الثلاثاء، 4 أغسطس 2009

المرشد العام وحديث من القلب (9) [04/08/2009]أ. محمد مهدي عاكف الإنصاف عند الإخوان المسلمين
الإسلام يدعو للإنصاف لإقامة المجتمع السليم:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه واهتدى بهداه.. وبعد؛
المنصف هو مَن يعرف الحقَّ على نفسه ويوفيه من غير طلب.. وقد دعا الإسلام إلى تمام الإنصاف، فقال سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)﴾ (الإسراء)، وأي إنصاف للعباد أعظم من أن الله تعالى جعل الإنسان حسيبًا على نفسه، فقال: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا(13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾ (الإسراء).وَقَدْ قال عَمَّار بْن يَاسِر رضي الله عنه: "ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَان: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسك، وَبَذْل السَّلام لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاق مِنْ الْإِقْتَار" (البخاري).
ومن الإنصاف إنصاف الأعداء والخصوم:
وجَّه الحقُّ تبارك وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم إلى مطالبة الآخرين بالتعامل معه على قاعدة الإنصاف، فقال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ أي هلموا إلى كلمة فيها إنصافٌ من بعضنا لبعض، ولا مَيْلَ فيها لأحدٍ على صاحبه، وهي ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ (آل عمران: من الآية 64). وأي إنصافٍ أسمى من أن يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأعدائه: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)﴾ (سبأ)، فعبَّر عن الهفوات التي لا يخلو عنها مؤمنٌ بالإجرام، وعبَّر عن جريمة الكفر ونحوه بالعمل!.
وكان الأحنف بن قيس يقول: (ما عرضتُ النَّصَفة على أحدٍ فقبلها إلا تداخلني منه هَيْبة، ولا ردَّها أحدٌ إلا طمعتُ فيه).. وكان يقال: (ينبغي للملك أن يتحصن من جيوشه بالإنصاف).
ومن الإنصاف الرجوع إلى الحق متى استبان:
إن المنصف لا يتردَّد إطلاقًا في قبول الحق متى ظهر له على أي لسانٍ كان، من غير كِبْرٍ في النفس أو استمرارٍ في العناد، ومن ذلك أن رجلاً سأل عليًّا رضي الله عنه عن مسألة، فقال فيها، فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين؛ ولكن كذا وكذا. فقال علي رضي الله عنه: (أَصَبْتَ وَأَخْطَأْتُ)!.
ولا ريب أن هذا المعنى يحتاج إلى تدريبٍ نفسيٍّ شاقٍّ، وتربيةٍ إيمانيةٍ عاليةٍ، وهو ما يأخذ الإخوانُ به أنفسهم، فلا يترددون في قبول الحق، والتراجع عن الخطأ، ويَدْعون الأمةَ بكل أطيافها ونُخَبِها إلى الإنصافِ ومراجعةِ النفس والتماسِ الحق، فليس من الإنصاف تضخيمُ بعض الإعلاميين والسياسيين هفواتِ بعض الإخوان، أو افتراءُ الكذب عليهم، في الوقت الذي يغضُّ فيه الجميعُ الطَّرْف عن خطايا خصوم الإخوان، وعما يتعرض له الإخوان من مظالم بالاعتقال والتضييق ومصادرة الأرزاق!.
الإنصاف عند الإخوان:
أيها الإخوان، إن الإنصافَ فضيلةٌ نفسيَّةٌ تنشأ من طهارة النفس، فإن المرءَ إذا رزقه اللهُ صفاءَ نفسٍ أورثه ذلك الإنصافَ للناس من نفسه؛ ولذلك عُنِي الإسلامُ عنايةً تامةً بعلاجِ النفسِ الإنسانية من الهوى، وتطهيرها من الميْل والجَوْر، وتربيتها على الكمال والفضيلة والإنصاف، وهذا ما يسعى الإخوانُ المسلمون للاستقامة عليه، ويجتهدون في دعوة الناس إليه.. يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: (يقولون: إن العدل ليس في نص القانون، ولكنه في نفس القاضي، وقد تأتي بالقانون الكامل العادل إلى القاضي ذي الهوى والغاية فيطبقه تطبيقًا جائرًا لا عَدْلَ معه، وقد تأتي بالقانون الناقص والجائر إلى القاضي الفاضل العادل البعيد عن الأهواء والغايات، فيطبقه تطبيقًا فاضلاً عادلاً فيه كلُّ الخير والبر والرحمة والإنصاف).
والإنصاف- أيها الإخوة- يتطلب من الأخ إدراكًا متكاملاً لما لدى الآخرين من حسناتٍ ومَيْزات، ولما يواجههم من عوائقَ ومشكلاتٍ، ولما يُحيط بهم من ظروفٍ متغيرة، كما يتطلب التماسَ العذر لمن تعرف عنه الصلاح وابتغاء الخير.
وأوجب ما يكون الإنصافُ بين الإخوان، الذين عرفوا طريقَ الحق، وارتبطتْ قلوبُهم عليه، وعجيبٌ ممن سار في الطريق وصحب الإخوان، وخَبَرَ نُبْلَ مقاصدهم ونظافةَ أيديهم وعفةَ نفوسهم، ثم تباعدتْ به عنهم مواقفُ خاصةٌ أو آراءٌ شخصيةٌ؛ فجانب الإنصافَ، وانطلق ينطق بغير الحق، ويتعسَّف في تأويل المواقف والأقوال، ويلوي الحقائق، ويقرأ الواقع بعين الظلم والجحود، يُضَخِّم الهفوات، ويكتم الحسنات!.فمثل هذا الأخ ندعوه أن يراجع نفسَه، ويتقي اللهَ ربَّه، وينصف بالحق إخوانه.
وإن مما يعين على اكتساب فضيلة الإنصاف: أن يحب المرءُ لإخوانه ما يحب لنفسه؛ فذلك أقرب للتقوى، وأدعى للمودة والرحمة، وأن يضع المرءُ نفسَه موضعَ أخيه؛ فذلك مما يدعو لالتماس المعاذير، والبعد عن إساءة الظن، والحذر من مواطن الظلم والاعتساف. ارضَ للناس جميعًا مثلَ ما ترضى لنفسكْ
إنما الناسُ جميعًا كُلُّهُمْ أبناءُ جنسكْ
فلهم نفسٌ كنفسك ولهم حسٌّ كَحِسِّكْ
فاستعينوا بالله أيها الإخوان، واثبتوا على منهاجكم، وأنصفوا إخوانَكم والناسَ من أنفسكم، ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 8)، وكونوا أقوياء وأمناء في الاعتراف بفضل الآخرين إذا أحسنوا، وتقويم خطئهم بلا إسراف ولا إسفاف، وأعطوا كل ذي حق حقه، ﴿وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ (الأعراف: من الآية 85)، والله معكم ولن يتركم أعمالكم. وإلى لقاءٍ آخر مع حديث من القلب أستودعكم الله، والله أكبر ولله الحمد.
محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة المرشد العام للإخوان المسلمين : إلى أحرار الرأي خلف أسوار الاستبداد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد؛
فإن الصراعَ بين الحق والباطل قديمٌ وممتَدٌ، وإن وضوحَ الحق وقوةَ حجته من أهم الأسباب التي تدفع خصومَه لمنع دعاته من الإعلان عنه والتحرك به؛ خوفًاً من انجذاب القلوب إليه وتعلق النفوس به، ولهذا يلجاؤون إلى سلاح العزل والفصل بين الدعاة وبين جماهير الناس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، سواء عن طريق الحبس والاعتقال، أو عن طريق القتل والاغتيال، أو عن طريق التشويه والتشويش والاحتيال، ولا يزال مكرُهم مستمراً متكرراً ﴿وَإِذْ يَمْكرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِين﴾ (الأنفال:30). ولكن ثقةَ الدعاة بربهم، وإيمانَهم الكاملَ بدعوتِهم، ويقينَهم بسموّ مبادئِهم، وإخلاصَهم لأوطانِهم وبني جلدتهم، وصفاءَ علاقتهم بالمخلصين من أمتهم، هي عُدّتُهم في مواجهة الشدائد ومغالبة المصاعب والعوائق، وهم يوقنون أنه لا يحيق المكرُ السيِّءُ إلا بأهله، وأن هذا الصراعَ محتومُ النهاية معلومُ العاقبة ﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيز﴾ (المجادلة:21)
أيها المجاهدون خلف أسوار الاستبداد والقهر والظلم:
إن الاعتداءَ على حرياتكم، والانتقاصَ من حقوقكم، ومصادرةَ أرزاقكم، وتغييبَكم عن أهلكم وأحبائكم، إنما هو محاولة لمنعكم من الإسهام في إنقاذ أمتكم، فلقد أراد الله أن تستيقظوا وغيرُكم يغُطّ في نومه، وأن تؤمنوا وسواكم يَهيم في شكِّه، وأن تأملوا ومَنْ دونكم قد تغشَّته سحابةُ اليأس، وأن تتجمعوا وغيرُكم قد تشققت عصاه واختلف أمره، وأن يلتف الناسُ حولكم، وتنتهي الثقةُ إليكم، ويحف الأملُ بكم، حين فقد الناسُ أملَهم وثقتَهم، ووجدوا فيكم المنقذ من الفساد، ورأوا في دعوتكم طوقَ النجاة من الذل والانكسار، فمنحوكم ثقتَهم، ووضعوا فيكم أملَهم. وشاء الله أن تمر بكم وبالأمة عواصفُ من الظلم، مزقتْ من غيركم من الأحزاب والهيئات ما شاء الله لها أن تمزِّق، ولكنها تمر بكم أنتم، فتُقوِّي ولا تُضعِف، وتُثبِّت ولا تُزعزِع، وتزيدكم إيماناً بنصر الله، وثقةً برعايته؛ لأنكم بالحق تنطقون، ولدعوة الله تعملون، فأنتم لذلك على عينه تصنعون ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ (الطور:48). وقد أراد الله أن يظهر أمرُ دعوتكم، فلم تقف عند حدود مصر، بل جاوزتْها إلى عشرات الأقطار والبلدان، وانفتحتْ لها قلوبُ مئات الملايين من المسلمين والأحرار في هذا العالم؛ لما تحمله من سُمُوٍّ ونُبلٍ وأخلاقٍ كريمة، ولما تشتمل عليه من مبادئ العدل والحرية والإنصاف والمساواة والإنسانية وحب الأوطان، والتفاني في خدمة الناس، ابتغاء وجه الله بلا مَنٍّ ولا أذىً. ثم كان موقفُكم الرائعُ والمشرِّفُ في مواجهة العدوان الصهيوني الفاجر على أهل غزة، فتقدمتم لإغاثتهم حين نكص غيرُكم على عقِبه، وواصلتم الليل بالنهار في إعانة المظلومين المحاصرين، في جهاد لا يعرف الكلل أو الملل، قدَّرتْه لكم جماهيرُ الأمة وقواها الحية وكلُّ أحرارُ العالم، حتى نصر الله إخوانكم في غزة وأبطل كيد المجرمين، فـ ﴿لَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139). ولم يكن ذلك كلُّه ليمرَّ على قوى الشر والبغي في الخارج وقوى الفساد والاستبداد في الداخل؛ من غير اجتهادٍ في تعويق مسيرتكم، ودَأَبٍ في تشويه دعوتكم، ومن ثَم لجؤوا إلى هذه الحملة الظالمة المضلِّلة، التي اشترك في تنفيذها جهاز أمن النظام مع تابعيه من المنسوبين إلى الصحافة والإعلام، في مسعى واضحٍ لتحقيق أهداف صهيوأمريكية غربية من جهة، وأهداف سياسية ضيقة من جهة أخرى.
أما الأهداف الصهيونية الأمريكية الغربية، فتتمثل في أمرين أساسيين:
أولهما: تصفية القضية الفلسطينية: من خلال إحكام الحصار على رموز العزة في غزة الصامدة، ومنع الأمة من نجدتهم أو تخفيف معاناتهم حتى يستسلموا للمشروع الصهيوني، وهذا ما لن يقبل به الإخوان المسلمون، ولن تقبله الأمة على الإطلاق.أليس من المضحك المبكي أن جمع التبرعات لصالح الشعب الفلسطيني وتقديمها من خلال لجان الإغاثة الإنسانية العربية والعالمية ومن خلال الهلال الأحمر المصري صار عند حكومة مصر سبباً للاتهام والتجريم، بدلاً من أن يكون سبباً للافتخار والتكريم؟! أليس من المبكي أن تسمح الحكومة المصرية بمرور المدمرات الصهيونية عبر قناة السويس، وفي ذات الوقت تغلق معبر رفح في وجه أهل غزة المحاصرين؟ أليس عجيباً ألا يتحرك أحد من الحكام العرب بجدية لرفع الحصار الظالم، وحين يتحرك بعض الأحرار من الأوربيين لكسره، يتم تعويقهم ومماطلتهم، فلا يدخلون إلا بعد معاناة وإرهاق؟!
فهل يجيبنا أحد: لحساب مَنْ تقوم الحكومةُ المصريةُ بهذا الدور، ولمصلحة مَنْ تعاقب الذين رفعوا رأسَ مصر عالياً ووقفوا إلى جانب المضطهدين من إخوانهم؟ لقد صار واضحاً أن الحكومة المصرية بما اخترعته مما يسمى بقضية التنظيم الدولي إنما تريد منع الإخوان من التصدي للمخطط الغربي الصهيوني لابتلاع فلسطين وتصفية قضيتها؟ وتريد منع غيرهم من أن يحذو حذوهم في التصدي للمشروع الصهيوني؟.
اطمئنوا أيها الأحرار خلف الأسوار: إن الإخوان المسلمين ومعهم كل الأحرار في الأمة وفي العالم مستمسكون بمشروعهم الحر الرافض للمشروع الغربي الصهيوني، ولن يقبلوا بهذا الغرس الشيطاني في فلسطين المباركة، ولن يتوقفوا عن دعم صمود المقاومة والمجاهدين في فلسطين، ولن يتوقف سيل الإغاثة للشعب المظلوم في غزة وفي عموم فلسطين، حتى تقوم دولة فلسطين الحرة على كامل تراب فلسطين بإذن الله ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21).
الهدف الغربي الثاني: هو تمرير المشروع القِيَمي الغربي القائم على التفلت من الأخلاق والدين، ونشر الإباحية والشذوذ، ومحو هوية الأمة الحضارية والثقافية، وتمرير مقررات مؤتمرات السكان الهادمة للأسرة والمفسدة للأمة، وهم يدركون أن الإخوان ومعهم كل مسلم غيور كريم يقفون حجر عثرة أمام هذا المشروع الساقط، ولهذا يعملون على عزل الإخوان عن ساحة التأثير في وعي الأمة، ويعملون على تشويه أهدافهم والتشويش على مقاصدهم. ونحن نؤكد لكم أيها الشرفاء أن الإخوان لن يسمحوا بالعبث بأخلاق الأمة وهويتها وخصوصيتها الحضارية، وأنهم مستمرون في مشروعهم الإسلامي الراقي الذي يحظى بتأييد أغلبية الأمة، ولن يتنازلوا عن شيء من دينهم ومبادئهم بحال من الأحوال، وهم على يقين من توفيق الله لهم، ومن تجاوب الأمة معهم. وخير للغربيين أن يعيدوا النظر في مواقفهم، ويعيدوا بناء مواقف عادلة تجاه الأمة، وألا يقفوا في مواجهة دعوة تحمل الخير والسلام والأمن للبشرية جمعاء، وأن يحسنوا مد جسور الحوار الصحيح مع الأمة؛ بدلاً من الاعتماد على الضغط على الأنظمة المعزولة عن الشعوب.
موقفنا من النظام:وأما النظام الحاكم الذي ارتضى أن يخضع للضغوط الصهيو أمريكية، والذي يرى في انتشار دعوتكم والتفاف جماهير الأمة حول رايتكم تهديداً لمشروعه القائم على التبعية والاستبداد والفساد، فإننا نؤكد على الحقائق التالية:
• إن الإخوان يدركون واجبهم نحو أمتهم، ولن يتخلوا عن مشروعهم الإصلاحي الذي تجاوبت معه الأمة، والقائم على التعبير السلمي البعيد عن العنف المادي أو المعنوي، والداعي إلى مشاركة كافة أبناء الأمة وطوائفها دون استثناء أو إقصاء، والمستند إلى مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
• إن الإخوان المسلمين لم يكونوا يوما – ولن يكونوا بإذن الله – منافسين لأحدٍ على مناصب وكراسي ومتاع زائل، وإنهم – كما عهدتهم أمتهم- لا يبتغون سوى خدمة أمتهم، والعمل على رفعتها ورُقيّها والنهوض بها؛ لتستعيد مكانتها وموقعها على المستوى الإقليمي والدولي، وإنهم لن يدخروا في سبيل ذلك جهداً ولا مالاً، ولن يترددوا في تقديم كافة التضحيات من أجل مصر العظيمة.
• إن الإخوان المسلمين لن يتغيروا ولن يتخلوا عن منهجهم السلمي كائنةً ما كانت الاستفزازاتُ التي يتعرضون لها، فوحدةُ الأمة وأمنُها القوميُّ والاجتماعيُّ وعدمُ انكشافها أمام الصهاينة المتربصين هو خيارُ الإخوان، مهما كان الثمن الذي يدفعونه من دمائهم وأقواتهم وحرياتهم.
• إن الإخوان يتوجهون بمشروعهم الإصلاحي للأمة وللنخب الحرة فيها للتعاون في إنقاذ سفينة الوطن من الفساد الذي طال كافة المؤسسات، وللوقوف في وجه الاستبداد الذي أهدر كرامة الأمة وقوَّض عناصر القوة فيها، والذي يسعى لتعطيل كل شيء نافع في هذا الوطن العزيز، بدءاً من العمل الأهلي الخيري التطوعي، وحتى إغاثة المنكوبين من إخواننا في فلسطين. •
إن الإخوان المسلمين سيبقون على الدوام مستعدين للتعاون مع كل الشرفاء، وجاهزين للحوار حتى مع من ظلمهم، لكل ما فيه مصلحة هذا الوطن الغالي، الذي لا يستحق ما يجري له من تقزيم وإفساد. ونرى أن على العقلاء في الحزب الوطني والحكومة – وهم كثر- أن يكون لهم دورٌ في وقف هذا الاندفاع إلى السقوط والهاوية الذي يُجَرُّ إليه الوطنُ جراً. .. وسنظل نمد بالخير للجميع أيديَنا، ونرفع بالدعاء إلى الله أكفنا: أن يحفظ بلادنا، وأن يهدي إلى الخير حكامنا، وأن يهيء لنا من أمرنا رشدا.
والله أكبر ولله الحمد
رسالتي إلى الإخوان (5)بقلم: أ/ د. محمد السيد حبيب كن مهاجرًا الأخ الحبيب..تحيةً من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛ فإني أرجو أن أكون وإياك ممن رزقهم الله لذةَ التمتع بالاستغفار في أوقات السحر، وممن قال الله فيهم: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الذاريات: من الآية 18)، فهذه أوقات صفاء النفس ورقة القلب وخشوع الجوارح؛ حيث يسود الهدوء والاستقرار، والطمأنينة والسكينة، والذلة والانكسار بين يدي خالق الأرض والسماوات. إنها نعمةٌ كبرى لا يستشعر لذتها إلا من اقتربَ منها، وتعرَّف عليها وذاق حلاوتها؛ إنها المناجاة يا صاحبي، وانطلاقة الروح إلى السماوات العلا؛ حيث يتخفف الإنسان من كل جواذب الأرض.فهيا إليها أيها الأخ الحبيب، فكم نحن في حاجةٍ إليها نستمد منها التوازن النفسي والوجداني، والقوة الإيمانية التي تعيننا على تحمل أعباء الدعوة وتكاليفها. - كن مهاجرًا إلى مولاك في كل أحوالك، وفي كل لحظاتِ حياتك.. فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك".. وقال أيضًا: "لن تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولن تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها". - ابحث عن الطاعةِ فإنها سيادة في الدنيا وسعادة في الآخرة، واهرب من المعصية؛ فإنها خزي في الدنيا وشقاوة في الآخرة.. إن الطاعةَ عزٌّ، والمعصية ذلٌّ، وليس أمام العاقل سوى أن يختار الطريق الأول؛ طريق السيادة والعزة والسعادة. قال أحد الصالحين: تظهر آثار معصيتي على تمرد زوجتي عليَّ وعصيان دابتي لي.. قالها في لحظةٍ من لحظات الإدراك الواعي لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين العبد ومولاه، والمعنى أن الحق جلَّ وعلا يجعل هناك انسجامًا واتساقًا بين أهل الطاعة، ومن حولهم من البشر، بل ويذلِّل لهم ما حولهم من الكائنات، على اختلاف أشكالها وألوانها، والعكس صحيح، وكذلك يمكن القول أن الله تعالى يزرع في قلوب العصاة والظالمين هيبةً وخشيةً من أهل الطاعة، والعكس صحيح أيضًا. وفي الحديث: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها"، قيل: أو من قلةٍ نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: "لا، بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله تعالى المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن", قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت". وأن يرزقك الله تعالى ملاحظة أثر معصيتك على ما حولك، فذلك من تمام يقظة القلب التي هي من أعظم نعم الله عليك، فكم من معصيةٍ وقعت ولم تحرك في إنسان شيئًا، بل ولم يستطع أن يربط بينها وحالة الاضطراب والارتباك التي يعيشها. وقانا الله وإياكم شر المعصية، فإنها مجلبة للهزيمة، وعائق عن بلوغ الآمال.. ففي أُحُد عصى الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أن النصر كان حليفهم في بداية المعركة، فوقعت الهزيمة، يقول الحق جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)﴾ (آل عمران)، وفي موطنٍ آخر من السورة يقول الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ (آل عمران: من الآية 165)، أي قل لهم يا محمد: إن سببَ المصيبة التي وقعت لكم كانت بسبب معصيتكم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وحرصكم على الغنيمة، ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى: من الآية 30)، أي وما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هي بسبب معاصيكم التي اكتسبتموها.الأخ الحبيب.. إن الإنسان لا ينفك عن نصبٍ أو تعبٍ أبدًا، من قبل أن يُولد وحتى يُوارى الثرى. يقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)﴾ (البلد)، وهذا دليلٌ على حاجةٍ وضعفٍ وعجزٍ ونقصانٍ مهما تصور الإنسان أنه بلغ الذرا مالاً، أو صحةً، أو عقلاً، أو علمًا، أو جاهًا، أو سلطانًا.. وإذا كان الحال هكذا فلا يجب أن تكون هناك غطرسة أو كبر أو خيلاء، وإنما تواضع لله؛ واهب الحياة وصاحب النعم ومالك الملك والملكوت. وفي الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني فيهما قصمته". ثم إن الإنسانَ يعيش حياته- طالت أم قصرت- في دار الابتلاء والاختبار ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾ (الملك). تتجلى تلك الحقيقة- حقيقة الموت والحياة- أمام أنظارنا عشرات ومئات، بل وآلاف المرات كل يومٍ بأوضح ما يكون.. وفي المساحة بين الموت والحياة، وبخاصة تلك التي بين التكليف والموت يقع الابتلاء والاختبار- لكل إنسان- لا يستثنى من ذلك أحد. وفي الاختبار ينجح الإنسان أحيانًا ويفشل أحيانًا أخرى.. يصيب مرة ويخطئ مرات.. يطيع في أمرٍ ويعصي في أمور، وفي التوفيق إلى الطاعة يجب الشكر، وفي المعصية تجب المسارعة والمبادرة وطلب الصفح والمغفرة.. فلا يستحق دخول الجنة مَن لم يتطهر من الذنوب والآثام، ومَن هنا نستطيع فهم قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)﴾ (آل عمران). وتأمل هذا التلازم الذي جاء تذييلاً للآية الثانية من سورة الملك بين العزيز الذي لا يقهر ولا يُغلب، القادر على كل شيء، الذي يُسيِّر الكون كله بمَن فيه وما فيه بأمره ووفق مشيئته، والغفور ﴿الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ (الشورى: من الآية 25).أخي الحبيب..اعلم أن الملائكةَ، بل إن حملةَ العرش تطلب لنا المغفرة من الله كما جاء في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)﴾ (غافر).- لا تنشغل بأخطاءِ الآخرين وتنسى أخطاءك، فإن ذلك من الغفلة وسوء الفقه، ومخافة أن يكون تعبيرًا عن الكبر والعياذ بالله.. مطلوب منك أن تُصلح نفسك وتنصح أخاك، وأن تصلح نفسك وتدعو غيرك. - لا تقنط من رحمةِ الله ولو بلغت ذنوبك عنان السماء، أو كانت مثل زبد البحر، فالله سبحانه عظيم المغفرة واسع الرحمة، وباستثناء الأنبياء والرسل، ليس هناك مَن لا يخطئ.. فـ"كل بني آدم خطاء".. ثم إن طلبَ المغفرة من الله يدلُّ على حسن الظن به، والافتقار إليه، والتذلل له، والأمل الواسع فيما عنده، والخوف منه، وهذا كله من صميم العقيدة.وضَعْ نُصْبَ عينيك دائمًا قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾ (الزمر)، والله من وراء القصد* النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين