الاثنين، 9 نوفمبر 2009

المرشد العام للإخوان المسلمين في حوار شامل (1) [05/11/2009] الأستاذ محمد مهدي عاكف
- لم أستقل لكن.. سأنتقل إلى موقع الجندية داخل الإخوان في يناير القادم
- رسالتي للإخوان: لا تهابوا التغيير فهو بركة أما الإلف فإنه يقتل المثل العليا
- ليس عيبًا أن أختلف مع إخواني فهذا لا يكدر الحب أو الأخوة أو متانة التنظيم
- اقترحت بأن تقتصر عضوية مكتب الإرشاد على دورتين فقط ووافق مجلس الشورى على ذلك
- النائب الأول يقوم بأعمالي في حال غيابي طبقًا للائحة
- فوضت أعضاء المكتب والإخوان ببعض صلاحياتي منذ توليت الإرشاد.. فما الجديد؟!
- لا توجد قوة أو تصرف أمني يحول دون إجراء انتخابات مجلس الشورى
- أستطيع أن أجري انتخابات مجلس الشورى بالتليفون أو الإنترنت أو بأية وسيلة أخرى
- يجب ألا ينظر الإخوان تحت أرجلهم ولا بد أن نكون اليوم أكثر حيويةً ونشاطًا في كل الميادين
أجرى الحوار- صلاح عبد المقصود:
سألت المرشد العام: أنت تريد تحريك مظاهرات الإصلاح ونصرة غزة حتى لو اعتقل آلاف الإخوان؟ فأجاب: نعم، ولو اعتُقل كل الإخوان فالاعتقالات تقوِّي الجماعة ولا تضعفها! لم أنزل عن رأيي في أحقية د. عصام العريان بعضوية المكتب.. لكني ملتزم بقرار الأغلبية.
ربَّ ضارة نافعة! فالخلاف الذي حدث خلال الأيام الماضية- بين المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين- كان سببًا في أن تكون الجماعة في صدر أخبار النشرات التليفزيونية والإذاعية، وعلى الصفحات الأولى من الصحف المحلية والعربية، بل والدولية..
عرف البعض- ممن كانوا لا يعرفون حقيقة الإخوان- أن نشاط الجماعة تنظمه لائحة داخلية، ونزعت الأحداث ما كان يصوره الإعلام الرسمي من أن الإخوان يسيرون بمبدأ الطاعة العمياء لمرشدهم؛ فالشورى هي التي تحكم حركتهم.
ظهر للجميع أن مكتب الإرشاد لم يوافق على طلب المرشد العام بتصعيد د. عصام العريان لعضوية المكتب، خلفًا للراحل الكبير الأستاذ محمد هلال- يرحمه الله- وأن اختلافًا قد حدث بين الطرفين في تفسير لائحة الجماعة.
ونشرت الأذرع الإعلامية للأجهزة الأمنية أن المرشد استقال، وأعطى صلاحياته لنائبه الأول.
لكن سرعان ما ظهر المرشد مكذبًا لنبأ الاستقالة، ومؤكدًا استمراره في المنصب حتى انتهاء ولايته في يناير القادم، كما أعلن هو بنفسه منذ مارس الماضي أنه لا يرغب في تجديد ولايته لمرة ثانية، وأنه يسعى للتغيير والتداول على المواقع القيادية في الجماعة؛ لأن التغيير- حسب تعبيره- فيه خير وبركة على الجماعة، والبقاء في المنصب لمدة طويلة يقضي على الإبداع والتطوير.
فضيلة المرشد نفى أن يكون قد تنازل عن صلاحياته لنائبه الأول د. محمد حبيب، مؤكدًا أن د. حبيب- وطبقًا للائحة- يقوم بأعمال المرشد في حال غيابه، وقائلاً: إنه منذ تولى المنصب وهو يفوض أعضاء المكتب، بل وبعض الإخوان- ومنهم شباب- في كثير من صلاحياته، دفعًا للعمل، ورفضًا للمركزية.
المرشد العام أكد للمجتمع أنه سيترك موقع المرشد القائد، ويتحول إلى موقع الجندي العامل في الجماعة، كما أكد ثباته على رأيه في أحقية د. عصام في التصعيد لعضوية المكتب، قائلاً: لو كانت الظروف الأمنية مناسبة لدعوت مجلس الشورى العام لحسم الأمر بيني وبين إخواني، نافيًا أن يكون خلافه مع مكتب الإرشاد في موضوع تصعيد د. العريان قد أثَّر على علاقته بقيادات الجماعة، قائلاً: ليس عيبًا أن أختلف مع إخواني أو أغضب، فهذا لا يكدر الحب أو الأخوة أو متانة التنظيم.
الحوار مع فضيلة المرشد العام في هذا التوقيت لم يكتفِ بكشف تفاصيل الأزمة الأخيرة، بل تطرق لموضوعات مهمة تخص البناء الداخلي للجماعة، وعلاقتها بالنظام السياسي والقوى والأحزاب المصرية، وموقفه من قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين.
وربما لفت نظرنا في حوار فضيلته أنه اقترح على إخوانه بمكتب الإرشاد ألا تزيد عضوية المكتب على دورتين، ووافق مجلس الشورى على هذا الاقتراح، وجعله نصًّا في اللائحة الحالية، كما وافق من قبل على جعل ولاية المرشد لفترتين فقط؛ إيمانًا منه بأن التداول على الموقع أفيد للجماعة من البقاء فيها لمدة طويلة.
المرشد أكد أيضًا أن الاعتقالات لا تضعف الجماعة بل تقويها، وعندما سألته عن مظاهرات كسر الحصار عن غزة، أو مظاهرات الإصلاح السياسي في مصر واعتقال الأمن لآلاف الإخوان، قال: لا بد أن تخرج المظاهرات، حتى ولو اعتقل كل الإخوان؛ فهذا واجب علينا، يجب أن ندفع ضريبته، وسنزداد قوة ومصداقية عند الناس.
وتطرق الحديث لما أشيع من وجود عرض بصفقة بين النظام والإخوان، وموقف المرشد من الحوار، ومن قضية التوريث، والانتخابات البرلمانية القادمة، وغيرها من القضايا المهمة.
بقي أن أشير إلى أنني أجريت هذا الحوار مع المرشد العام في مكتبه، وبعد انتهاء الحوار تناول طعام الغداء مع أعضاء المكتب جميعهم، وبالمناسبة كان على مائدة الطعام د. عصام العريان، والذي كان موضوع تصعيده وتوابعه سبب هذا الزخم الإعلامي الذي حظيت به جماعة الإخوان خلال الأيام الماضية.
وإلى نص الحوار الذي تنشره "المجتمع" على حلقات، ابتداءً من هذا العدد والأعداد القادمة إن شاء الله:
* أبدأ مع فضيلتكم بأحداث يوم الأحد، وما قيل عن طلبكم من مكتب الإرشاد الموافقة على تصعيد د. عصام العريان؛ لعضويته، وتفسير فضيلتك للائحة، وتفسير المكتب، وما قيل عن أنك استقلت من منصب الإرشاد ونفيك لذلك، ورغم ذلك نشرت وسائل الإعلام أنك تقدمت باستقالتك اعتراضًا على عدم استجابة المكتب لطلبكم بتصعيد د. عصام لعضوية المكتب.
** في البداية، وأنا أتحدث لمجلة "المجتمع" الغراء، لا أنسى بحال من الأحوال أن أذكر الأخ الحبيب الغالي الشيخ أبو بدر- رئيس جمعية الإصلاح ورئيس مجلس إدارة مجلة "المجتمع" السابق يرحمه الله- أسأل الله العظيم أن يتقبله في الصالحين، ويسكنه فسيح جناته، ويجزيه على ما قدَّم لدينه وأمته خير الجزاء.
أما فيما يتعلق بالإجابة على سؤالك، فالقضية قضية بسيطة جدًّا، ولا تستدعي كل هذا الزخم الإعلامي الذي أخذته..
ببساطة، عندما تُوفي الأخ الكبير الأستاذ محمد هلال عضو المكتب- يرحمه الله- وحضرت في أول اجتماع لمكتب الإرشاد، طلبت اتخاذ إجراءات لتصعيد د. عصام العريان لعضوية المكتب، وخصوصًا أن ترتيبه كان السادس في الانتخابات التكميلية الأخيرة، والتي انتخب فيها خمسة أعضاء للمكتب، وحصل على أكثر من 40% من الأصوات كما تقضي اللائحة؛ فوجدت المعارضة، وكانت وجهة نظرهم أن عندنا انتخابات لمجلس الشورى بعد أسبوعين أو أكثر لانتخاب مكتب الإرشاد، ولا داعي لتصعيد د. عصام، وليترك الأمر للانتخابات طبقًا لتفسيرهم للائحة، أما وجهة نظري؛ فكانت أنه يجب أن يصعد فورًا، ثم تجرون انتخابات "على مهلكم"، يتم انتخابه فيها أو لا ينتخب، فذلك أمر متروك لمن ينتخبون، وخصوصًا أنه كان بودي أن يتم انتخاب مكتب إرشاد جديد قبل أن تنتهي ولايتي، فوجدت معارضة شديدة، ولا أكتمك أنني لم أقبل هذا، وخصوصًا حينما أجد إجماعًا من المكتب كله..
وقلت لهم:
كيف أكون مرشدًا، وتقولون لي: اللائحة؟ نحن الذين وضعنا اللائحة، واللائحة لها مجالاتها، ولها آلياتها، نحن محرومون منها، نحن مطاردون؛ ولا نقوم بتطبيقها على الوجه الأكمل بسبب المناخ الظالم الذي نعيش فيه.
وأضاف المرشد:
الشورى لها آلياتها، وحينما قلت: إن الشورى فرض وخلق، أقصد أننا محرومون، ولو كانت الشورى مسألة مختلفًا عليها بيني وبين إخواني؛ كان من السهل جدًّا أن أجمع مجلس الشورى وأعرضها عليه، ويكون رأيه هو الحكَم بيني وبينكم، ولكني لا أستطيع بسبب القمع الأمني.
لكنني دائمًا أقول من أول يوم: أنا مع الشورى ومع أضعف الركب، وفي كثير من الأحيان، أرى أن أداءنا غير جديد، وليس على المستوى الذي يجب أن يكون، ولكن طبيعتي أن أسير مع أضعف الركب وأحتمل، أما هذه المرة فلم أحتمل، فخرجت وأخذت أسبوع راحة لأفكر تفكيرًا جيدًا، ثم عدت إلى المكتب، ولأني أحب أحبابي الذين يعاونونني في كتابة الرسالة الأسبوعية وأحترمهم جدًّا؛ لأنهم مجموعة من المستشارين الشباب المثقفين الذين لا يتغيب منهم أحد منذ توليت رئاسة مكتب الإرشاد حتى اليوم.
سطرت رسالةً كنت أود أن أعتبرها آخر رسالة؛ لكن لم أحب أن أعلنها إلا في المكان الذي يعاونني فيه كُتَّاب رسالتي الأسبوعية، ولم أكن أريد أن أخرج بها بنفسي، فاجتمعت بهم: وقلت: هذه رسالتي، استمعوا إليها، وقرأت الرسالة، وسجلوها، وكان عندي بعدها اجتماع مع بعض السياسيين، فانتقلت من مكاني الذي نجتمع فيه إلى مكان الاجتماع مع السياسيين.
* مع حركة "مصريون من أجل انتخابات حرة"؟
** نعم, وكان د. عبد الحليم قنديل منسق حركة "كفاية" حاضرًا مع بعض الإخوة السياسيين من تيارات متنوعة، واجتمعت معهم لساعة ونصف الساعة، ثم صلينا الظهر.
وبعد ذلك، أحضر لي الفريق الذي يعاونني في كتابة رسالتي وجهة نظر مكتوبة، فقرأتها، فتفضل أحد الإخوة وقال لي: ألا تعطيني فرصة لإعادة صياغتها؟ فأعطيته فرصة، فأنا لست مستعجلاً.. لكني فوجئت أن الدنيا كلها انقلبت وإذا بالناس والصحافة يتناولون الموضوع، وأناس يسجلون الموضوع بالصوت والصورة، ويذيعون في الدنيا أن مهدي عاكف استقال!! هذا لمجرد أني جالس مع الإخوان أقول لهم ما في نفسي.. أليس من حقي أن أتحدث مع إخواني وأقول لهم ما أريد؟! لكنه التصنت علينا بالصوت وبالصورة يا أخي!! لم أكن أتوقع ما نشر، والصحفيون منتظرون تحت البيت بالساعة والساعتين، وكان عندي يومها لقاء تليفزيوني مع قناة "النرويج" والبيت مكتظ، فطلبت الأخ المسئول عن موقع الإخوان الإلكتروني، وأمليت عليه التصريح النافي لما تردد عن الاستقالة، وسألت وسائل الإعلام، لماذا أنتم مشغولون بنا؟ ألا تنشغلون بالبلاء الذي تعيش فيه البلاد، والـ320 معتقلاً من أبناء هذه الأمة المخلصين؟ بدلاً من أن تهتموا بعاكف والجماعة وكل ما يحدث بها، هذا شيء داخلي، لا شأن لكم به..
وأريد أن أقول لك: لا يكدر الأخوة، ولا الحب، ولا متانة التنظيم أن أختلف معك، ليس عيبًا أن نختلف، أو نخطئ إنما الزخم الإعلامي هذا من أين أتى؟ على رأي "فهمي هويدي": ما هذا؟ الأخبار في النشرات التليفزيونية والصفحات الأولى كلها "إخوان مسلمون وعاكف"..؟!
وبعد أن كتبت التصريح الأول، امتنعت عن الكلام أو إصدار أي تصريح.
ونظرت، فوجدت الصحافة لم تتوقف.
أما موضوع تفويض د. محمد حبيب، فأنا منذ أن توليت الإرشاد وهناك صلاحيات أفوض بها الأعضاء.
وقد سُئلت مرة: ما صلاحيات مكتب الإرشاد؟ فقلت لهم: هي صلاحيات المرشد، فأنا أعطيت صلاحياتي لكل أعضاء مكتب الإرشاد، كل في موقعه، وكل في مجاله.
صحفي قال لي مرة: وأنت ماذا تفعل؟ قلت له: كل هذا يعود إلي في النهاية، ولا يُقضى أمر إلا بموافقتي، وبالعكس، فقد أعطيت صلاحيات لجميع الإخوان كبيرهم وصغيرهم أن يتحدثوا عن الإخوان المسلمين دون الرجوع إلي، ودون إذني.
* لكن فضيلتك وافقت على رأي المكتب الذي فضل انتظار تصعيد د. عصام لأخذ رأي مجلس الشورى.
** لا لا، حتى الآن أنا لم أوافق على تفسيرهم؛ لكنني التزمت بقرار الأغلبية.
* حضرتك محتفظ برأيك وتفسيرك للائحة أن من حق د. عصام أن يصعد.
** ومن حقي أنا كمرشد أن أطلب مثل هذا، فلا يعارضونني؛ لأنه أمر ليس فيه مخالفة للائحة، والشورى لا بد لها آلياتها، فموضوع مثل هذا كان من الممكن أن أجمع له مجلس الشورى، وأعرضه عليه ليتم حسمه.
* لكن الظروف لم تساعدك؟
** أنا منذ جئت وأنا أحاول تغيير مكتب الإرشاد؛ لدرجة أنني قلت لهم: إن أيام الأستاذ حسن البنا والهضيبي كانت مدة مكتب الإرشاد سنتين، وكانت هناك وجوه تدخل وأخرى تخرج من المكتب.
* يعني فضيلتك مع التغيير والتجديد للأعضاء؟
** منذ أن توليت وأنا أقول لهم: يا إخوان نريد التغيير، نريد إجراء انتخابات بأي شكل، فوافقوا في العام الماضي، وأجرينا انتخابات تكميلية لاختبار خمسة أعضاء للمكتب، وكانت على أعلى مستوى من الشفافية والنزاهة، ونجح خمسة، وكان د. عصام السادس، وكنت أتمنى قبل أن أمشي أن أرى تجديدًا في المكتب بصورة أكبر؛ لذا اقترحت على إخواني في المكتب تعديل اللائحة، بحيث تكون عضوية مكتب الإرشاد لا تزيد على دورتين فقط، ووافق مجلس الشورى على هذا التعديل، ووضعناه في اللائحة.
وأنا أشعر- كما قلت لهم- أن أداءنا ضعيف أمام الجبهة الشرسة للسياسة العالمية والأوضاع في المنطقة، ويجب ألا ينظر الإخوان تحت أرجلهم، لا بد أن نكون في هذا الظرف أكثر حيوية ونشاطًا وانطلاقًا في كل الميادين.
* هل التضحيات الكبيرة التي تدفعها الجماعة هي السبب وراء التحفظ؟
** بالطبع، لأننا عندما يكون لنا 320 أخًا مسجونًا، لا بد أن يكون من حقهم أن يتحفظوا على..
* وقبل ذلك، مارست ضغطًا لخروج مظاهرات الإصلاح السياسي، واعتقل أكثر من 4000 عضو من الإخوان؟
** أنا لم أضغط، كلنا في القيادة كنا متفقين على الخروج في هذه المظاهرات.
* صحيح، لكن حضرتك كنت المحرك الأساسي.
** أنا في وسطهم وأمامهم، وهذا واجب شرعي ووطني أن نكون في مقدمة المتظاهرين لحماية غزة ودعمها، وحماية الحق والعدل اللذين يريدون أن يمحوهما من الأمة، ويقيموا قوانين، ويغيروا مواد الدستور بهذه الصورة.
* حتى لو كلَّف الجماعة اعتقال الآلاف؟
** حتى لو اعتقلنا كلنا، يجب أن يكون لنا موقف ضد تقنين الاستبداد، فنحن خرجنا واعتقل منا 3000 عندما عدلوا المادة 76 من الدستور، فهذا واجب علينا، يجب أن ندفع ضريبته، وسنزداد قوة ومصداقية عند الناس.. هذا أسلوبي.
* يعني قناعتك أن هذه المواجهات السليمة لا تضعف الجماعة؟
** أبدًا، تزيدها قوةً؛ لأنها على حق، يعني يجب علينا أن نقول الحق ونعلنه، ونقف بجوار إخواننا في فلسطين وأفغانستان والعراق والصومال، نحن كمسلمين أمة واحدة، وأنا لا أكتمك أني أحزن حينما أرى أن دماء المسلمين رخيصة، والمسلمون هم الذين يقتلون أنفسهم، فالمسلمون هم الذين يقتلون أنفسهم في أفغانستان وباكستان والصومال وفلسطين، ونحن- هذا النظام الفاسد والمستبد الذي يمنعنا أن نقدم أو نقوم بواجبنا- "الإخوان المسلمين" لسنا أقل من أن يكون لنا فعاليات تعلن هذا للكل، لذلك، أقول لك: أنا سأسير مع ضعيف الركب، هذه وجهة نظري، وما يقرره مكتب الإرشاد في هذه الميادين سيكون.
إنما أحيانًا أُدلي بتصريحات، يعني مثلاً: حينما طالبت بأن يكون يوم الجمعة انتفاضة من أجل إخواننا في فلسطين، قلت التصريح من هنا، وقبضوا على كل مساعديّ من هنا.. لقد حزنت يومها وذهبت إلى بيتي حزينًا، وفوجئت بأن إخوان محافظة الغربية يطلبونني لحضور مؤتمر أقاموه استجابة لندائي، فحضرت وطلبوا مني كلمة، لكن من حزني لم أكن أستطيع الحديث، لكن وحين سمعت هدير الإخوان: الله أكبر ولله الحمد، فوقفت وخطبت، كنت أظنهم مائة أو مائتين، فإذا بهم 5 آلاف، ووجدت مثلهم بالمنصورة، ودمياط وغيرهما.
قلت: الحمد لله أن الإخوان لم يركنوا إلى هذا الاستبداد، فأنا أتصرف في كل السياسة العالمية، ولا أحد يقول لي: لماذا تعمل هذا؟ هذا حقي وواجبي، أتصل بالأردن وأقول لهم: اذهبوا إلى الصومال، وأتصل بتركيا وأقول: لا يجوز يا أخي أن تقتل الأكراد بالطريقة التي يقتل بها الصهاينة المسلمين، هؤلاء مسلمون مثلك، والحقيقة لم أجد إنسانًا يستجيب للواجب الإسلامي والإنساني كأردوغان لقد وجدته بعد ذلك يصرح بأن الحرب لن تنهي مشكلة الأكراد.
ثم رأيت موقفه من الصهاينة موقفًا ممتازًا، وموقفه من سوريا وفتح الحدود، وموقفه من أرمينيا وإعادة العلاقات بعد قطيعة دامت مائة عام؛ يعني أجد أنه إنسان جزاه الله خيرًا، لكن واجب عليَّ أن أنبه، واجب عليَّ أن أتحدث، أما النظم فنسأل الله لها ولنا العافية، فهي نظم قضت على كل الآمال في الأمة، وحاربت كل المخلصين من أبنائها.
* فضيلة المرشد، مَن وراء إشاعة استقالتكم.. من وجهة نظركم؟
** أنا لم أستقل، إنما عندما كنت أتكلم، وهذا من حقي، فمن الممكن أن يكونوا قد فسروا كلامي على أنه استقالة.
* مَنْ الذي له مصلحة في استقالتكم؟
** أنا والله لا أدري، وكلها شهران أو ثلاثة وسأترك الموقع، كما أعلنت في مارس الماضي.
* وأنت الذي طلبت رغم إلحاح الإخوان على بقائك؟
** ومصرٌّ على ذلك، أنا أفعل ذلك لأخفف الضغط على نفسي، فأنا لا أنام، تصور ماذا لو كان حبيبك وعزيز عليك ويطلب منك البقاء في موقع المرشد؟ يصبح صعبًا عليك أن ترفض، فأنا عندما أردت أن أحسم الأمر مبكرًا، وقلت: إنني لن أبقى لفترة ثانية؛ تعبت من كثرة الإلحاح عليَّ بالبقاء.
* من مصر أم بقية الأقطار؟
** من العالم كله، لماذا؟ أنا أقرر مبادئ مقتنعًا بها، ومؤمنًا بها.
* ولماذا اخترت عدم التجديد؟ وماذا تريد أن توصل من خلال هذه الرسالة، سواء للشأن الداخلي أو الخارجي؟
** أوصي إخواني أن يتقدموا ويكونوا أقوياء، بمبدأ التغيير، الدنيا تتغير، فإن لم نكن نحن قادة هذا التغيير، فمن يكون؟
ولذلك في رسالتي قلت: أيها الأحباب، لا تهابوا التغيير؛ فالتغيير بركة أما (الإلف) فهو يقتل المثل العليا، إياكم والإلف؛ فأنا أدعو الإخوان إلى التغيير، وخصوصًا أن المستقبل لهذا الدين، والمستقبل للإخوان المسلمين؛ لما يحملونه من مبادئ ومن دين عظيم آمنوا به، ومن منهج راقٍ حملوه، ومشروع حضاري لخدمة الإنسانية لا مثيل له على الساحة، أنتم الأعلون، أنتم معكم كل الخير، لا أحد يقدر أن يقف أمامكم، لماذا تهابون المستقبل، لا تهابوه واقتحموه بما لديكم من خير.
* لكن طالما أنك قادر على العطاء ولم تتول إلا ولاية واحدة، فلماذا لم تجدد الولاية واللائحة تعطيك هذا الحق؟
** يا سيدي أنا عمري 81 سنة، وكنت أود وأنا عندي 80 سنة اعتزال المسئولية، وأكون جنديًّا عاديًّا، ربما أعطي للإخوان أكثر مما أكون قائدًا، لماذا أظل مرشدًا حتى أموت؟
* هل تريد أن ترسي قاعدة للإخوان؟
** ولغير الإخوان.
* أي أنها رسالة أيضًا للنظام؟
** لا، لا أفكر في النظام، فلا فائدة منه، أنا أفكر في إخواني، ومستقبلهم.
* نعلم عنكم أنكم ضد مركزية العمل، وأنكم تنتهجون أسلوب الإدارة بالتفويض وتوزيع الملفات على أعضاء المكتب، لماذا قيل إنكم أعطيتم صلاحياتكم أو معظمها للنائب الأول د. محمد حبيب؟
** شيء عجيب جدًّا، أنا قلت: منذ توليت المنصب وأنا أفوض أعضاء المكتب كلاًّ في موقعه، وكلاً في مسئولياته في كل صلاحياتي.
* يعني هذا أمر قديم لا علاقة له بموضوع تصعيد د. عصام؟
** نعم قديم، ثم إن الذي يقوم بأعمالي في غيبتي هو النائب الأول طبقًا للائحة، ليس من اليوم، بل من يوم أن توليت الإرشاد، يعني أنا لو تغيبت لأي سبب، النائب الأول هو من يرأس الاجتماعات، وهذا الذي أستغربه، ما الجديد؟ والناس يقولون: تفوض أعمالك وصلاحياتك للنائب الأول، وأنت (أي المرشد) أصبحت لا تصنع شيئًا، هذا شيء في غاية السوء، وهذا شيء قديم في سلوكياتي وأعمالي، ليس فيه جديد.
* أعلنتم أنكم ستتركون منصب الإرشاد في يناير القادم، ماذا لو حالت الظروف دون اختيار مرشد جديد (الظروف الأمنية، خصوصًا أن هناك ما يقرب من 30% من أعضاء الشورى في السجن الآن)؟
** أقول: من وجهة نظري لا تستطيع أية قوة، وأي تصرف أمني أن يحول دون إجراء الانتخابات، سأجريها ولو بالتليفون أو الإنترنت، فعندنا وسائل كثيرة لأخذ رأي أعضاء مجلس الشورى، الأصل في اللائحة أن يجتمع المجلس، ولكن ماذا لو حالت الظروف؟ لن أقف مكتوف اليدين.
* السؤال يا فضيلة المرشد: أين سيكون موقعكم بعد أن تتركوا منصب المرشد العام؟
** هذه حاجة ظريفة.. سأكون في الصف مع الإخوان جنديًّا.
* بعد أن كنت مرشدًا عامًّا؟ وتلتزم بما ستكلف به من قيادة الجماعة؟
** الأسهل علي أن أُكَلف بدلاً من أن أكلف غيري.
* هل هذا يريحك أكثر أنك تتخفف من المسئولية أمام الله؟
** لا.. المسئولية على دماغي، وأنا جندي مثل ما أنا قائد، ولي مسئوليتي، ولكن لكل مكان أوصافه وحدوده، أنا مرشد فمسئولياتي عن الإخوان كذا وكذا، وحدودها كذا وكذا.
وأنا جندي مسئوليتي عن الإخوان مثل وأنا مرشد، لكن هناك حدودًا، أنا مسئول أن أؤدي واجباتي نحو الإخوان والدعوة إلى الله، والدعوة إلى مبادئ الإخوان مثل المرشد بالضبط.
* رغم السن ورغم الأعباء؛ ستبقى جنديًّا عاملاً للدعوة؟
** نعم، سن ماذا؟ أنا فقط سأتحرر من الالتزام بأوقات محدودة، وواجبات يومية، "خلاص بقى عندي فسحة سأؤدي واجبي نحو الإخوان" أنا على أبواب الآخرة، يعني عملنا للآخرة لا يغيب عنا، كما لم يغب عنا في الماضي؛ لكن هذه الأيام يبقى أكثر إن شاء الله.
* فضيلة المرشد، تم انتخابكم في 14 يناير 2004م، والمفترض أن تنتهي ولايتكم ظهر يوم 13 يناير، ما تقييمكم لهذه الفترة لجلوسك على رئاسة أكبر حركة إسلامية في العالم.
** لا يجوز لي أن أقيمها أنا، وأعتبر نفسي مقصرًا، ولم أستطع أن أقوم بما كنت أود أن أقوم به.
* هل يمكن أن تقدِّم لنا كشف حساب بأهم ما وفقك الله إليه في هذه الفترة، نحن لاحظنا أن الجماعة والحمد لله صعدت لأول مرة في تاريخها، وحصدت 20% أو أكثر من مقاعد البرلمان، الإخوان نزلوا في هذه الفترة إلى الشوارع، وكان الإخوان لا يعرفون الشارع إلا عبر النقابات والجامعات؛ لكن أنت بجهدك- بفضل الله- استطعت أن تحرك، ألا تشعر أن هذه إنجازات؟
** هي بفضل الله، الذي هيَّأ الظروف العالمية والداخلية التي سمحت لنا بهذا، أما تقييم فترتي، فالآخرون يقيِّمون، أنا لا أقيم.
* لكن، ألا تشعر بشيء من الرضا عن الجماعة في فترة ولايتك التي حققت هذا الزخم السياسي والاجتماعي والإعلامي؟
** وجهة نظري أنا، أن الله وفَّقنا في أن نظل مستمرين حاملين هذه الراية، هذا هو توفيق الله لنا، لم نتنازل عنها، ولم نقبل بحال من الأحوال أن يغيب الإخوان عن الساحة المحلية والعالمية.
* يُنشر بالاتفاق مع مجلة (المجتمع) الكويتية.
















قراءة في المشهد العام [06/11/2009]
أولاً: الشأن الداخلي 1- الحزب الحاكم وغموض المستقبل السياسي:
انتهى المؤتمر السنوي السادس للحزب الحاكم كالعادة دون حدوث أي تطورٍ أو تحسن سواء في الشئون الداخلية أو الخارجية؛ الأمر الذي يستلزم من الشعب المصري بكل قواه وحركاته واتجاهاته الوقوف أمام تحدي الأسئلة الإستراتيجية للإصلاح السياسي في الدولة، وخاصةً في ظلِّ تفاقم المشكلات الاقتصادية وتدهور الحالة الصحية لأبناء المجتمع وتراجع منظومة التعليم العام والتعليم الجامعي والبحث العلمي والتدهور الشديد الذي أصاب السياسة الخارجية لمصر.
وبشكلٍ عام فإن هذا المؤتمر لم يأخذ خطوة جادة تجاه هذه المشكلات، بل إنه في بعض النواحي جاءت توصياته مخالفة لتطلعات المواطنين ومناقضة لأوليات التطور السياسي، وهذا ما يمكن توضيحه في المحاور التالية:-
أ- فمن جهة العدالة الاجتماعية وشمولها لجميع المواطنين، فإن السياسات العامة للنظام لا تزال تقتصر على التوسع في سياسة توزيع الدعم، وهي سياسة لا ترقى للتعامل مع حالة التفاوت الاجتماعي الشديد، والتي أخذت في التفاقم منذ بداية العقد الحالي، وقد رصدت التقارير الدولية المتعلقة بشئون التنمية هذه الحالة، وكشفت فيها عن هذا التفاوت الواسع في توزيع الدخل القومي؛ وهذا ما يمكن تفسيره بأن السياسات التي دفع بها النظام وتبناها خلال تلك الفترة قد انحازت بشكلٍ واضحٍ إلى أصحاب الأعمال والنخبة الاقتصادية، وهو ما سبب ضررًا بإلغاء للشرائح الاجتماعية الأخرى والفقيرة منها على وجه الخصوص.هذه الخلاصة لا تعد جديدة فمنذ نشأة هذا الحزب في نهاية السبعينيات سيطرت عليه توجهات الاحتماء بالدولة وأجهزتها والبعد عن المواطنين، ولعل الشعار الذي رفعه هذا العام لا يعد وكونه محاولة للإيهام بوجود تغير في التوجهات السياسية والاقتصادية، والذي فضحته فعاليات وتصريحات وتوصيات المؤتمرين.
ب- أما من ناحية العلاقة مع الأحزاب المعارضة والقوى السياسية، فإنه من الملاحظ حدوث تراجع في الخطاب السياسي للنظام الحاكم تجاه الأحزاب والقوى السياسية، فإنه بينما أشار المؤتمر العام السابق باهتمام إلى أهمية الحوار السياسي ولم يحدث بالطبع، فإن هذا المؤتمر كشف عن رغبة جامحة في الإقصاء والإبعاد للآخرين، والاستحواذ التام على الدولة، وتوضح المواقف التي شهدها المؤتمر، والتي أساءت لكل الأحزاب والقوى السياسية مدى هشاشة الحوار السياسى كأحد مكونات وتوجهات النظام الحاكم المزعومة لذر الرماد في العيون.
ت- وكما هي عادة النظام ورموزه في مؤتمراتهم السابقة، أشار هذا المؤتمر من باب ستر عوراته إلى أهمية احترام حقوق الإنسان وإرادة ورغبات المواطنين، وهذه المداخل تكشف عن تناقضات واضحة على مستويين، المستوى الأول: وهو أن السياسات والممارسات الواقعية والفعلية للحزب ترسَّخت في إهدار حقوق الإنسان وكبت إرادة المواطنين، يتضح ذلك إذا ما أخذنا في الاعتبار السياسة التشريعية التي تبناها خلال السنوات الماضية، وهي في مجملها تهدر ضمانات الحرية والتقاضي وحق التعبير كما تهدر ضمانات الاستجابة لإرادة المواطنين والمتمثلة في غياب ضمانات نزاهة الانتخابات العامة.أما المستوى الثاني فيتمثل في أن التقارير الدولية والمحلية رصدت الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان؛ السياسية والاقتصادية فضلاً عن التعذيب الذي صار ظاهرة، وهذه الانتهاكات لا تتعلق فقط بالاعتقال المتكرر وإساءة استخدام الحبس الاحتياطي في القضايا السياسية، وإنما كشفت عن عدم حصول المواطنين على حقوقهم الاقتصادية وعدم وصول الدعم إلى مستحقيه، فضلاً عن التوسع الشديد في القطاع الخاص وخصخصة الخدمات رغم تزايد معدلات الفقر.
ث- وفيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، فإن تناول هذه القضايا يُبين مدى الاضطراب لدى النظر إلى المشكلات، فالسياسة المالية أصبحت تُركِّز على زيادة الأوعية الضريبية، وبالتالي زيادة الأعباء على المواطنين، وهو ما يُؤثِّر بشكلٍ مباشر على حركة الاستثمار، ولكن المشكلة الأكثر أهميةً هي أنه في ظلِّ غياب النظام الضريبي العادل فإن الشرائح متوسطة الدخل والفقيرة سوف تتحمل العبء الأكبر من الضرائب؛ وذلك من خلال الضرائب على الاستهلاك وضرائب المبيعات، فيما يتمتع أصحاب الأعمال بالإعفاءات وغيرها من المزايا الاستثمارية، كما أن هذه السياسة لا تعكس رؤية تنموية بقدر ما تعكس محاولات للتغلب على مشكلات حادة، وهذا ما تفسره المخصصات الإضافية لبعض المشروعات كالصرف الصحي والدعم (20 مليار جنيه) رغم مرور أربعة شهور فقط على إقرار الموازنة العامة للدولة في مجلس الشعب.
وخلاصة الأمر، أنه بمتابعة المؤتمرات السابقة وما حدث في هذا المؤتمر، يتضح أن الاتجاه العام لسياسات النظام لا يضع أسسًا واضحة للحرية والديمقراطية وللتقدم والتنمية بقدر ما يُوفِّر فرصًا أفضل للفساد وغياب المعايير المحاسبية والرقابية، وهنا لا يمكننا الحديث عن إمكانية التحسن في المناخ السياسي أو التنمية الاقتصادية، وهذا الوضع يفرض ضرورة الحراك السياسي من الأحزاب والقوى السياسية لأجل وقف التدهور السياسي الذي تشهده البلاد.
2- تهديدات جديدة للأمن القومي:في بداية أكتوبر الماضي اعترضت البحرية الأمريكية الباخرة الألمانية (هانسا إنديا) في خليج السويس وقامت بتفتيشها؛ وذلك بغرض التأكد من حمولتها ووجهتها، وقالت البحرية الأمريكية إن هذا الإجراء هو تطبيق للحظر المفروض على إيران، بالإضافةِ إلى منع وصول الأسلحة إلى سوريا وحزب الله.
وقد أعلنت هيئة قناة السويس أنه لم يحدث اعتراض لأي سفينة في المجرى الملاحي للقناة أو في خليج السويس؛ حيث تُتاح الحرية لجميع السفن التجارية والحربية للمرور في القناة كمجرى مائي دولي تديره مصر بشكلٍ كاملٍ وتسيطر عليه غير أن ما صدر عن هيئة قناة السويس لا يصمد أمام الخلافات بين أمريكا وألمانيا حول هذا الحادث باعتباره اعتداءً على سفينة أمريكية مملوكة لشركة ألمانية.وبغض النظر عن الخلافات بين ألمانيا وأمريكا بشأن هذه الحادثة فإن الحادثة بذاتها تشير إلى دلالات مهمة لما يتعلق بالأمن القومي وتبديد الموارد الجيوستراتيجية للدولة، والتي تتمثل في الموقع الجغرافي والسواحل البحرية، وهو ما يتيح لمصر القيام بدور مهم في العلاقات الدولية؛ نظرًا للميزات السياسية والاقتصادية.
يبدو أن هذه الحادثة تأتي في سياق الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني (رايس- ليفني)، والذي يفرض رقابة على الخطوط الملاحية المؤدية إلى سورية ولبنان والأراضي الفلسطينية لمنع وصول الأسلحة إلى حزب الله وحركة حماس.والأكثر أهميةً من ذلك هو مسألة السيادة المصرية على المياه الإقليمية فوفقًا لقانون البحار 1982م يعد خليج السويس بأكمله داخل النطاق الإقليمي المصري، وهو ما يتيح لمصر حق مراقبة السفن في المرور، ولكن المشكلة الأساسية تتمثل في مراقبة السفن الحربية الأجنبية وسيطرتها على المجال الإقليمي المصري وبشكل يفرض قيودًا على مصر في ممارسة سيادتها، وهذا يُشكِّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري وينتقص من السيادة المصرية.
ومن الأهمية ذكر أنه وعلى الرغم من تمتع مصر بموقع إستراتيجي بالنسبة لقارات العالم ودوله فإن هذه الميزات الجيوستراتيجية تضيع أهميتها وثمارها من جرَّاء هذه الأوضاع، وأن ضياعها لا يعني فقط خسائر اقتصادية وتجارية، ولكنه يعني قبل ذلك ضعفًا سياسيًّا عامًّا وتراجعًا لهيبة الدولة المصرية وتحول ميزات الموقع الجغرافي إلى أعباء عسكرية وأمنية يصعب تحملها.
ثانيًا: الشأن الإقليمي 1- القضية الفلسطينية.. واستمرار التآمر:
بعد التوقعات المزعومة بقرب حل أو تسوية للقضية الفلسطينية، تواجه القضية الآن تحديات حرجة في هذه المرحلة، وخاصةً بعد تزايد الضغوط الأمريكية والأوروبية على الفلسطينيين والعرب لأجل بدء مفاوضات وتطبيع بدون شروط مع الكيان الصهيونى، وهو ما يعني صراحةً التراجع عن المطالبة بوقف الاستيطان كشرطٍ مسبقٍ مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الشرط لم يكن كافيًا، وإنما كانت هناك اشتراطات أخرى كثيرة تُعبِّر عن عموم الشعب الفلسطيني.
فمن ناحية الموقف السياسي الأمريكي، فإنه بات من الواضح أن السياسة الأمريكية أعلنت أن قضية الاستطيان لم تكن في يوم ما شرطًا لبدء المفاوضات، وبالتالي لن تكون قيدًا على الدخول في أية مفاوضات في المستقبل، وبهذا المعنى، فإنها سوف تتبنى حلولاً يقبلها الكيان الصهيوني.وقد لقى هذا الموقف للسياسة الأمريكية قبولاً لدى الكيان الصهيوني؛ حيث تم تأكيد أن الاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس، هي مسائل أو قضايا خارج المفاوضات ولا يمكن وضعها كشروط مسبقة، وهذا ما يعني أن التوسع الصهيوني على حساب الفلسطينيين يكتسب تأييدًا أمريكيًّا وأوروبيًّا، بشكلٍ يتيح فرصة للتوسع لأكبر مدى ممكن في الأراضي المحتلة وهدم المسجد الأقصى.وقد تطابقت مواقف السلطة الفلسطينية على ترددها وضعفها وعدم مصداقيتها وبعض الدول العربية التي تتحرك في هذا الملف لتحقيق مصالح خاصة بالنظم القائمة فيها تجاه تصريحات الخارجية الأمريكية المؤيدة لمفاوضات بدون شروط، وذهبت هذه المواقف إلى صعوبة أو استحالة تجاوز قضية الاستيطان، وأنه لا يمكن بدء مفاوضات مفتوحة وغير واضحة المعالم.
هذه التطورات تجري في سياق التراجع الواضح في الحديث عن الدولتين (وفقًا للرؤية الأمريكية)، وهذا ما يلقي بظلال على حقيقة ما يجري، ويتم تدبيره بشأن القضية الفلسطينية، وهي تدابير لا يمكن اعتبارها نزيهة أو خالية من التآمر، فإن قراءة تراجع الحديث عن الدولتين في ظلِّ الأوضاع الحالية ترتبط مباشرةً بفشل الإدارة الأمريكية بإرادة وقصد في وقف الاستيطان بأشكاله المختلفة؛ حيث لم يكن منطقيًّ االحديث عن دولة فلسطينية دون تناول قضايا الأرض والحدود، ويبدو أن هذا المدخل (حل الدولتين) لا يناسب السياسات الأمريكية والأوروبية والصهيونية في المستقبل، وتبذل جهود لابتكار صيغة جديدة تكون أقرب للرؤية الصهيونية التي تصر على حبس الفلسطينيين في كيان هش ومحاصر يتمتع بالحكم الذاتي وإبقاء اللاجئين في الشتات واستمرار سيطرة الصهاينة على كامل مدينة القدس.
هذه التطورات وإن كانت تُعبِّر عن الضعف والعوار السياسي العربي والفلسطينيي فإنها في ذات الوقت تضعهم أمام تحديات كبيرة، هذه التحديات لا تتعلق فقط بالتحولات في القضية الفلسطينية ولكنها ترتبط بالمصالح الأمنية والاقتصادية للعرب والمسلمين؛ حيث إن التضامن الأمريكي والأوروبي والصهيوني يستهدف بالأساس قدرات وإمكانات الدول العربية والإسلامية، وهذا ما يفرض على هذه الدول التقارب والتعاون لأجل مواجهة هذه التحديات، وقد يتطلب ذلك توسيع الخيارات والبدائل السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهنا يجدر الإشارة إلى أهمية دعم المقاومة بكافة الوسائل الممكنة.
2- أزمة ما قبل انفصال جنوب السودان:
لعل الأزمة السياسية التي تشهدها الحكومة السودانية في الوقت الراهن تكشف عن واحدٍ من أهم تحديات بناء الدولة خلال مرحلة ما بعد الاستقلال، فإنه رغم محاولات تشكيل هوية سودانية خلال تلك السنوات، لا زالت قضية الانفصال تُشكِّل أبرز الحلول السياسية لأزمة الدولة. وقد جاء تفضيل "سيلفاكير" (النائب الأول للرئيس السودانى ورئيس حكومة جنوب السودان) لأن يصوت الجنوبيون في الاستفتاء على تقرير المصير لصالح الاستقلال؛ وذلك على اعتبار أن الاستمرار في دولة السودان سوف ينقص حقهم في المواطنة، بينما الانفصال يتيح لهم فرصة الحصول على المواطنة الكاملة.
وتأتي تصريحات "كير" في سياق أزمة سياسية بين حزب "المؤتمر الوطني" وبين الأحزاب والحركات السودانية الأخرى، وفي سياق الإعداد لانتخابات أبريل 2010م، وهذا ما يعطيها أهمية تتراوح ما بين إقامة دولة علمانية وما بين الانفصال.وإذا ما كان هناك ترجيح لانفصال جنوب السودان، فإن القضية الأساسية تتعلق بمستقبل السودان كدولةٍ ومدى ضمان عدم تنافس النزاعات الانفصالية في الأقاليم الأخرى في الغرب والشرق، فهذه المسائل لا تزال محل جدل كبير، كما أنها تشهد تدخلاً دوليًّا كثيفًا في الشئون الداخلية السودانية وفي كل الأقاليم، وهذا لا يقتصر فقط على التدخل الدولي، وخاصةً الأمريكي المتصهين في دارفور، ولكن أيضًا في جنوب السودان وفي الشرق.ولتقليل احتمالات الانفصال، فإنه من الضروري العمل على توسيع فرص المشاركة في صياغة القوانين وفقًا للقواعد التي تم التوافق حولها أثناء الفترة الانتقالية، كما أن الصيغة التي طرحها الاتحاد الإفريقي لتسوية أزمة "دارفور" ودعوته لإنشاء محاكم مختلطة قد تخفف من حدة الأزمة أو تساعد في تجنب تدخل المحكمة الجنائية الدولية.
ثالثًا: الشأن الدولي السياسة الخارجية الأمريكية.. تركيز على السياسات العسكرية:
لعله من الملاحظ أن الخطاب السياسي الأمريكي بات أقرب إلى الحسم بالوسائل الأمنية والعسكرية في السياسة الخارجية، وهذا ما يعني انتهاء فترة الجدل حول وجود بدائل من السياسات الناعمة والخشنة لدى الإدارة الأمريكية.
يتضح ذلك في عدة ملفات هي محل اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية في هذه الفترة بشكلٍ خاص تجاه باكستان وإيران وأفغانستان، فضلاً عن الموقف من القضية الفلسطينية.فقد كان لافتًا أن تواجه الخارجية الأمريكية الانتقاد الباكستاني من قِبل الجيش وبعض الأحزاب للسياسة الأمريكية ووصفها بأنها سياسة تدخلية، بمزيدٍ من الاتهام والتشكك والادعاء بأن الجيش الباكستاني والمخابرات يقدمون تسهيلات لتنظيم القاعدة والإيحاء بأن الجيش لديه معلومات عن العناصر القيادية، ولكنه لا يتعاون مع الجيش الأمريكي، هذه التصريحات وإن كانت تكشف عن رغبة في دفع الجيش الباكستاني لمواصلة العدوان على الباكستانيين، إلا أنها في ذات الوقت تكشف عن الانحياز الكامل لصالح الحلول الأمنية والعسكرية، وهو ما قد يتعزز بعد فشل تجربة الانتخابات الأفغانية واتساع نطاق الحرب الأهلية في كل من أفغانستان وباكستان.
أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي تجاه إيران، فمن الملاحظ أن السياسة الأمريكية باتت أقرب لفرض حلول أحادية وأكثر ابتعادًا عن الحلول التفاوضية؛ حيث رأت الخارجية الأمريكية أنه على إيران الموافقة على مقترح لجنة (5 + 1) دون تعديل، وهناك تأكيد بأنه لا توجد فرصة لتأخير الموافقة الإيرانية، وقد حظى هذا الوقف بتأييد أوروبي واضح.
غير أن ما يعنينا هنا هو أن عملية صياغة السياسة الخارجية الأمريكية تتحدد ملامحها في تبني مواقف شديدة ومتصلبة تجاه النظم التي تعتبرها معاديةً لها من الدول والحركات، ومن المحتمل أن تكون امتدادًا لسياسة الإدارات السابقة، وهذا ما يعني أن مرحلة الجدل داخل الإدارة حول الدور الأمريكي في العالم قد حُسمت لتستمر الممارسات الأمريكية العسكرية كما كانت، ولا يظهر في الأفق القريب أن أمريكا يمكن أن تتراجع عنها.
قراءة في المشهد العام [28/10/2009] تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية
أولاً: الشأن الداخلي 1- الحراك السياسي نحو الإصلاح:
تشهد مصر حالة من الحِراك السياسي يتجه نحو تعزيز فرص الإصلاح السياسي على كافة المستويات؛ حيث يلاحظ في هذه الفترة تكون العديد من الفعاليات والتجمعات السياسية، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين التي تضع قضية الإصلاح السياسي نصب أعينها، وفي قلب اهتمامها، ويأتي ذلك مع نهاية عام 2009م، وفي استقبال عام 2010م الذي ستجري فيه الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشورى والشعب وبعده عام 2011م؛ حيث تجري انتخابات الرئاسة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها حركات إصلاحية عن نفسها وتعلن عن رغبتها ومساعيها للإصلاح، ولكن سبق ذلك جهود كبيرة بدأت في عام 2004م؛ حيث تضافر العديد من الحركات والتجمعات والقوى السياسية وتسابقوا على وضع أجندة للإصلاح السياسي، وقطعوا شوطًا مهمًّا باتجاه الانفتاح السياسي ودعم الحقوق السياسية، كما بذلت جهود مقدرة في العمل المشترك والعمل الجماعي، وهو ما ساهم في تقريب المواقف تجاه القضايا والشئون العامة والوطنية.
غير أن حركة المد الإصلاحي شهدت تراجعًا خلال العامين الماضيين، وهو ما يحتاج إلى نقاش واسع ومصارحة حتى يمكن وضع أجندة وطنية للإصلاح تراعي كل الغايات والآمال والتطلعات وتذلل كل المعوقات.
وهناك اعتقاد بأنه لا خلافَ على أن تكوين هذه الأجندة يقتضي، ويتطلب مشاركة ومساهمة، ليس فقط الحركات الاجتماعية والسياسية، ولكن أيضًا لا بد من مساهمة فعَّالة للأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها الفكرية، ولكي تتحقق الاستمرارية للجهود الإصلاحية، فإنه من الضروري إدراك المعوقات التي قللت من فعالية هذه الحركات الإصلاحية خلال العامين الماضيين، وأيضًا إدراك التحديات التي تعترضها حاليًّا ومستقبلاً.وباعتبار أن الإصلاح والحريات هدف مشترك لكل التيارات الفكرية والسياسية بأحزابها وحركاتها وتجمعاتها، فإنه من الأهمية السعي لبناء موقف مشترك، كما أنه من الأهمية تجاوز مسألة الخلاف في بعض القضايا بين جماعة الإخوان المسلمين وباقي الأحزاب والحركات ليبرالية كانت أو قومية باعتبار أن هذا الخلاف معوق عن توحيد الجهود الإصلاحية، بل ويعمل على إضعافها وتشتيت جهودها.ويتمثل التحدي الآخر في تضاؤل فرص التعبير والإعلان عن الحركة الإصلاحية من المنابر الحكومية، وخاصةً بعد تراجع دور مواقف بعض النقابات المهنية في التعبير عن الرأي وتوفير الحماية للمجتمع المدني والرأي العام وضعف الترابط والتضامن بينها.إن تنامي نشاط الحركات التي تنشد الإصلاح، يجب أن يُفضي إلى حركةٍ وطنيةٍ أو جبهة وطنية تتسع لكافة التيارات والحركات والقوى السياسية وتعمل على تسريع الخطى نحو الإصلاح.
2- حوادث الطرق وخطرها على الأمن القومي:
تعكس حوادث الطرق وزيادة معدلاتها وحجمها عاملين في غاية الأهمية والخطورة، فمن وجهة التحليل الاقتصادي فإنها تُشكِّل خسائر مباشرة للاقتصاد القومي المصري، أما من ناحية الإدارة والخدمات، فإنها تعكس التخلف في التخطيط والتطوير؛ ومما لا شك فيه أن ذلك يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.فمن الناحية الاقتصادية، فإن حوادث الطرق ومنها القطارات لا تزال تشكل قدرًا كبيرًا من الخسائر البشرية التي تتراوح حول معدل 15 ألف فرد سنويًّا، وفي الإمكانات والفرص الاقتصادية التي خسرتها الدولة جراء هذه الحوادث.ومن ناحية الخدمات التى توفرها الدولة لقطاع النقل والمواصلات فإن المشكلة هنا لا تتعلق فقط بغموض معايير المحاسبة، ولكنها تظهر أيضًا ضعف استخدام التطور التكنولوجي في إدارة الطرق وملائمتها للسير والكثافة المرورية وتوافر معايير السلامة، وهذه الجوانب تعدُّ من العوامل الأساسية في تزايد حوادث الطرق ولا سيما السكك الحديدية، وهذا لا ينفي وجود عوامل أخرى، مثل ضعف الموازنات وسوء الإنفاق والفساد.
ثانيًا: الشأن الإقليمي 1- الدعوة للانتخابات وأزمة السلطة الفلسطينية:
لا تعدُّ هذه المرة الأولى التي يدعو فيها رئيس السلطة الفلسطينية إلى انتخابات مبكرة أو دون توافق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، فقد دعا إلى انتخابات مبكرة في نهاية 2007م، ثم تراجع عنها لأن القضية الأساسية ليست في إصدار "مرسوم" الدعوة للانتخابات الرئاسية والتشريعية، ولكنها تتعلق بالظروف التي يصدر فيها القرار، ومع ذلك فقد أصدر قراره الثاني في هذه الأيام ليعلن عن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في 24 يناير 2010م؛ وذلك رغم أن ثمة مفارقة مهمة، تتمثل في انتهاء ولاية رئاسة السلطة في 9 يناير 2008م، ووجود نزاع قانوني حول ممارسة الرئيس لاختصاصاته، وفي ظلِّ تداخل شديد بين منظمة التحرير والسلطة، وبغض النظر عن التكييف القانوني للوضع داخل السلطة الفلسطينية، فإن الظروف السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية وظروف السلطة على وجه الخصوص والأزمة بين حركتي "فتح" و"حماس" تحول دون تنفيذ هذا "المرسوم" الذي صدر في سياق تعثر وارتباك المصالحة الفلسطينية في اللحظات الأخيرة؛ وذلك رغم قطع شوط مهم في التقريب بين مواقف الفصائل الفلسطينية، وبالتالي؛ فإنه من الممكن قراءة الدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية في يناير 2010م على أنها محاولة للتنصل من بعض الالتزامات التي أُعلن عنها أثناء المحادثات في القاهرة لتحقيق المصالحة.وهذه الالتزامات والاستحقاقات لا تتعلق فقط بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية، وإنما تمتد أيضًا لتطال التدخلات الخارجية في الشئون الفلسطينية، وهنا يمكن الإشارة إلى اعتراض الولايات المتحدة على مساس المصالحة الوطنية بمشروعها الأمني في الضفة الغربية، والذي يقوم على رعايته وتنفيذه فريق أمني أمريكي برئاسة الجنرال "دايتون"، والذي يتوافق معه ويسير في ركبه الرباعية الدولية التي تحركها أمريكا المتصهينة.ولقد كان لهذا الاعتراض أثر واضح على ارتباك المصالحة وإضعاف الدور المصري، بالإضافةِ إلى أن الممارسات الصهيونية في القدس والمسجد الأقصى تُشكِّل التهديدات المباشرة للسلطة الفلسطينية والفلسطينيين، غير أنه رغم هذا التهديد فإن السلطة انصرفت باهتمامٍ إلى تعزيز الخلافات مع الفصائل الفلسطينية، وكان الأولى بها العمل على جمعها لمواجهة حصار واحتلال المسجد الأقصى؛ الأمر الذي يجعل الدعوة لإجراء الانتخابات عاملاً أساسيًّا لصرف الأنظار والجهود عن القضايا الأساسية، ويفاقم من الأزمة بين الفلسطينيين ويقضي على فرص التوافق الوطني، ولهذا فإنه من الضروري مناقشة قضايا المصالحة الفلسطينية في مناخ متحرر من الضغوط الخارجية وخالٍ من الاشتباكات الداخلية.
2- السودان: سجالات المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية:
في الفترة الأخيرة تزايدت الخلافات بين حزب المؤتمر الوطني السوداني وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان، وقد كان آخر هذه الخلافات، هو ما يتعلق بمطالبة الحركة بإقرار مجلس الشعب لتسعة قوانين تراها ضرورية ومنها قانون الأمن الوطني؛ وذلك لأنها تتعلق بترتيبات الفترة الانتقالية.وقد شهدت الأزمة بين الجانبين تطورات سلبية خلال الأيام الماضية؛ حيث شهدت محاولات استقطاب للأحزاب والقوى السودانية، وشارك فيها التجمع الوطني، وفي هذا السياق عقدت الحركة الشعبية مؤتمر "جوبا" شاركت فيه أحزاب جنوبية وشمالية، غير أنه من الملاحظ أن الخطاب السياسي لمؤتمر "جوبا" يعكس حالة استقطاب شديدة سوف تؤثر على ما تبقَّى من الفترة الانتقالية، وبشكلٍ خاص ما يتعلق بانتخابات أبريل 2010م والاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان في يناير 2011م.وفيما يتعلق بترتيبات هذا الاستفتاء توافق المؤتمر والحركة على إجازة الاستفتاء بمشاركة ثلثي مَن يحق لهم التصويت والمقيمين في جنوب السودان؛ وذلك بعد أن كان المؤتمر الوطني يصرُّ على إجازةِ الاستفتاء بمشاركة 75% من الجنوبيين على مستوى السودان، والأكثر أهميةً من ذلك هو التوافق على إجازة نتائج التصويت بالأغلبية البسيطة (50 % +1).وفي سياق إدارة الخلافات والأزمة بين الطرفين، تحاول الحركة الشعبية توطيد علاقتها مع الولايات المتحدة، وتعمل على ترويج رؤيتها داخل الأوساط الأمريكية، في الوقت الذي تظهر فيه السياسة الأمريكية تجاه الحكومة السودانية (المؤتمر الوطني)، باستراتيجية أمريكية جديدة تجمع بين العقوبات والمساعدات، إلا أنها في حقيقتها تتجه نحو الضغط على الحكومة السودانية لحساب حركات دارفور والحركة الشعبية، وبهذا المعنى يمكن القول بأن السياسة الأمريكية تراجعت عن تحسين علاقتها مع حكومة (البشير) وهي السياسة التقليدية التي اتبعتها الإدارات الأمريكية منذ العقد الماضي؛ ويؤكد ذلك قرار الرئيس الأمريكي بالأمس لاستمرار العقوبات المفروضة على السودان.وفي سياق المواقف الدولية تجاه التطورات الداخلية في السودان، يلاحظ أن السياسة البريطانية على سبيل المثال تولى اهتمامًا لدعم حكومة جنوب السودان ومساعدتها في الإعداد لانتخابات أبريل 2010؛ ولذلك يمكن القول بأن التعامل المصري مع تداعيات الأزمة في السودان قد جاء متأخرًا عن الأدوار الدولية الأخرى، وهو ما قد يقلل من تأثير المشروعات المصرية في جنوب السودان، ويساعد على استمرار التهديدات لمنابع النيل ويترك مساحة واسعة للصهاينة ليعبثوا بالأمن القومي المصري من الجنوب.
ثالثًا: الشأن الدولي الانفجارات في أفغانستان وباكستان وإيران:
خلال الفترة الماضية شهدت أفغانستان وباكستات تدهورًا أمنيًا ملحوظًا قد يؤدي في المدى المنظور إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية في البلدين، كما أنه من المحتمل أن يمتد إلى إيران ليشكل حالة إقليمية تؤثر على باستقرار هذه البلدان.
فمن الملاحظ في هذه الفترة تصاعد حالة عدم الاستقرار في كلٍّ من أفغانستان وباكستان، فمن ناحيةٍ زاد تهديد وخسائر قوات "الأطلسي" في أفغانستان، وخاصةً أن عدد القتلى من الجنود الأمريكيين قد بلغ حتى الآن خلال هذا الشهر (أكتوبر 2009م 53 قتيلاً، ومن ناحيةٍ أخرى تزايدت العمليات المسلحة ضد الجيش ورموز السلطة في باكستان، والخطورة التي تُمثلها هذه العمليات على الجانبين تتمثل في أنها تشكل تأثيرًا مباشرًا على الحكومتين وحلفائهما، وهو أمر يعكس حالة من التهديد المتبادل بين الأطراف المختلفة.وقد انعكس هذا التطور في استمرار تردد الولايات المتحدة في إرسال جنود إضافيين إلى أفغانستان، وتزايدت معارضة الباكستانيين لشروط المساعدات الأمريكية؛ وذلك على الرغم من إفراد الولايات المتحدة لإستراتيجية عسكرية وسياسية تجاه البلدين؛ ولذلك يمكن القول بأن التقريرات والافتراضات التي قامت عليها الإستراتيجيات شابتها أخطاء كثيرة ترتب عليها زيادة الخسائر المباشرة ليس فقط على مستوى الخسائر في الأفراد والمعدات العسكرية، ولكن أيضًا على مستوى الخسائر اللوجستية.فقد دفع وجود التهديد المتبادل باتجاه إعادة النظر في دعم عمليات الأطلسي في البلدين، فإلى جانب روسيا أعلنت اليابان عن وقف التسهيلات التي تقدمها لقوات الأطلسي في أفغانستان، وهو ما يشكل ضغطًا على السياسة العسكرية للحلف في هذه المنطقة، وخاصةً بعد اختلال الأوضاع الأمنية واختراقها للحدود الإيرانية وبشكلٍ يزيد من التوتر الإقليمي.إن التدهور الأمنى يثير مسألة في غاية الأهمية، وتتمثل في عدم القدرة على بناء سياسي مستقر في ظل فوضى أمنية عارمة، فالمشاهدات المتعلقة بهذا الجانب تشير إلى وجود تعثر شديد في الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، هذا التعثر ليس بسبب التزوير فقط، ولكن أيضًا بسبب غياب المشروع السياسي الوطني في البرامج الانتخابية المطروحة؛ ولذلك لم تلق العملية الانتخابية تأييدًا أو حماية شعبية سواء ضد التزوير أو ضد حركة "طالبان"، وبهذا المعنى فإن نتائج الانتخابات أيًّا كانت- سوف لا تساهم في تطوير العملية السياسية في الدولة بقدر ما إنها تعيد دورة الصراع مرةً أخرى، وخير شاهد على ذلك ما وقع فجر يوم 28/10/2009م من هجومٍ على دار الضيافة التابعة للأمم المتحدة في كابل وقتل عددٍ من النزلاء الأجانب، وكذلك إطلاق الصواريخ على أحد الفنادق في كابل؛ لأنه يعتقد أن بها أجانب يشاركون في العملية الانتخابية المزمع إجراؤها، وقد أعلنت حركة طالبان مسئوليتها عن الهجومين وأعلنت أيضًا أن الهدف منهما تعويق الانتخابات، وفي ذات الوقت، فإن محاولة الرئيس الأمريكي لاستصدار قرار من الكونجرس يسمح برصد مبالغ مالية تدفع لأفراد طالبان الذين قد يرغبون في ترك السلاح والكف عن الهجوم على القوات الأمريكية وقوات التحالف لا يتوقع لها النجاح لاختلاف الحال في أفغانستان عنه في العراق.أما على مستوى باكستان، فإن الانفجار الأمني يرتبط بشكلٍ وثيقٍ بتوسع عمليات الجيش ضد السكان المدنيين وتزايد التدخل الأمريكي سياسيًّا وعسكريًّا في الشئون الباكستانية، وهو ما يؤدي إلى نشوب ما يشبه الحرب الأهلية بين الدولة والمجتمع، وتحاول وزير الخارجية الأمريكية في زيارتها يوم 18/10/2009م لإسلام أباد أن تصل إلى ما تريده الولايات المتحدة بإقناع جنرالات الجيش بضرورة الاستمرار في هجومهم وعدوانهم على المدنيين بدعوى محاربة القاعدة وطالبان، الأمر الذي يستهلك قوى باكستان ويهدد أمنها القومي من داخلها.وبالتالي فإن إمكانية بناء نظام سياسي ديمقراطي في ظلِّ الحرب والتدخل العسكري، تعد مستحيلة؛ وذلك بسبب عاملين؛ الأول، هو عدم تجانس السياسات ووسائل العمل، وثانيًا، المحاولات المستمرة لفرض الأيديولوجية الليبرالية على الشعوب وإزاحة القيم الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق