماليين عن طيب خاطر جاءت لرغبة الجميع في نوع من الاستقرار والهدوء بعد فترات طويلة من الحروب التي تسبب فيها أمراء الحرب الذين تمولهم الولايات المتحدة لضمان أن يظل الصومال مواليا لها، فقد أغضبت هذه السيطرة للإسلاميين، الولايات المتحدة وأنصارها من دول الجوار خصوصا إثيوبيا التي تحارب الصومال منذ قرون بسبب الصراع التقليدي القديم بين الجارتين، بسبب الخشية من تأثير تصاعد نفوذ الإسلاميين في الصومال على الأقلية المسلمة في إثيوبيا .
ولهذا لم يكن مستغربا أن يحدث تنسيق أمريكي – إثيوبي عاجل من أجل التحرك لحصار هذه السيطرة الإسلامية في الصومال، أو تدخل قوات أثيوبية إلى الصومال وتحذر المحاكم الصومالية من التقدم نحو مدينة بيداوا التي يتحصن بها الرئيس الصومالي وحكومته، أو يجري على نطاق واسع تشويه صورة المحاكم الإسلامية وتصويرها علي أنها طالبان أخرى وأن زعيمها "إرهابي"، بهدف حشد المعارضين الصوماليين ضدها .
أيضا لم يكن مستغربا أن يقدم العشرات من أعضاء الحكومة الصومالية استقالتهم خلال الأسابيع الماضية إلى (رئيس الوزراء) علي محمد جيدي لأنه – حسب قولهم – "مدعوم من القوات الإثيوبية" المنتشرة في الصومال لحماية الحكومة من تقدم الميليشيات الإسلامية التي سيطرت على مقديشو وعدد من المناطق جنوب الصومال ، كما أن الحكومة الصومالية الانتقالية التي تشكلت عام 2004 عاجزة عن فرض النظام وهي لا تسيطر إلا على منطقة بيداوة حيث اتخذت مقرا لها .
وما يلفت الأنظار – وسيكون له دور حاسم في مواجهة المخطط الأمريكي لشرق أوسط وإفريقيا جديدة موالية للغرب – أن الإسلاميين وسعوا نطاق سيطرتهم في وسط الصومال بعد استسلام ميليشيات محلية لم تقاومهم بل تعهدت بمساعدتهم على فرض الشريعة في هذا البلد الذي يشهد حربا أهلية منذ العام 1991 .

حيث سلمت ميليشيات تابعة لقبيلة (هوية) وهي أبرز قبيلة صومالية 50 آلية على الأقل كلها مجهزة بأسلحة رشاشة إلى المجلس الإسلامي الأعلى في الصومال في مدينة أدادو بمنطقة جالجود (وسط)، وهو ما عده (زعيم المجلس الإسلامي الأعلى) الشيخ حسن ضاهر أويس تطورا هاما يعكس رغبة الصوماليين في عودة الهدوء والاستقرار، ورغبتهم في أن تحكمهم الشريعة الإسلامية .
وقد أدت سلسلة الانتصارات لأن يسيطر الإسلاميون على العاصمة الصومالية وعلى جزء كبير من جنوب البلاد وجزء من وسط البلاد، كما بسطت المحاكم سيطرتها على منطقة (موجود) شمال منطقة جالجود حيث وضعت حدا لأعمال القرصنة في مرفأ مدينة هراديري الواقعة على بعد 300 كلم شمال مقديشو.
وأزعج هذا بالطبع إثيوبيا التي أرسلت قواتها داخل حدود الصومال لتحمي الحكومة الصومالية الموالية لها في بيداوة، والتي تعهدت لاحقا "بسحق" مليشيا المحاكم الإسلامية الصومالية القوية بعدما هددت المحاكم الإسلامية بشن الجهاد ضد قوات أديس أبابا لاتهامها بإرسال قوات لحماية الحكومة الصومالية الانتقالية الضعيفة حيث كشف شهود عيان توغل للقوات الإثيوبية في مدينة صومالية ثانية قريبة من بيداوة مقر الحكومة الانتقالية لحمايتها من أي تقدم للإسلاميين نحو المدينة .
وكان زعيم الإسلاميين الصوماليين الشيخ حسن ضاهر أويس قد دعا الصوماليين إلى "الجهاد" ضد إثيوبيا متهما جيشها "باجتياح" الصومال التي تشهد حربا أهلية منذ 1991، وخرج سكان مقديشو لدعم الشيخ أويس وإدانة التحرك الإثيوبي الذي وصفه بعضهم بأنه عمل استفزازي متعمد خصوصا أن هناك محاولات لإجراء محادثات سلام بين الإسلاميين والحكومة واتفاق هدنة واعتراف متبادل تم توقيعه في الخرطوم في 22 يونيو الماضي .
ويبدو أن التحرك الإثيوبي ونشر قوات في المنطقة الحدودية داخل الصومال (250 جندي وفق الصوماليين) جاء بغرض استعراض العضلات وترهيب المحاكم من الزحف تجاه بيدواة خاصة أن سيطرة قوات المحاكم تهدد قوة إثيوبيا الإقليمية في المنطقة من جهة وتهدد في الوقت نفسه الأمن الإثيوبي بسبب الخشية من أن يشجع هذا الأقلية الإسلامية علي زيادة مطالبها ، كما أن هذا يهدد بدوره المصالح الأمريكية في المنطقة المتوافقة مع المصالح الإثيوبية .
ولهذا قال الشيخ أحمد (زعيم المحاكم) من مقديشو التي بسطت المحاكم الشرعية سلطتها عليها الشهر الماضي ووسعت نفوذها إلى جزء من الصومال "سنقاتل ونموت دفاعا عن الصومال أمام العدوان الإثيوبي"، بعدما قالت إثيوبيا أنها ستدافع عن الحكومة الانتقالية إذا هاجمتها المحاكم الشرعية التي تتهمها مثل الولايات المتحدة بإيواء متطرفين بمن فيهم عناصر مطلوبين من تنظيم القاعدة .
ويبدو أن الخطر الأكبر الذي تشكله قوات المحاكم الإسلامية – بخلاف الميليشيات السابقة – هو أنها تعتبر بمثابة كيان سياسي قوي وليس مجرد قوات تحارب من الشباب خصوصا بعد اختيار الشيخ حسن ضاهر أويس- الذي تصفه أمريكا بأنه "إرهابي دولي" - رئيسا لمجلس المحاكم الشرعية في الصومال وتحول التنظيم الذي بات يسيطر على قسم من البلاد إلى كيان سياسي له برلمان خاص به ورئيس يحكم قسم كبير من أرض الصومال .
وربما لهذا بدأ الاهتمام الأمريكي ينصب علي الصومال ، ولكنه عاجز في ظل توتر الأوضاع في مناطق أخرى مثل العراق ولبنان عن التركيز علي مواجهة المحاكم الإسلامية هناك، فالولايات المتحدة تلاحق زعيم المحاكم (نحو 60 عاما) منذ نوفمبر عام 2001 وقد منعته من السفر إلى أراضيها وأخضعته لعقوبات مالية بسبب علاقاته المفترضة مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن .
ويؤكد تقرير صدر في ديسمبر عام 2005 عن مجموعة الأزمات الدولية إن أويس كان من قادة الاتحاد الإسلامي الرئيسيين، حيث كان الاتحاد الإسلامي تنظيم جهادي تم إنشاؤه مطلع الثمانينات في الصومال لكن وجوده بات شبه معدوم منذ العام 2005. وقد شارك في الحرب الأهلية التي انطلقت عام 1991 ويعد برنامجه أن القران هو الأساس للحياة السياسية والاجتماعية .
ويشير تقرير مجموعة الأزمات إلى أن أويس هو من الوجوه الرئيسية التي أنشأت محكمة "ايفكا حلان" والتي يصفها التقرير بأنها إحدى أكثر المحاكم الإسلامية تشددا .
ويرى متخصص في شؤون الصومال بأن هذه المحاكم تحولت إلى "كيان سياسي" بإنشائها هيئتين على الأقل، حيث كانت المحاكم قبل ذلك منتظمة في (تحالف المحاكم الشرعية) الذي يرأسه الشيخ شريف شيخ أحمد المعروف باعتداله كما يصفه الغرب، ثم أنشأت المجلس الجديد للمحاكم الشرعية الذي يضم 88 عضوا من بينهم أويس ويعد بمثابة الهيئة التشريعية (البرلمان) فيما يرأس الشيخ شريف أحمد الهيئة التي تلعب دور المجلس التنفيذي .
صحيح أن المحاكم لم تتحدث عن "إقامة جمهورية إسلامية"، ولكنها تثبت أقدامها يوما بعد آخر، وهذا منبع الخطورة، خصوصا أنها تكتسب في نفس الوقت مصداقية واحترام الصوماليين وتسعى للسيطرة على المناطق وإنشاء محاكم إسلامية تعيد الاستقرار والهدوء في المدن التي تسيطر عليها .
أيضا تتعامل المحاكم الشرعية بطريقة معقولة مع الحكومة الصومالية حيث توصلت في 22 يونيو إلى اتفاق اعتراف متبادل مع الحكومة الانتقالية التي استلمت مهامها عام 2004 ولم تتوصل إلى فرض النظام، ولم تنازعها السلطة فعليا ولكنها تسعى لذلك عمليا باعتبارها القوة العسكرية الأولى الآن في الصومال وتسيطر على غالبية المدن والمواني .

فهل تنجح المحاكم – والولايات المتحدة غائبة في مستنقع العراق ولبنان – في أن تفرض نفسها على الساحة وتسيطر على الصومال كله وتفرض حكم إسلامي يهدم المخططات الأمريكية في الشرق الأوسط وإفريقيا معا، أم تتدخل واشنطن للمرة الثانية لإجهاض هذا النبت الوليد، أم تفوض الإثيوبيين لمحاربة المحاكم الإسلامية نيابة عنها ؟! وهو الأمر الذي بدا واضحا بعد بدء المفاوضات بين المحاكم الإسلامية وبين الحكومة الانتقالية والذي أتبعه انفجار سيارتان ملغومتان بالقرب من مبنى البرلمان في بيداوا، وراح ضحيته ثمانية صوماليين ادعت الحكومة الانتقالية أن تنظيم القاعدة يقف من خلفه، في حين يجمع الإسلاميون على أن الدمى الحبشية التي تحركها الأيدي الأمريكية من وراءه، فهل سينجح إسلاميو الصومال في المرور بالبلاد خلل هذا الدخن وتلك المؤامرات إلى بر الأمان، هذا ما ستنجلي عنه الأيام المقبلة .
خريطة الحركات الإسلامية في الصومال
تشكل الحركات الإسلامية الموجودة حاليًّا في الصومال القوة الرئيسية في البلاد، بعد عقودٍ من الضعف والاضطهاد على يد النظام العسكري الذي كان يحكم البلاد في عهد الرئيس الصومالي الراحل محمد سياد بري، الذي كبح جماح الحركات الإسلامية، وأذاقها العذاب بكلِّ صُوَرِه من تنكيلٍ وتعذيبٍ وتجويعٍ وتشريدٍ، وكانت هذه الحركات حينها كطفلٍ رضيعٍ ليس له أسنان يقاوم بها ذلك النظام المستبد.
وعلى الرغم من كل هذه المخاطر والضغوطات التي واجهت الحركات الإسلامية، إلا أنَّها بدأت تتنفس الصعداء بعد الإطاحة بالحكومة المركزية في مطلع العام 1991م، فبدأت الحركات الإسلامية تبرز في الساحة واحدةً تلو الأخرى، حتى وصل عددها أكثر من 10 حركاتٍ إسلاميةً متنوعة، وأصبح الصراع السياسي والعسكري الحالي في الصومال بينها بدلاً من أمراء الحرب.
وتحاول هذه الورقة إلقاء الضوء على الجماعات الإسلامية التي ظهرت في الصومال، قديمًا وحديثًا، بحسب التسلسل الزمني لظهورها، في ظل التطورات العميقة التي يشهدها الوضع في الصومال في الوقت الراهن، خصوصًا بعد نجاح المعارضة ممثلة في حركة شباب المجاهدين الصوماليين في الاستيلاء على أحياء من العاصمة الصومالية ومدنٍ رئيسيةٍ مثل جوهر وماهداي.
أولاً: الطرق الصوفية
تعتبر الطرق الصوفية في الصومال أقدم الحركات الإسلامية ظهورًا، ولعبت دورًا مهمًّا في مجال نشر الإسلام في المنطقة، وأسهمت في إنشاء عدة مراكز إسلاميةٍ، عنيت بتدريس أصول الدين للمسلمين، ولها اليوم مكانة مرموقة عند الصوماليين، ومن أهم تلك الطرق:

1- الطريقة القادرية:
تنسَب هذه الحركة إلى مؤسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني المولود في العام 1026م/ 417 هـ، ودخل ببغداد، وله من العمر ثماني عشرة سنة، وتوفي في العام 1122م/ 561هـ، ودفن ببغداد، ولا يزال ضريحه حاليًّا مكان قصدٍ وتجمعٍ وزيارة من سائر الأقطار.
وأسَّس طريقته في العام 1077م، وهي أقدم الطرق الصوفية التي دخلت الصومال، بفضل اليمنيين والحضارمة الذين استقروا في المدن الساحلية في الصومال، وخصوصًا في مدينة زيلع الواقعة شمال الصومال، التي انتقلوا منها إلى العاصمة الصومالية مقديشو، ثم مدينتي ماركا وبراوة في إقليم شبيلي السفلي جنوب البلاد.
وبعد دخول الطرق الصوفية إلى الصومال، وفي العام 1819م، أسس الشيخ إبراهيم حسن يرو مركزًا للطريقة القادرية في مدينة برديرة في إقليم جدو، ثم نشر طريقته في باقي أنحاء البلاد.
2- الطريقة الأحمدية:
وأسسها السيد أحمد بن إدريس الفاسي (1760- 1837م)، في مدينة عسيس، وقد أدخلها إلى شرق إفريقيا كلها الشيخ على مية درجيا الصومالي، وقد التف حوله عدد كبير من المريدين، وخصوصًا سكان وادي شبيلي الأوسط، وتوفي في عام 1917م.
3- الطريقة الصالحية:
تُعتَبر بدورها رائدة في نشر الإسلام في هذه البلاد، الصومال، وتنتسب هذه الحركة إلى مهندسها محمد بن صالح المتوفى في العام 1513م/ 919هـ، وهي فرع من الأحمدية، وعمل على نشرها، وبعد وفاته لم تقف عجلة الحركة دورانها، بل نشرت الدعوة في البلاد، وكان قائدها من خلفه الشيخ محمد الذي أسس مركزًا للطريقة الصالحية في منطقة شدلي القريبة من بلدتَيْ جوهر وبلعد على نهر شبيلي، وكان من أهم أتباع هذه الطريقة السيد محمد عبد الله حسن الذي قاد المقاومة ضد الاستعمار البريطاني في شمال الصومال.
ومن أهم الطرق الصوفية الأخرى في الصومال: الرفاعية والختمية والدندرية، ولكن عدد أتباعها قليلٌ، مقارنة مع أتباع الطرق الصوفية الأخرى.
ويرى المراقبون أنَّ الطرق الصوفية بدأت في استعادة مكانتها على المسرح السياسي والاجتماعي الصومالي مرةً أخرى، وتسعى في سبيل إعادة حصتها الغائبة منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991م.
ثانيًا: أهل السنة والجماعة
تنظيم مسلح يعتبر واجهة من واجهات الطرق الصوفية، وبرز ردًّا على أنشطة حركة شباب المجاهدين ضد الأضرحة والقباب الصوفية في المدن الصومالية في جنوب البلاد، مثل ميناء قسمايو والقرى المجاورة له.
وفي أواخر العام الماضي 2008م دخل تنظيم أهل السنة والجماعة معارك طاحنة، أسفرت عن مقتل العشرات، وانتهت باستيلاء مجموعة "أهل السنة" على الأقاليم والمدن التي جرت حولها المواجهات، ومن بينها إقليم جلجدود، وبعض المدن الرئيسية في إقليم مدق الواقعان، وسط وشمال العاصمة مقديشو.
ووجد هذا الفصيل الجديد دعمًا من بعض القوى المعادية للفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى، مثل زعماء حرب سابقين وشيوخ عشائر، ولكن لا يزال تأثيره محدودًا لعدم التنظيم، ولم يكن له نشاط مسلح ضد الاحتلال الإثيوبي السابق في البلاد.
وهناك تحليلات كثيرة أشارت إلى أنَّ إثيوبيا تولَّت تدريب وتسليح الفصيل الجديد؛ لاستخدامه كرأس حربة لكسر شوكة الإسلاميين المعارضين لها، وعزز من تلك التكهنات تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بأن حكومته تساعد القبائل التي تحارب من وصفهم بالإرهابيين (الشباب)، وذكر أن قبائل احتضنت تلك المجموعات في أول أمرها، وهي الآن التي تقود الحملة ضدهم، وكذلك تصريحات العديد من أمراء الحرب، مثل بري هيرالي حاكم كيسمايو السابق الذي طردته حركة الشباب حين قدَّم نفسه لوسائل الإعلام بأنه يحارب تحت راية أهل السنة والجماعة.
ولهذا السبب- فيما يبدو- ظهر متحدثون عديدون لـ"أهل السنة" (الطرق الصوفية) بين من يتبنى المعارك ضد "الشباب"، وبين نافٍ لها يرى أن "أهل السنة" (الصوفية) ليست طرفًا فيما يجري.

وفي عدة تصريحات لمتحدثين في وسائل الإعلام للطرق الصوفية تم استخدام مصطلح "الخوارج الجدد"، أو "خوارج العصر"، ومن جانبها حرصت حركة الشباب على نفي دخولهم معارك مع الطرق الصوفية، ووصفوا المجموعة الجديدة بـ"عملاء إثيوبيا".
وقد أعاد بعض المراقبين المعارك التي شهدتها محافظة جالجدود وسط الصومال إلى رغبة العشائر المحلية في التخلص من سطوة الحركة المتهمة بممارسة التصفيات الجسدية لمعارضيها، ومحاولة فرض رؤيتها المتشددة على الجميع، ومحاربتها تحت راية دينية، في ظل الاستحقاقات القادمة من انسحاب إيثوبي، وتقسيم السلطة بين الحكومة وتحالف التحرير.
ثالثًا: الاتحاد الإسلامي
يعود تاريخ ظهور الاتحاد الإسلامي كحركةٍ منظمةٍ إلى العام 1973م، إبَّان الحكم العسكري لمحمد سياد بري، ومهندس فكرة تأسيسه هو عبد العزيز فارح، الذي كان لا يزال خريجًا في إحدى الجامعات السودانية آنذاك، وكان العلامة الشيخ محمد معلم من أبرز علماء الاتحاد، كما كان أيضًا الأب الروحي للدعوة الإسلامية في الساحة الصومالية، التي كانت واقعةً تحت تأثيرات النظام الاشتراكي الذي كان قائمًا في البلاد، وفي بلدان عربيةٍ وإفريقيةٍ أخرى.
ومع مرور فترةٍ من الزمن ازدادت أعداد الشباب المنضمين تحت لواء الاتحاد الإسلامي، بعد ازدياد الوعي الديني لدى الناس، وكان من مظاهره عودة المساجد إلى الامتلاء بالشباب رويدًا رويدًا، وهو ما دعا حكومة سياد بري وقتها إلى تبني مجموعة من القرارات والإجراءات لحظر التجمع في المساجد، وعدم مخاطبة الجماهير في المساجد دون إذنٍ مسبقٍ من الحكومة الصومالية.
وفي الإطار نفسه بدأت الحكومة الصومالية في مقاومة الاتحاد الإسلامي مع تنامي وجوده؛ حيث رأت فيه الحكومة مكمن خطر على مصالحها، لدرجة أنَّها أعدمت عشرة من العلماء الصوماليين في العام 1975م، بعد رفضهم قانونًا يقضي بالمساواة بين الرجال والنساء في الإرث، وفي الحقوق العامة، كما أودعت الحكومة في سجونها عشرات من العلماء الصوماليين.
وبعد سقوط نظام سياد بري عام 1991م، بدأ الاتحاد يعيد تنظيم صفوفه، وحمل السلاح ليرفع راية الجهاد ضد أمراء الحرب وغيرهم، وتمكن الاتحاد من السيطرة على الأقاليم الحدودية الواقعة في جنوب الصومال، وأسس إماراتٍ إسلاميةٍ في المناطق التي استولى عليها.
وفي العام 1996م، دخل الاتحاد معارك كبيرة مع القوات الإثيوبية التي كانت تتوغل بين حينٍ وآخر في الأقاليم الجنوبية من الصومال، وكبدها خسائر هائلة في الأرواح والمعدات، وقد أفلح الاتحاد في مواجهة هذا العدو التقليدي والتاريخي الذي يستغل الفرقة، والفوضى العارمة التي ضربت البلاد؛ للتدخل في شئونها.
ونتيجة لدوره اكتسب الاتحاد الإسلامي شعبيةً، إلا أنَّه اكتسب أيضًا عداوات في الداخل والخارج؛ حيث اعتبرته الولايات المتحدة من المنظمات الإرهابية، لكن الاتحاد تجاهل كل التهم الموجهة له، وعمل على توسيع دائرة نفوذه؛ حتى أسس إمارة جدو الإسلامية ورأس كمبوني، جنوب الصومال، وانضم الاتحاد إلى صفوف المحاكم الإسلامية في بداية العام 2006م؛ حيث شارك في اكتساح أمراء الحرب، وتثبيت أركان المحاكم في الحكم، حتى أطاحت بها قوات الاحتلال الإثيوبي في العام 2007م.
رابعًا: حركة الإصلاح في القرن الإفريقي
حركة الإصلاح هي حركة إسلامية وطنية تهدف إلى إصلاح المجتمع الصومالي من جميع الجوانب الحياة المختلفة، وهي فرعٌ من حركة الإخوان المسلمين، وتأسست في 11 يوليو عام 1978م، على يد عددٍ من دعاة الإخوان، ومن أبرزهم عبد الغني أحمد آدم- توفي بالكويت في 17 أغسطس 2007م، وكان عضوًا في الموسوعة الفقهية الكويتية-، والدكتور علي شيخ، وتسعى الحركة إلى الارتقاء بالمجتمع ماديًّا ومعنويًّا؛ وذلك فتحت الحركة العديد من المراكز التعليمية في مختلف أنحاء البلاد، وقامت بتأسيس جامعة مقديشو، أكبر جامعات البلاد.
وتتجنب الحركة أنْ تشارك رسميًّا في الأعمال المسلحة، وتسعى إلى إيجاد عالمٍ يسود فيه السلام والعدالة الاجتماعية والحرية، وقيم التسامح والاحترام.
وتميزت نشاطات الحركة بالاهتمام بالمشاريع الاجتماعية الخدمية، والمشاركة الفردية في الأنظمة السياسية القائمة، كما التزمت السرية والعمل الهادئ، وتجنب مواجهة المجتمع، وليس من منهج الحركة السعي إلى التغيير بالعنف أو بواسطة الانقلابات والثورات، ولكن التغيير المنشود هو الذي يأتي بالتدرج في النضج، وعلى أساس نهج الإصلاح التراكمي المبني على الوسطية.
كما تسعى الحركة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة، وأن تكون أساس التشريعات المختلفة، كمطلبٍ جماهيريٍّ.
خامسًا: المحاكم الإسلامية
نشأت المحاكم كإفرازٍ طبيعيٍّ لأوضاع الفوضى التي سادت الصومال بعد الإطاحة بنظام سياد بري في العام 1991م؛ حيث اهتمت الجماعات الإسلامية بحماية أمن المواطنين وممتلكاتهم، وحراسة المنشآت العامة، ثم اتخذت بعد ذلك شكلاً مؤسسيًّا مُنظَّمًا، وكانت المحاكم الإسلامية إحدى أبرز هذه التنظيمات، والتي نشطت عقب رحيل القوات الأمريكية والقوات الغربية الأخرى من جميع أنحاء الصومال في العام 1995م.
وكانت في البداية عبارة عن سلسلةٍ من اللجان الخدمية والمحاكم الشرعية، التي هدفت إلى حفظ الأمن، والفصل بين المتخاصمين عبر الاحتكام إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، بالتعاون مع شيوخ القبائل، ولم تكن تنظيمًا حركيًّا بالمعنى التقليدي، بل ضمت داخل صفوفها أغلب القوى والفعاليات الدينية في الصومال من سلفية، وصوفية، وإخوان، وجهاديين.
وكان لكل قبيلة محكمة خاصة تنظم شئونها، وانتشرت في ربوع أرض الصومال، وخاصة مقديشو التي يسكنها أكثر من 3 ملايين نسمة، وفيها أكثر من عشرة محاكم تابعة للقبيلة التي تسكن حي المحكمة، وكانت هذه المحاكم تحل بعض المشاكل الاجتماعية والأسرية المتعلقة بالسرقة وقطاع الطرق والزواج والطلاق، وكان ذلك مطلبًا شعبيًّا، وخصوصًا في جنوب الصومال.
ومع مرور فترة من الزمن انتشرت المحاكم الإسلامية في البلاد، وبدأت تسيطر على المناطق الجنوبية واحدة تلو الآخر، إلى أنْ سقطت العاصمة مقديشو في أيديها في العام 2006م، فأصبحت المحاكم قوةً سياسيةً في القرن الإفريقي، ودعم من موقفها تخلصها من أمراء الحرب الذين استجابوا المطالب الأمريكية بعد 11 سبتمبر، وتعاونوا مع الأمريكيين في ضرب الجماعات الإسلامية.
واستطاعت المحاكم الإسلامية ملء الفراغ الأمني الذي كانت تشهده العاصمة الصومالية، ولاح في الصومال عصرًا من الاستقرار لم تعرفه منذ العام 1991م.
وتحوَّل نظام المحاكم إلى نظام حكومةٍ إسلامية، وكان مجلس المحاكم يتشكل من عددٍ من المجموعات التي تجمعت لمقاتلة أمراء الحرب، ومن أبرز هذه المجموعات: شباب المجاهدين وحركة إقليم شبيلي السفلي، وهيئة العلماء، ومعسكر رأس كمبوني، وإدارة دينيلي، وحزب الإنقاذ، ومجموعة الوحدة، ومجموعة الجبتين، ومجموعة شركة بنادر، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجموعة بلعد، وأخيرًا إدارة عيل جرس.
وانتخب مجلس المحاكم الإسلامية مجلسًا للشورى، وانبثقت منه لجنتان، وهما: اللجنة التنفيذية بزعامة الشيخ شريف، واللجنة الدائمة برئاسة الشيخ حسن ضاهر أويس.
ولم تكتفِ المحاكم الإسلامية أواخر عام 2006م بالمناطق التي كانت خاضعة لها، وأصبحت تطمح في أنْ تسيطر على الصومال بأكمله، وخاصةً مدينة بيداوا التي كانت تعتبر مكانًا لتوغلات الجيش الإثيوبي، وكانت مركزًا للحكومة الصومالية الانتقالية إبَّان حكم الرئيس السابق عبد الله يوسف.
وعلى الرغم من استضافة الخرطوم لمبادرة سلام بين الحكومة والمحاكم الإسلامية، إلا أنَّ كل جولات الحوار انتهت بالفشل، لرفض المحاكم فكرة تقاسم السلطة في البلاد.
وأخيرًا أمهلت المحاكم القوات الإثيوبية التي تتمركز في مدينة بيداوا، والتي كانت تدعم الحكومة الفيدرالية، أسبوعًا للانسحاب من الصومال، ثم دخلت القوات الإثيوبيَّة الصُّومال أواخر عام 2006م؛ لدعم الحكومة الانتقاليَّة في مواجهة مقاتلي "اتحاد المحاكم الإسلامية"، ونجحت تلك القوات مع القوات الحكوميَّة في هزيمة قوات المحاكم، التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة من وسط البلد وجنوبه.
وكانت القشة التي قصمت طهر البعير عندما هاجمت المحاكم مراكز للحكومة الفيدرالية في إقليم باكول، وكانت قوات الحكومة على أهبة استعدادات لملاقاة مقاتلي المحاكم، فاجتاحت القوات الحكومية الفيدرالية المدعومة بالقوات الإثيوبية الأقاليم الجنوبية في الصومال، حتى وصلت قوات الاحتلال الإثيوبية صباح يوم 28/12/2006م إلى رأس الصومال لأول مرة في تاريخها القديم والحديث.
وفي مطلع عام 2008م استعادت المحاكم الإسلامية عافيتها مرةًَ أخرى، وشنَّت هجماتٍ متتاليةً على الحكومة والقوات الإثيوبية، حتى اضطرت القوات الإثيوبية للانسحاب من الصومال في مطلع عام 2009م، بعد اتفاق جيبوتي الذي جاء بشيخ شريف شيخ أحمد للحكم في الصومال.
وأبرز قيادات المحاكم حاليًّا عبد الرحيم عيسى عدو الناطق الرسمي للحركة، ووزير الداخلية في حكومة شيخ شريف، الشيخ عبد القادر علي عمر.
سادسًا: جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة
تعتبر واحدةً من أكبر الجماعات الدعوية في الصومال، وشهدت عدة تحولات في تسميتها، وفي شكلها التنظيمي، وقد جاءت بعد حدوث اندماجات وضم فصائل أخرى منذ العام 1982م؛ حيث تأسس الاتحاد الإسلامي إثر اتحاد جماعتين إسلاميتَيْن كانتا امتدادًا للدعوة السلفية في الصومال، وهما: الجماعة الإسلامية في الجنوب، والوحدة في الشمال، بحسب دراسة أعدها الباحث الصومالي محمد عمر.
ثم عُرفت بعد ذلك باسم "جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة" عام 1996 إثر اندماج ثنائي بين الاتحاد الإسلامي والتجمع الإسلامي في الشمال، الوحدة سابقًا، مع تعليق النشاط المسلح، ثم باسم "جماعة الوفاق الإسلامية"، وهو ائتلاف ثلاثي يضم: الاعتصام، والتجمع الإسلامي (آل الشيخ)، ومجموعة من المستقلين في 27 مايو 2008م، ولكن فيما يبدو أن الائتلاف تلاشى قبل أن يرى النور فلم يسمع له ذكر منذ تأسيسه.
والاعتصام جماعة سلفية تقول إنها تفهم الإسلام فهما شموليًّا مقيدًا بفهم السلف الصالح في العقيدة والدعوة والسلوك ومنهج النظر والاستدلال، ومن أبرز معالم دعوتها- استنادًا إلى مصادر الحركة- اهتمامها البارز بأمور العقيدة والاتباع والتأصيل للمسائل السياسية، ونشر العلم الشرعي، والسعي لتحقيق الوحدة بين العاملين في حقل الدعوة في الصومال، وتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد.



سابعًا: حركة شباب المجاهدين
هي الفصيل الأبرز في الوقت الرَّاهن على السَّاحة، وتسيطر على مساحاتٍ واسعةٍ من الصُّومال، ومن ضمنها مدنٍ رئيسيَّةٍ، ومن بينها بيداوا، مقر البرلمان الصُّومالي المؤقَّت، وموانئ إستراتيجيَّة مثل كيسمايو وماركا، وتمثل برفضها لاتفاق جيبوتي ورفضها لانتخاب شريف رئيسًا للبلاد التَّحدي الأكبر له.
وتعود أصول تنظيم "حركة شباب المجاهدين الصوماليين" إلى تنظيمٍ آخرٍ أُمٍّ؛ كان اسمه "الاتحاد الإسلامي"، وبحسب الخبير الصومالي في شئون القرن الإفريقي علي حِلِّني، فإن الاتحاد كان هو التنظيم الإسلامي الوحيد الذي كان له جناح عسكري يقاتل على الأرض بعد انهيار الحكم المركزي في الصومال واندلاع الحرب الأهلية بعد الإطاحةِ بنظام الرئيس الصومالي محمد سياد بري في العام 1991م.
ودخل هذا التَّنظيم في حربٍ مع عددٍ من أمراء الحرب الصوماليِّين، ثم تحوَّل اسم التنظيم إلى "جماعة الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة" بعد اندماجها مع تنظيمات إسلامية صومالية أخرى في العام 1996م.
وعندما قررت جماعة الاعتصام إلقاء السلاح من تلقاء نفسها والدخول في العمل الدعوي وتفكيك المعسكرات، في العام 2006م، وقامت بتسريح مقاتليها، فإنَّ مجموعةً كبيرةً من مقاتلي الحركة رفضوا ذلك، وكونوا تنظيمًا خاصًّا بهم تحت اسم "الشباب المجاهدين"، وتم فصلهم من جماعة الاعتصام.
وبعد إنشاء اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال كان تنظيم الشباب جزءًا رئيسيًّا منه، إلا أنَّه احتفظ بأطره التنظيمية، واختلف مع المحاكم الإسلامية بعد إنشاء "التحالف من أجل تحرير الصومال" في العاصمة الإريترية أسمرا، بقيادة الشيخ شريف شيخ أحمد في سبتمبر عام 2007م.
واعتبرت حركة "شباب المجاهدين" هذه الخطوة "غير متوافقة" مع مبادئهم، ورفضوا ما أسموه الانضمام إلى "رايةٍ غير إسلامية".
وردًّا على قيام وزارة الخارجية الأمريكية بإدراج "الشباب" في قائمة ما يُعرف باسم "المنظمات الإرهابية الأجنبية" في 28 فبراير 2008م، بتهمة الارتباط بتنظيم القاعدة، أعلن قادة التنظيم أنَّه ليست بينه وبين تنظيم القاعدة صلات تنظيمية، لكن أدبيات حركة شباب المجاهدين تُشابه أدبيات تنظيم القاعدة، وكذلك فإن المتحدث باسم التنظيم الشيخ مختار روبو اعتبر أنَّ القاعدة هم "إخوتنا في الجهاد"، بيد أنَّه لم يؤكد وجود علاقةٍ تنظيميَّةٍ بين الطرفَيْن.
وتقاتل عناصر عربية وإسلامية في صفوف حركة شباب المجاهدين، من مصر ولبنان والسعودية وباكستان، واستدل الخبراء على ذلك من تصريحاتٍ للشيخ ربو قال فيها أكثر من مرة إنهم "يفتخرون بانضمام مجاهدين مهاجرين" إلى صفوف الحركة، وقد تمَّ رصد استشهاد بعض المقاتلين الأجانب في معارك بين مقاتلي الشباب والقوات الإثيوبية التي تحتل البلاد.
وكما سبق القول، كانت حركة الشباب من المجالس التي تشكل منها مجلس المحاكم الإسلامية في الصومال، وقد كانت الحركة توصف في البداية على أنَّها الجناح العسكري للمحاكم، وتحديد في فترة بروز المحاكم في العاصمة مقديشو.
وقد فرضت الحركة آنذاك على مالكي المحلات السينمائية التي انتشرت في العاصمة بإغلاق أبوابها، وحظرت تعاطي القات.
يعتبر آدم حاشي عيرو المكني بـ"أبو محسن الأنصاري" الأب الروحي للحركة، وهو أول رئيس لها، وكان آدم من مدربي مقاتلي المحاكم الإسلامية.
واتهمت الولايات المتحدة الأنصاري بالضلوع في تفجير السفارتَيْن الأمريكيتَيْن في دار السلام ونيروبي في العام 1998م، وأصبح من المطلوبين أمريكيًّا، وفي مطلع من مايو العام 2008م، قُتِلَ الأنصاري في قصفٍ جويٍّ أمريكيٍّ على مدينة طوسمريب الواقعة وسط الصومال، على بعد 500 كيلومترًا إلى الشمال من مقديشو، وكان برفقته الشيخ محيي الدين محمد، الذي كان وزيرًا للصحة في حكومة المحاكم إبان سيطرتها على جنوب الصومال.
ويعتبر الناطق باسم الحركة مختار علي ربو، والمكني بـ"أبو منصور"، من الشخصيات القيادية حاليًّا في الشباب، ويُعتَقَد أنَّه تلقَّى تدريباتٍ عسكريةٍ في مراكزٍ تابعةٍ لتنظيم القاعدة في أفغانستان، ومن أبرز قادة الحركة أيضًا عبد أحمد جوداني وإبراهيم جامع، وهما ينتميا للمناطق الشمالية من الصومال، والذي يتمتع بشبه حكمٍ ذاتيٍّ مند سقوط نظام سياد بري في العام 1991م.
ثامنًا: الحزب الإسلامي
في مطلع العام الحالي أعلنت أربع جبهاتٍ إسلاميةٍ صوماليةٍ تأسيسها تحالفًا جديدًا معارضًا لحكومة شيخ شريف، وأطلقت عليه اسم "الحزب الإسلامي"، ووقتها قال الشيخ حسن مهدي، مسئول جناح أسمرة من المحاكم الإسلامية في الداخل الصومالي، في مؤتمر صحفي في العاصمة مقديشو: "إنَّ الهدف من وراء هذا الحزب هو توحيد أعمال المقاومة لمحاربة الكفار في البلاد"، في إشارة إلى قوات حفظ السلام الإفريقية (أميصوم) الموجودة في البلاد.
يبلغ قوام قوة حفظ السَّلام الإفريقية الموجودة في الصومال3200 عنصر، وتتكون من قوات من أوغندا وبوروندي، ويخطط الاتِّحاد الإفريقي للوصول بهذا العدد إلى 8 آلاف عنصر.
وترى فصائل المعارضة الصُّوماليَّة المُسلَّحة أنَّ الوجود العسكريِّ الإفريقيِّ في الصُّومال إنَّما هو وجود احتلاليُّ، ويعتبر امتدادا للاحتلال الإثيوبيِّ للصُّومال، والذي أنهى وجوده العسكري في البلاد في 25 يناير الماضي.
والتَّحالُف الجديد اختار الدُّكتور عمر إيمان أبو بكر، أحد قيادات جناح أسمرة في المحاكم الإسلاميَّة، رئيسًا لهذا الحزب، في حين اختاروا الشَّيخ حسن تركي رئيس معسكر رأس كامبوني، وهو فصيل صومالي مسلح معارض للعملية السِّياسيَّة، نائبًا له.
والجبهات المتحالفة المنضوية تحت لواء الحزب الجديد هي: المحاكم الإسلاميَّة- جناح أسمرة، ويرأسه الشَّيخ ضاهر عويس، والجبهة الإسلاميَّة، ومعسكر رأس كامبوني بقيادة حسن تركي، ومعسكر عانولي، وهو فصيلٌ مسلَّحٌ صغيرٌ ينشط في مناطق وسط وجنوب البلاد، بالإضافة إلى معسكر خالد بن الوليد.
أما الجبهة الإسلامية الصومالية، فهي إحدى فصائل المقاومة الإسلامية الرئيسية، وبرزت كذراعٍ عسكريةٍ لجماعة الاعتصام السلفية في العام 2008م، وانشقت عن قوات المحاكم الإسلامية، وشدّدت منذ بيانها الأول على تبني الخط الجهادي "كطريقٍ وحيد لطرد المحتل ومن والاه"، كذلك العمل على إقامة دولة إسلامية، وتنفي الجبهة ارتباطها بأي جهة خارجية، على عكس حركة الشباب.
وخلال العام الماضي تردد اسم الجبهة على وسائل الإعلام المحلية، وفي تقارير عالمية، وقد تبنت العديد من العمليات، وفيها عمليات تفجير وهجمات، ونصب كمائن والاستيلاء على مدن، وأوضح قادة الجبهة في مناسبات عديدة أنها لا تستهدف الصوماليين في جهادها، وفي 2 فبراير 2009 أصبحت الجبهة الإسلامية عضوًا في الحزب الإسلامي.
وقد التقى الدكتور عمر إيمان عددًا من العسكريين الإسلاميين ليتشاور في تأسيس هذا الحزب، فبدأ سيره من مدينة طوبلي، مرورًا بالأقاليم الجنوبية، حتى وصل إلى مقديشو، وبعد وصوله العاصمة أعلن تأسيس الحزب الإسلامي في 13 يناير 2009م، وأعلن حربًا على القوات الإفريقية كما قال مهدي.
تاسعًا: التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال
أسس في العاصمة الإريترية في سبتمبر من العام 2007م، بإشرافٍ مباشرٍ من الحكومة الإريترية، لتوحيد قوى المقاومة الصومالية، وإيجاد قنوات اتصال مع العالم، وتألف من المحاكم الإسلامية، وأعضاء منشقين من برلمان الحكومة الانتقالية الصومالية بقيادة رئيس البرلمان الصومالي شريف حسن شيخ آدم، وممثلين للجاليات الصومالية في المهجر، وأعضاء من المجتمع المدني، وانتخب شيخ شريف أحمد رئيسًا تنفيذيًّا للتحالف، وشريف حسن آدم رئيسًا للجنته المركزية.
وانشق التحالف بعد بدء المفاوضات مع الحكومة الانتقالية الصومالية بوساطةٍ أممية في جيبوتي في شهر مايو 2008م، وأعلن حسن ضاهر أويس، العضو في التحالف، ورئيس شورى المحاكم، رفضه لنتائج المفاوضات، وانقسم التحالف إلى جناحَيْن، جناح جيبوتي بقيادة شريف، وجناح أسمرا بقيادة أويس.
عاشرًا: رابطة العلماء الصوماليين
تنظيم يضم عدد من العلماء البارزين في البلاد، ويستهدف توحيد جهود التنظيمات والمؤسسات الإسلامية بصرف النظر عن توجهاتها، ويشرف التنظيم على عددٍ كبيرٍ من المساجد والمدارس الإسلامية، ويُصدر فتاوى فيما يعرض عليه من الأمور المختلفة، ويرتبط بهذا التنظيم الحزب الإسلامي الصومالي؛ حيث يخضع التنظيمان لرئاسة واحدة.
رابطة العلماء تعد مظلة تجمع أطياف من العلماء الكبار بشتى توجهاتهم، وفيهم معتدلون من الصوفية، مثل الشيخ شريف شيخ محيي الدين علي، والشيخ حسن عدي وغيرهما، وقد تأسست الرابطة في العاصمة مقديشو عام 2002م، وقامت ببعض الأعمال الخيرية في حينها، لكنها تلاشت بعد ظهور المحاكم الإسلامية، إلا أنَّها عاودت الظهور وفي الآونة الأخيرة، وتمخضت عنها لجنة المصالحة بين الفصائل الإسلامية، والتي سعت للتوعية حول مسائل الجهاد وتقريب وجهات النظر بين الفصائل، ويرأسها الشيخ بشير أحمد صلاد، ومن أعضائها الشيخ نور بارود، والشيخ أحمد طعسو.
رأي الإخوان في 3 قضايا مهمة
اهتم الرأي العام في الأيام الأخيرة بثلاث قضايا يحرص الإخوان المسلمون فيها على إبداء رأيهم الذي يتمثل في الآتي:
أولاً: الرقابة السياسية على الإعلام تجهض الحريات وتعمق الديكتاتورية وحكم الفرد
إن الحديثَ عن إنشاء مفوضية للإعلام في هذه المرحلة، والذي أُثير في اجتماع وزراء الإعلام العرب الأخير، يضيف مزيدًا من الشكوك حول جدوى الحديث عن التحول السياسي نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في العالم العربي في ظلِّ النظام العربي القائم الآن؛ ولذلك فإننا نؤكد ما يلي:
1- ضرورة أن تتوحد جهود كل المنظمات غير الحكومية، ومنظمات حقوق الإنسان، والمؤسسات الإعلامية، وخاصةً المستقلة منها- حتى وإن تباينت وسائلهم- لتحقيق الأهداف المرجوة من الإعلام الحر في الإصلاح، وتبني قضايا الأمة، والتصدي لموجات الصهينة والتطبيع وأصحاب المصالح الخاصة.
2- ضرورة تكوين هذه المؤسسات الحرة "اتحادًا حرًّا للإعلام العربي والإسلامي" يكون معبرًا عن الأمة بحق، ويتصدى باحترافية واقتدار للمشاريع الإعلامية التي تساعد على التغلغل الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
ثانيًا: الصهاينة مصدر الصراع والتوتر وعدم الاستقرار
إن إثارة نتنياهو للأبعاد الدينية والعقيدية المتطرفة للصراع في المنطقة يؤكد طبيعة الدور الصهيوني في تأسيس ورعاية الدولة اليهودية على أرض فلسطين ظلمًا وعدوانًا، ويشكل وقودًا للحرب في المنطقة والعالم كله.
ولأن الجهود والمساعي التي تُبذل من المؤسسات الشعبية والحقوقية على المستوى العالمي، لفك الحصارعن الشعب الفلسطيني في غزة، وهي تُنادي بالحريةِ والأمن والحق في الحياة الكريمة؛ ليس لها مردود على أرض الواقع بسبب الصلف والغرور الصهيوني، خاصةً أن المنظمات الدولية (الأمم المتحدة وأمينها العام، والاتحاد الأوروبي ومنسقه العام، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية) لا تقوم بدورها بصورةٍ فعَّالةٍ ومؤثرة لفك الحصار ودفع الصهاينة لتغيير مواقفهم، وهذا ما أصرَّ عليه وزير دفاع الكيان الصهيوني عند زيارته لمصر؛ ولذا فإن الإخوان يؤكدون ما يلي:
1- ضرورة استمرار ودعم المقاومة بكل صورها وأشكالها.
2- العمل على تحقيق الوحدة بين الشعوب العربية والإسلامية لمواجهة الإرهاب الصهيوني والعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني صاحب الحق الأصيل في أرض فلسطين.
ثالثًا: الأحداث الجارية في إيران:
يؤكد الإخوان المسلمون النقاطَ التالية بالنسبة للوضع الراهن في إيران:
1- ما يجري الآن في إيران شأن داخلي بحت ويخص أهل إيران وحدهم شعبًا ونظامًا.
2- نرفض التدخل الأجنبي، وخاصةً من أمريكا وغرب أوربا والصهاينة في الشئون الداخلية لإيران أو غيرها من الدول.
3- نؤكد حق الشعوب في اختيار ممثليها وحكامها بحريةٍ تامةٍ لتحقيق مصالحها، وفي اختيار النظم والدساتير التي تحكمها دون تدخلٍ من أحد

الاثنين، 22 يونيو 2009

دور الشباب في صناعة نهضة الأمة

[17:03مكة المكرمة ] [18/06/2009]









رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فإن فتَياتِنَا وفتْيَانَنا هم عُدَّةُ المستقبل، ومعقِدُ الأمل في النهوضِ بأمتنا، والخروجِ بها من التخلُّف والتقهقر، إلى الرقيِّ والتقدم، متى قمنا بواجبنا معهم في التربيةِ الصحيحةِ على الإيمانِ الصادقِ، والنفسِ الفاضلةِ، والخلُقِ الساميِ النبيلِ، وإيقاظِ الشعور الحي، الذي يسوق شباب الأمة إلى الذَّود عن كرامتِها، والجِدِّ في استردادِ مجدِها، وحمايةِ دينِها وأرضِها، واستخراجِ كنوزِها، وتطويعِ مواردِها، واستغلالِ خيراتِها، وتجاوُزِ كلِّ عقبةٍ تحُولُ دون تحقيقِ هذا الهدف، وتَحَمُّلِ كلِّ عنَتٍ ومشقةٍ في سبيلِ الوصولِ إلى هذه الغاية، وذلك هو الغرضُ الأول الذي يرمي إليه الإخوان المسلمون، حتى تستردَّ الأمةُ مجدَها وكرامتَها, وتسترجعَ قيادتَها وسيادتَها, وتُعيدَ إلى العالمِ الإنسانيِّ ما فقَد من خيرٍ وهدايةٍ, وما خسِرَ من سعادةٍ وصلاحٍ؛ لأن الله عز وجل قضى ألا تقومَ الدعواتُ والأفكارُ إلا على قوةِ الشبابِ، فهذه سيرةُ النبي صلى الله عليه وسلم وسِيَرُ المصلحين تنبِّئنا بأن الشبابَ هم أهلُها وناصرُوها.



الشباب عماد النهضات

شبابُ الأمة هم مصدرُ قوتِها, وصُنَّاعُ مجدِها, وصِمامُ حياتِها, وعنوانُ مستقبلِها, فهم يملكون الطاقةَ والقوةَ وشيئًا من الفراغ والرغبة، وبخاصةٍ الطلابُ الذين انتهت امتحاناتُهم، والشبابُ الذين قعدت بهم الظروفُ العامَّةُ عن تحصيل الوظائف والأعمال المناسبة، وحين يمتلك أهلُ الرأي والحكمة في الأمة مشروعًا إصلاحيًّا صادقًا وصحيحًا ومنسجمًا مع عقيدة الأمة وتاريخها وحضارتها، ويقدِّمونه لهؤلاء الشباب؛ فإنهم يندفعون بحماسة لحَمْلِ هذا المشروعِ والدفاعِ عنه، والسيرِ به نحو التحقيقِ والتمكينِ.



وهذا ابْنُ عَبَّاسٍ يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ بَدْرٍ: "مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا"، فَتَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّانُ، وَثَبَتَ الشُّيُوخُ عِنْدَ الرَّايَاتِ.. الحديث (النسائي والبيهقي)



وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما آتى الله عز وجل عبدًا علمًا إلا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب" ثم تلا قوله عز وجل: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (الأنبياء: 60)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: 13)، وقوله تعالى: ﴿وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم: 12).



ولذلك كان من أولويات دعوتنا الإصلاحية المباركة: الاهتمام بالشباب، وكان من خصائصها: شدة الإقبال من الشباب من كل مكان على دعوة الإخوان؛ يؤمن بها ويؤيدها ويناصرها, ويعاهد الله على النهوض بحقِّها والعمل في سبيلها.



المؤامرة على الشباب المسلم

في الوقت الذي يفتقِد فيه كثيرٌ من شباب الأمة القدوةَ الحسنةَ في المجالات المختلفة؛ فإن هؤلاء الشباب يتعرَّضون لمؤامرة كبيرة، متعددة الوجوه والأشكال والأساليب، تنفِّذها فئةٌ متسلِّطةٌ على كثير من مقدَّرات الأمة ومنابرها الثقافية والإعلامية والتربوية، تتعاون مع أعداء الإسلام في ترويج الأفكار المنحرفة، والمذاهب الباطلة، والدعوات المضللة، والأفلام الماجنة الفاجرة، والمخدّرات المفسدة، وغير ذلك من ألوان الترف العابث، وأصناف التفاهات الفارغة، وأسباب الفساد المستشرية؛ بقصد إضعاف الأمة الإسلامية وتليين دفاعاتها، وتحطيم مناعتها، وضياع مالها ورجولتها، وقتل شهامتها، وإفساد عقول شبابها، وتشكيكهم في دينهم ومنهاجهم، والحيلولة بينهم وبين المُثُل العليا التي يزخر بها تاريخهم البعيد والقريب، وتربيتهم على الميوعة والإهمال، واتباع الهوى والشهوات، وعدم الاكتراث بأمور الأمة، وهم يعملون على أن يميلَ الشباب ميلاً عظيمًا عن الهدى إلى الضلال، وتضيعَ أوقاتُهم وطاقتُهم هدرًا في غير مصلحة دينية ولا دنيوية؛ حتى تتم السيطرة عليهم، ويسعَوا لأن يكون همُّ أحدهم أو إحداهن مظهرًا فارغًا أو أكلةً طيبةً أو ثيابًا أنيقةً أو مركبًا فارهًا أو وظيفةً وجيهةً أو لقبًا أجوفَ، وإن اشترى ذلك بحريته، وإن أنفق عليه من كرامته، وإن أضاع في سبيله حق أمته، وبذلك تستمر الأمة في التأخر عن مصافِّ الأمم المتقدمة، ويتغلَّب عليها الخصوم ويقهرها الأعداء.. إنه سعيٌ حثيثٌ لمسخ الهُوِيَّة ومحو الخصوصية، وتخدير شباب الأمة، وإفساد أخلاقهم، فضلاً عن اقتيادهم بذلك في الآخرة إلى النار والعذاب الأليم، والعياذ بالله.

مؤامرةٌ تدور على الشباب ليعرض عن معانقة الحراب

مؤامرةٌ تقول لهم تعالوا إلى الشهوات في ظل الشراب

مؤامرةٌ مراميها عِظام تدبِّرها شياطين الخراب



دور المجتمعات الإسلامية نحو الشباب

ليكن معلومًا أن المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى بذل طاقات عظيمة لإحياء الإيمان في نفوس الشباب، وإشعار المسئولين عن الشباب، من الآباء والأمهات والمدرسين والدعاة والمثقفين والإعلاميين والقادة السياسيين، بضرورة التعاون وبذل جميع الجهود والطاقات في صرفِ شباب الأمة عما يضرُّ بدينه وأخلاقه وصحته، وصرف طاقاتهم فيما يفيد الأمة، ونرى أن السبيل لذلك يتمثل فيما يلي:



أولاً: تربية الشباب على العيش في ظل رسالة سامية، وتحصينهم بالعلم والإدراك، وبثّ روح الوعي لِمَا تنطوي عليه تعاليم الإسلام في النفوس، ولِمَا ينبغي أن يكون عليه الشباب من استقامة واعتدال، وفق منهاج الإسلام؛ لكي يؤدُّوا ما ينتظرهم من مهمَّات جسيمة، في خدمة دينهم ووطنهم وأمتهم، وإنني أدعو الجامعات العلمية والمؤسسات الرسمية والأهلية والجماعات المهمومة بحاضر الأمة ومستقبلها أن تُولِيَ هذا الأمر اهتمامَها، وأن تُعنَى بتربية شباب الأمة ورجالها على التفكير الواعي، والتصدِّي الجادِّ لكل ما يُبَثُّ من مكرٍ، وإدراكِ ما يراد بأمة الإسلام من سوء، وليكن عنوان تثقيف الشباب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119) ﴿وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ (الشعراء: 151، 152).



ثانيًا: العمل على توفير البدائل الجيدة التي تملأ الفراغ، الذي يدفع الشباب إلى السقوط في الانحرافات الأخلاقية، وهنا أدعو مراكز الشباب والهيئات الرياضية الحكومية والأهلية، والهيئات والأندية الاجتماعية، والجمعيات الخيرية على امتداد عالمنا الإسلامي، إلى تنظيم الدورات العلمية والمهنية النافعة للشباب، وإشراكهم في المناشط العملية المختلفة، حتى يعتادوا المشاركة، ويشعروا بقيمتهم ورسالتهم في الحياة.



ثالثًا: فتح المجال أمام الشباب للمشاركة وعرض الرؤى في مشروع نهضوي إصلاحي متكامل، يستوعب طاقاتهم، وتتحقق به أمانيهم، وتُستَغَلُّ فيه أعمارهم وأوقاتهم، وبذلك يعتادون الإيجابية، ويغادرون اللا مبالاة والسلبية التي طبعت حياة معظم شبابنا، وهنا أدعو المفكِّرين والمحللين السياسيين، وأناشد هيئات الثقافة والجماعات والجمعيات ذات الصلة بتنمية الوعي والرأي طرْحَ الأفكار ومناقشةَ الشباب والاستماعَ إلى آرائهم، وتنمية مهاراتهم، ليشاركوا في حلِّ مشكلات الأمة، ويأخذوا زمام المبادرة في النهوض بها.



رابعًا: إنَّ على علماء الأمة الموثوقين أن يجتهدوا في ربط شباب الأمة بهم، والاستماع لهم، وكسر حاجز النفرة بينهم وبين شباب الأمة، واسترجاع ثقتهم المفقودة، من خلال ممارسة دور إيجابي فاعل في قيادة الصحوة وترشيدها، من خلال صدعهم بكلمة الحق، وتحذير الشباب والأمة من كل المظاهر المنافية والمصادمة لشريعة الله سبحانه؛ ففي ذلك حفظٌ لوحدة الأمة وطاقاتها وشبابها، وتجميعٌ لها لمواجهة الأخطار المحدقة بها.



أقول: إن على العلماء دورًا كبيرًا في احتضان الشباب، وتلمُّس احتياجاتهم العلمية والتربوية، وإشباعها بالعلم الصحيح والتربية الجادَّة، مصطحبين تقوى الله فيما يأتون ويذَرون ويُفتون ويوجِّهون، وبغير هذا سيبحث الشباب عمن يستغل حماسهم، ويستوعب قدراتهم في غير إطارها المشروع، وقد أخذ الله الميثاق وأكد العهد على العلماء في كل ملَّة أن يبيِّنوا الحق ولا يكتموه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ (آل عمران: 187) ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ* إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة: 159- 160).



يا معشر العلماء المربين.. إن تربية شباب الأمة على العزة والشجاعة والجِدِّ والعمل مسئوليتكم، وأنتم أهلها وأحق الناس بها.



خامسًا: على قيادات الأمة في مختلف المجالات وعلى كل المستويات؛ أن تُسنِد إلى الشباب بعضَ المناصب والمسئوليات، مع إعطائهم الصلاحيات التي تجعلهم يتحركون في حرية واختيار؛ إعدادًا لهم، وتنميةً لملكاتهم، وتفجيرًا للكامن من طاقاتهم، مع إتاحة الفرصة لهم للالتقاء بالشيوخ والكبار، والاستفادة من خبرتهم، والاقتباس من تجاربهم؛ حتى تلتحمَ قوة الشباب مع حكمة الشيوخ، فيُثمرا رشادًا في الرأي وصلاحًا في العمل، ولله درُّ عمر بن الخطاب الذي كان يتخذ من شباب الأمة الواعي المستنير مستشارِين له؛ يشاركون الأشياخ الحكماء في مجلسه، ويشيرون عليه بما ينفع الأمة.

أَوَمَن يُفكِّرُ فِي الصُّعُودِ كَمَنْ يُفَكِّرُ فِي النُّزُولْ

مَنْ يَبتَغِي هَدَفًا بِغَير الحَقِّ يَعيَا بِالوُصُولْ



كلمة إلى شباب الإخوان المسلمين

منذ ما يقرب من سبعين سنة تقدم ستةٌ من شباب الجامعة المصرية، يقدِّمون لله نفوسهم وجهودهم، وانطلقوا ينشرون دعوة الحق والهداية والإسعاد بين شباب الجامعة، وعلم الله منهم الإخلاص والصدق فأيَّدهم وآزَرَهم، فإذا بالجامعة كلها من أنصار الإخوان المسلمين، تحبُّهم وتحترمهم وتتمنَّى لهم النجاح، وإذا من الشباب الجامعي فئة كريمة مؤمنة تتفانَى في الدعوة، وتبشِّر بها في كل مكان، وتنقلها إلى الحواضر والبوادي، فتُقبل عليها طوائف الأمة في المدن والقرى والنجوع.



وقد كان لذلك أثرُه العظيم في نهضة الأمة، فلم يقتصر إقبال الشباب على طوائف الطلبة والفضلاء ومن إليهم، بل إن كثيرًا من طبقات الشعب المؤمنة أقبل على الدعوة، وكان خير مِعوان في مناصرتها، وإن كثيرًا من الشباب كان ضالاًّ فهداه الله، وكان حائرًا فأرشده الله, وكانت المعصية له عادةً فوفَّقه الله إلى الطاعة, وكان لا يعرف له غايةً من الحياة، فوضحت أمامه الغاية ﴿يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (النور: 35)، وكان لهؤلاء الشباب النابض بحب الوطن والأمة دورُهم العظيم في تحرير إرادة الأمة وفي مواجهة المشروع الاستعماري، ولولا خيانةُ بعض الأنظمة لتحقَّق لهم ما أرادوا من القضاء على المشروع الصهيوني في مهدِه، ولكنْ هكذا قضى الله ولا معقِّب لحكمه.



وقبل أكثر من ثلاثين سنة نشطت فئةٌ كريمةٌ من شباب الإخوان في الجامعات المصرية، فنشروا دعوة الخير والنور بين الشباب، بعد أن ظنَّ الطغاة أنهم قد قضوا عليها، وأقبل الشباب على الشيوخ يلتمسون الحكمة والخبرة، ويتفهَّمون الرسالة والدعوة، وتجاوَبَ معهم شبابُ الإسلام الظامئ إلى دعوة الحق، فعمَّت الدعوة أرجاء الوطن المصري، بل تجاوزته إلى أقطارنا العربية والإسلامية بل وغير الإسلامية، ورأى الصادقون نور الحق فأذعنوا له، واستمعوا إلى صوت الخير فأصاخوا له.



ومع كثرة العقبات والعوائق التي وُضِعَت في طريق دعوة الإصلاح؛ فإنها وجَدَت سبيلها إلى قلوب الأمة، من خلال إصرار هؤلاء الشباب الطامحين المتوثِّبين، الذين أدركوا قيمة الرسالة التي يحملونها وشرفها، وحاجة أوطانهم وأمتهم إلى جهدهم وجهادهم وتضحياتهم، فبرعوا في كل الميادين، وتفوَّقوا في كل المجالات، وقدموا نماذج رائعة في الوطنية والإخلاص والتضحية.



وإنا لنعتبر ذلك من علامات التوفيق، ولا نزال نلمس كل يوم تقدُّمًا جديدًا يدعونا إلى الأمل القويّ والمثابرة ومضاعفة الجهود ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران: 126).



فيا شباب الإخوان في كل مكان.. استمسكوا بدينكم، وانطلقوا بالدعوة الصادقة كما انطلق من قبل إخوانُكم..

سيروا فإن لكم خيلاً ومضمارًا وفجِّروا الصخر ريحانًا ونوَّارًا

سيروا على بركات الله وانطلقوا فنحن نُرْهِف آذانًا وأبصارًا

وذكِّرونا بأيام لنا سلفت فقد نسينا شرحبيلاً وعمارًا



نريد شبابًا يتحدَّى المفسدين وأعداء الوطن والدين، ويقلب الطاولة على المتآمرين على شباب الأمة، وينادي:

أنا مسلمٌ أسعى لإنقاذ الورى للنور للإيمان للإسعادِ

ويرُوعُنِي هذا البلاء بأُمتي لما تَخَلَّتْ عن طريق الهادي



كلمة إلى شباب الأمة.. فتياتٍ وفتيانًا

أنتم الأمل بإذن الله، ونحن نعلم أن فيكم الخير العظيم، فاستشعروا يا شبابنا دائمًا ما تعيشه أمتكم من ذلٍّ وهوانٍ وواقعٍ مُبكٍ وحالٍ مُرٍّ لا يُرضي حرًّا كريمًا، واستشعِروا أنكم بتأخيركم التوبة إلى الله والعودة إليه، وبتأخُّرِكم عن مناصرة الحق، وبتكاسلكم عن بذل الجهد للدعوة إلى الخير والإصلاح؛ تكونون سببًا في تأخُّرِ نصرِ أمتِكم؛ لأن الله وعدنا بتحقيق العزة والنصر إذا قمنا بتنفيذ أوامره والتزمنا بشرعِه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7).



اعلموا يا شباب الإسلام أن سعادة الدنيا والآخرة في سلوك طريق الاستقامة، والدعوة إلى الله، والاتصال بمصادر الخير والنور في الأمة، من الدعاة الصالحين والعلماء الناصحين والإخوان الصادقين.



أيها الشاب المسلم في كل مكان..

لا بد أن تكون مؤثِّرًا في حياة أمتك ووطنك، ولا بد أن يكون لك دورٌ إيجابيٌّ في تغيير الواقع المؤلم؛ إلى واقعٍ هو أرضى لله ورسوله والمؤمنين، وصدق من قال: "يا معشر الشباب، اعملوا.. فإنما العمل في الشباب".



يا شباب الأمة..

إن لم تتغلَّبوا اليوم على أنفسكم، وتُجاهدوا شهواتكم ورغباتكم، وتبذلوا اليوم زهرةَ أعماركم من أجل عقيدتكم وأوطانكم ومستقبل أمتكم، فمتى؟!



فإلينا إلينا أيها الشباب.. حتى نصنعَ معًا فجرًا جديدًا، ونعيد معًا لأمتنا مجدًا تليدًا.

شباب الجيل للإسلام عودوا فأنتم روحُه وبكم يسودُ

وأنتم سِرُّ نهضته قديمًا وأنتم فجرُه الزاهي الجديدُ

والله أكبر ولله الحمد

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، والحمد لله رب العالمين